عاملان أساسيان كانا وراء ترجيح كفة التصويت بنعم فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، الأول والأهم هو تصور البعض أن فى الرفض مساسا بالمادة الثانية من الدستور. والثانى هو اعتقاد البعض أن فى الرفض تعطيلا لاستقرار الأوضاع فى مصر. ومع أن المادة الثانية كما نعلم لم تُطرح للتصويت، لكن من صوتوا دفاعا عنها طمأنهم نص الإعلان الدستورى فى مادته الثانية على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع.
أما هدف الاستقرار الذى توخاه البعض ممن صوتوا بنعم فثمة مؤشرات كثيرة على أنه يتعرض لتهديد حقيقى مالم يتم التعامل مع تلك المؤشرات بالجدية والسرعة الممكنتين.
المؤشر الأول هو فتح مصر أمام تدفق بشرى ومالى فى تلك المرحلة التى يشتد فيها الصراع الإقليمى والدولى على تشكيل مستقبل مصر، وفى وقت بلغ فيه تردى الأوضاع الأمنية مبلغا كلنا نعلمه.
فى عدد المصرى اليوم بتاريخ 1 أبريل ورد خبر على الصفحة الأولى عن عودة «3000 قيادى بالجماعة الإسلامية من أفغانستان والشيشان والبوسنة والصومال وإيران»، وفى متن الخبر إشارة إلى أنه تجرى حاليا تسوية الأوضاع القانونية للمحكوم عليهم بالإعدام حتى يمكنهم العودة إلى مصر.
الخبر الخطير لم ينفه أو يؤكده مصدر رسمى حتى صباح 4 أبريل عندما نشرت الأهرام خبرا يفيد أن الشيخ حافظ سلامة المتحدث الإعلامى باسم الجماعة الإسلامية ذكر أن «هؤلاء الجهاديين ملتزمون تماما بمبادرة إنهاء العنف». كما أكد محامى الجماعة الإسلامية وصول أحد هؤلاء «الجهاديين» فعلا وأن المحكوم عليهم فى قضايا إرهابية عددهم ثلاثة فقط. توقيت قرار السماح بعودة القياديين فى الجماعات الإسلامية يثير العجب على ضوء حل جهاز أمن الدولة وعدم تبلور ملامح جهاز الأمن الوطنى بما يمكنه من القيام بدوره فى حماية أمن مصر، وإن يكن على كل حال ليس القرار العجيب الوحيد فى هذه الأيام.
إن أحدا لا يناقش فى حق كل مصرى أدين ظلما ــ فى عهد النظام السابق ــ فى أن يعود لأرض مصر، لكن بأى آليات يمكن الآن فحص ملفات هؤلاء العائدين؟ وماذا عن طبيعة نشاطهم فى ساحات ملغومة أكثرها يمثل مرتعا لنشاط تنظيم القاعدة؟ وما هى ضمانات الالتزام بمبادرة وقف العنف؟ وماذا عن وضع الثلاثة المحكوم عليهم فى قضايا إرهابية
على صعيد آخر، فإن ثورة مصر وظهور قوى دينية وتيارات سياسية يبحث كل منها عن موقع له على الساحة المصرية، عوامل أدت إلى جذب مال عربى وأجنبى وفير قدمته جهات عديدة ممثلة فى دول وأشخاص ومنظمات إقليمية ودولية، بعضها معلوم والآخر غير معلوم، منها ما يرتبط بمبادرات لنشر الديمقراطية والتوعية السياسية ومنها ما يستهدف تدعيم مواقف قوى دينية وتيارات سياسية بعينها على حساب أخرى. وإذا كان من الضرورى التريث فى فتح أبواب مصر أمام المهاجرين طوعا أو قسرا إلى ساحات عربية وإقليمية تغص بالمشاكل، فإن الضرورة نفسها تقتضى الانتباه إلى مصادر التمويل وأهدافه من دون خنق العمل الأهلى أو التضييق على نشاط المنظمات غير الحكومية.
المؤشر الثانى هو التطور النوعى فى أعمال البلطجة من جانب وفى تعديات بعض غلاة السلفيين على قطاعات مختلفة من المصريين من جانب آخر.
