أدلة ودلائل أن مصر دخلت مرحلة جديدة وخرجت من سرداب القمع والتزوير الذى عاشته ثلاثين عاما بدت شديدة الوضوح فى هذا الإقبال على التصويت فى استفتاء تعديل الدستور، هذا لا يعنى بطبيعة الحال أن شعبا عاش فى سرداب ثلاثين عاما قد نجا وبرأ من كل تأثيرات الخنقة والعتمة فى هذا السرداب
يوم الاستفتاء كانت مصر تعلن نجاح العملية الجراحية لهذا الشعب لكن بالتأكيد أن الآثار الجانبية من جراءالعملية واضحة كما أن نسبة الشفاء الكامل تحتاج وقتا فزرع قلب أو نزع ورم مثلا يستلزم أدوية ومقويات ومضادات حيوية لاسترداد كامل الصحة والعافية والحذر –دون أن يتحول فزعا أو ذعرا أو حتى توترا –من انتكاسة ما بعد العملية!
قال الشعب نعم وقد قالها فى كل الاستفتاءات السابقة منذ ثورة 1952 بل وكان المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى يدير شئون البلاد وحكومة البلاد يريدان أن يقول الشعب نعم وقد قالها فعلا لكنها المرة الأولى التى يقولها بحرية وبدون تزوير، هذه أول نعم حرة فى تاريخ المصريين وأتمنى أن نعيش لنشهد أول لا فى تاريخ المصريين!
لاشك أن نعم هذه المرة كانت بفعل العمل السياسى والديمقراطى فقد حشد الحكم معنويا وبطرحه للتعديلات على هذا النحو من أجل كلمة نعم، كما كان الاعلام الحكومى والخاص يستجيب للدعوة إلى نعم ويتبناها تقريبا دون أن يحرم لا من نافذة تطل منها، كما كان التيار الاسلامى يخوض معركة نعم بكل وسائل التعبئة السياسية المشروعة وإن تجاوز وضلل وزور حين إدعى فى منشوراته ودعاياته أن (نعم) طريق الجنة وأن (لا) تودى النار ولم يكن هذا التيار مقتصرا على الإخوان المسلمين فلم ينفردوا بقوة التأثير ولا وسائل الحشد ولا فتاوى التضليل فهناك السلفيون الذين لعبوا دورا مخلوطا ومعجونا بالسياسة وأدخلوا مع الاخوان المادة الثانية فى الدستور فى جدل التعديلات ليستفزوا الناس بمزاعم رغبة الداعين للتصويت بـ(لا )فى إلغاء هذه المادة، وشارك السلفيون والجماعة الاسلامية بل وتنظيم الجهاد وجماعات الصوفية فى عزف سيمفونية إلحق دينك وقل نعم وهى منظومة تنبئ بأن التيار الاسلامى وفى قلبه الاخوان لا يتردد لحظة فى اللعب بالنار وإهانة المشاعر الدينية حين استخدمها زورا وبهتانا فى دفع الناس للتصويت على دين وليس على دستور!
كل ما فعله الاخوان والتيار الدينى صادفه نجاح لأن الخلاف بين رافضى التعديلات والموافقين عليه كان فنيا وتفصيليا ولم يكن التناقض بين الفريقين ضخما وهائلا حتى يتبين الناس الفرق والفارق فالفريقان يؤيدان الثورة ثم انهما يريدان دستورا جديدا ثم إنهما يتحدثان عن ضرورة الديمقراطية ويدافعان عن حق الشعب فى الاختيار ومن هنا كان الأمر غامضا على الكثيرين إلى حد لجوء الإخوان والسلفيين والجماعة الاسلامية الى تكثيف واختصار الفرق فى نقطة المادة الثانية الخاصة بالشريعة الاسلامية حتى يحرضوا الناس على التصويت بنعم لأن المبررات الأخرى كلها فنية وتفصيلية وغير جماهيرية، ثم نجح جهد التيار الاسلامى كذلك نتيجة تلاقيه عفوا أو قصدا مع ترويجات الحكم وبقايا جهاز الدولة القديم أن نعم تعنى الاستقرار كما سوق البعض أن الذين يقولون لا يريدون بقاء حكم العسكر!
العنصر الآخر الذى أنجح جهد الاخوان والسلفيين الدعائى التحريضى هو دخول الأقباط كأقباط وليس كمواطنين