البلطجة التى شهدتها مباراة النادى الأفريقى التونسى والزمالك تتجاوز شغب الملاعب إلى البلطجة السافرة، وإشهار السلاح الأبيض، وإعمال التكسير فى منشآت الاستاد ومحاولة التعدى على الحكم واللاعبين. الأكثر إيلاما أن تلك البلطجة تتم بحق لاعبين من تونس هذا البلد الذى يدين له كل مصرى بشرف إشعال فتيل الثورة، كما أنها تشمل حَكم المباراة الجزائرى وكنا نتمنى لو كانت الثورة أغلقت ملف الجرح الكروى مع الجزائر إلى الأبد.
ومن جهة أخرى فإن تحطيم بعض غلاة السلفيين عددا من الأضرحة، وتعدهم بالإتيان عليها جميعا فى مختلف أنحاء الجمهورية بل وتطاولهم بمجرد التفكير فى هدم ضريح الإمام الحسين رضى الله عنه، ينقل المواجهة مع هذا التيار السلفى المتشدد إلى مرحلة جديدة تماما تسيل فيها دماء المصريين فى الشوارع على حد تصريح د.أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، وبالفعل فقد توعد الصوفيون برد مرير على مهاجمة أضرحة أوليائهم. على صعيد آخر،فإن التهاون مع تلك الجرائم يمهد لتكرارها فى الكنائس والأديرة، وأيضا المعابد والمقابر الفرعونية، ولذلك فإن مثل هذا الخطر لا تزِع أصحابه إلا قوة السلطان وسيادة القانون بشكل حاسم لا يقبل التفاهم أو الوساطة أو مجالس الصلح.
المؤشر الثالث تزايد الخلط بين الدين والسياسة على نحو بات يهدد بتقويض أساس الدولة المصرية. جزء من هذا الخلط واضح بحكم الرفض المبدئى لفصل الدين عن السياسة كما فى رفض الجماعة الإسلامية مثلا حظر تشكيل الأحزاب على أساس دينى وإصرارها على تشكيل حزب سياسى يمثلها فهل ستمرره لجنة الأحزاب ؟ لكن جزءا من هذا الخلط ملتبس نتيجة إمساك العصا من المنتصف كما فى تأكيد الإخوان مدنية الدولة ثم رفضهم على لسان د. محمد البلتاجى ما ذهبت إليه قوى الوفد والغد والجبهة من المطالبة بتشريع يجرم الزج بالدين فى السياسة، أو إعدادهم لتشكيل حزب سياسى مع تمسكهم بالتعبئة السياسية من المساجد.
فى الحالتين يؤدى خلط الدين بالسياسة إلى نتائج كارثية وذلك مثلا عندما يتم الافتاء بتكفير النظام والدولة والمجتمع بناء على قراءة خاصة للنصوص الدينية أو الاستناد إلى أحاديث نبوية معينة، ثم يتم تعديل تلك الفتوى بعد تغير النظرة إلى النصوص أو اكتشاف ضعف سند بعض الأحاديث، وأمثلة ذلك أكثر من أن تحصى.
إن إزالة اللبس بين ما هو دينى وما هو سياسى ووضع تعريف إجرائى لمفهوم الدولة المدنية هو وحده الكفيل بوقف الخلط بين المجالين. وهذه المهمة مطلوبة الآن وفورا لأن شهية القوى الدينية لابتلاع الساحة السياسية فى أوجها، وفى هذا خطر شديد على وحدة صف الثوار وتماسكهم. وليعلم ولاة أمورنا أن كل ساحة تخليها الدولة وتملأها القوى الدينية لن يكون من السهل عليها استردادها.
المؤشر الرابع والأخير هو الخاص بالغموض الذى يكتنف صياغة قانون الانتخابات البرلمانية. وطالما أن القوانين تصاغ ويجرى إلزام القوى السياسية بها دون مشاورتها كما حدث مع قانون الأحزاب الجديد ،فلا أقل من تسجيل ملاحظة مبدئية حبذا لو تؤخذ بعين الاعتبار عند صياغة القانون الانتخابى قبل أن يصدر ويصبح ملزما للجميع، وتلك هى أن تكون الانتخابات المقبلة بنظام مختلط يقوم على القائمة النسبية ويحتفظ بنسبة للمستقلين. فمثل هذا القانون يسمح بتفعيل دور الأحزاب ويفتح طاقة أمل أمام عناصر شابة واعدة ولكن غير معروفة جماهيريا، وذلك عندما تترشح تلك العناصر على قوائم أحزاب ويصوت الناخبون على الأسماء المتضمنة فيها. وتتعزز فرص تلك العناصر بقدر ما تتجه التيارات الفكرية المتقاربة إلى التكتل وتكوين جبهات حزبية تحول دون تفتيت الأصوات الانتخابية.
إن التصويت بنعم للاستقرار يرتب مسئولية على من دعوا إليه تجاه المواطنين الذين سمعوا منهم واستجابوا لهم، وهى مسئولية سياسية بالأساس لكنها أيضا التزام أدبى لا يقل أهمية.
أما هدف الاستقرار الذى توخاه البعض ممن صوتوا بنعم فثمة مؤشرات كثيرة على أنه يتعرض لتهديد حقيقى مالم يتم التعامل مع تلك المؤشرات بالجدية والسرعة الممكنتين.
المؤشر الأول هو فتح مصر أمام تدفق بشرى ومالى فى تلك المرحلة التى يشتد فيها الصراع الإقليمى والدولى على تشكيل مستقبل مصر، وفى وقت بلغ فيه تردى الأوضاع الأمنية مبلغا كلنا نعلمه.
فى عدد المصرى اليوم بتاريخ 1 أبريل ورد خبر على الصفحة الأولى عن عودة «3000 قيادى بالجماعة الإسلامية من أفغانستان والشيشان والبوسنة والصومال وإيران»، وفى متن الخبر إشارة إلى أنه تجرى حاليا تسوية الأوضاع القانونية للمحكوم عليهم بالإعدام حتى يمكنهم العودة إلى مصر.
الخبر الخطير لم ينفه أو يؤكده مصدر رسمى حتى صباح 4 أبريل عندما نشرت الأهرام خبرا يفيد أن الشيخ حافظ سلامة المتحدث الإعلامى باسم الجماعة الإسلامية ذكر أن «هؤلاء الجهاديين ملتزمون تماما بمبادرة إنهاء العنف». كما أكد محامى الجماعة الإسلامية وصول أحد هؤلاء «الجهاديين» فعلا وأن المحكوم عليهم فى قضايا إرهابية عددهم ثلاثة فقط. توقيت قرار السماح بعودة القياديين فى الجماعات الإسلامية يثير العجب على ضوء حل جهاز أمن الدولة وعدم تبلور ملامح جهاز الأمن الوطنى بما يمكنه من القيام بدوره فى حماية أمن مصر، وإن يكن على كل حال ليس القرار العجيب الوحيد فى هذه الأيام.
إن أحدا لا يناقش فى حق كل مصرى أدين ظلما ــ فى عهد النظام السابق ــ فى أن يعود لأرض مصر، لكن بأى آليات يمكن الآن فحص ملفات هؤلاء العائدين؟ وماذا عن طبيعة نشاطهم فى ساحات ملغومة أكثرها يمثل مرتعا لنشاط تنظيم القاعدة؟ وما هى ضمانات الالتزام بمبادرة وقف العنف؟ وماذا عن وضع الثلاثة المحكوم عليهم فى قضايا إرهابية
على صعيد آخر، فإن ثورة مصر وظهور قوى دينية وتيارات سياسية يبحث كل منها عن موقع له على الساحة المصرية، عوامل أدت إلى جذب مال عربى وأجنبى وفير قدمته جهات عديدة ممثلة فى دول وأشخاص ومنظمات إقليمية ودولية، بعضها معلوم والآخر غير معلوم، منها ما يرتبط بمبادرات لنشر الديمقراطية والتوعية السياسية ومنها ما يستهدف تدعيم مواقف قوى دينية وتيارات سياسية بعينها على حساب أخرى. وإذا كان من الضرورى التريث فى فتح أبواب مصر أمام المهاجرين طوعا أو قسرا إلى ساحات عربية وإقليمية تغص بالمشاكل، فإن الضرورة نفسها تقتضى الانتباه إلى مصادر التمويل وأهدافه من دون خنق العمل الأهلى أو التضييق على نشاط المنظمات غير الحكومية.
المؤشر الثانى هو التطور النوعى فى أعمال البلطجة من جانب وفى تعديات بعض غلاة السلفيين على قطاعات مختلفة من المصريين من جانب آخر.
البلطجة التى شهدتها مباراة النادى الأفريقى التونسى والزمالك تتجاوز شغب الملاعب إلى البلطجة السافرة، وإشهار السلاح الأبيض، وإعمال التكسير فى منشآت الاستاد ومحاولة التعدى على الحكم واللاعبين. الأكثر إيلاما أن تلك البلطجة تتم بحق لاعبين من تونس هذا البلد الذى يدين له كل مصرى بشرف إشعال فتيل الثورة، كما أنها تشمل حَكم المباراة الجزائرى وكنا نتمنى لو كانت الثورة أغلقت ملف الجرح الكروى مع الجزائر إلى الأبد.
ومن جهة أخرى فإن تحطيم بعض غلاة السلفيين عددا من الأضرحة، وتعدهم بالإتيان عليها جميعا فى مختلف أنحاء الجمهورية بل وتطاولهم بمجرد التفكير فى هدم ضريح الإمام الحسين رضى الله عنه، ينقل المواجهة مع هذا التيار السلفى المتشدد إلى مرحلة جديدة تماما تسيل فيها دماء المصريين فى الشوارع على حد تصريح د.أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، وبالفعل فقد توعد الصوفيون برد مرير على مهاجمة أضرحة أوليائهم. على صعيد آخر،فإن التهاون مع تلك الجرائم يمهد لتكرارها فى الكنائس والأديرة، وأيضا المعابد والمقابر الفرعونية، ولذلك فإن مثل هذا الخطر لا تزِع أصحابه إلا قوة السلطان وسيادة القانون بشكل حاسم لا يقبل التفاهم أو الوساطة أو مجالس الصلح.
المؤشر الثالث تزايد الخلط بين الدين والسياسة على نحو بات يهدد بتقويض أساس الدولة المصرية. جزء من هذا الخلط واضح بحكم الرفض المبدئى لفصل الدين عن السياسة كما فى رفض الجماعة الإسلامية مثلا حظر تشكيل الأحزاب على أساس دينى وإصرارها على تشكيل حزب سياسى يمثلها فهل ستمرره لجنة الأحزاب ؟ لكن جزءا من هذا الخلط ملتبس نتيجة إمساك العصا من المنتصف كما فى تأكيد الإخوان مدنية الدولة ثم رفضهم على لسان د. محمد البلتاجى ما ذهبت إليه قوى الوفد والغد والجبهة من المطالبة بتشريع يجرم الزج بالدين فى السياسة، أو إعدادهم لتشكيل حزب سياسى مع تمسكهم بالتعبئة السياسية من المساجد.
فى الحالتين يؤدى خلط الدين بالسياسة إلى نتائج كارثية وذلك مثلا عندما يتم الافتاء بتكفير النظام والدولة والمجتمع بناء على قراءة خاصة للنصوص الدينية أو الاستناد إلى أحاديث نبوية معينة، ثم يتم تعديل تلك الفتوى بعد تغير النظرة إلى النصوص أو اكتشاف ضعف سند بعض الأحاديث، وأمثلة ذلك أكثر من أن تحصى.
إن إزالة اللبس بين ما هو دينى وما هو سياسى ووضع تعريف إجرائى لمفهوم الدولة المدنية هو وحده الكفيل بوقف الخلط بين المجالين. وهذه المهمة مطلوبة الآن وفورا لأن شهية القوى الدينية لابتلاع الساحة السياسية فى أوجها، وفى هذا خطر شديد على وحدة صف الثوار وتماسكهم. وليعلم ولاة أمورنا أن كل ساحة تخليها الدولة وتملأها القوى الدينية لن يكون من السهل عليها استردادها.
المؤشر الرابع والأخير هو الخاص بالغموض الذى يكتنف صياغة قانون الانتخابات البرلمانية. وطالما أن القوانين تصاغ ويجرى إلزام القوى السياسية بها دون مشاورتها كما حدث مع قانون الأحزاب الجديد ،فلا أقل من تسجيل ملاحظة مبدئية حبذا لو تؤخذ بعين الاعتبار عند صياغة القانون الانتخابى قبل أن يصدر ويصبح ملزما للجميع، وتلك هى أن تكون الانتخابات المقبلة بنظام مختلط يقوم على القائمة النسبية ويحتفظ بنسبة للمستقلين. فمثل هذا القانون يسمح بتفعيل دور الأحزاب ويفتح طاقة أمل أمام عناصر شابة واعدة ولكن غير معروفة جماهيريا، وذلك عندما تترشح تلك العناصر على قوائم أحزاب ويصوت الناخبون على الأسماء المتضمنة فيها. وتتعزز فرص تلك العناصر بقدر ما تتجه التيارات الفكرية المتقاربة إلى التكتل وتكوين جبهات حزبية تحول دون تفتيت الأصوات الانتخابية.
إن التصويت بنعم للاستقرار يرتب مسئولية على من دعوا إليه تجاه المواطنين الذين سمعوا منهم واستجابوا لهم، وهى مسئولية سياسية بالأساس لكنها أيضا التزام أدبى لا يقل أهمية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات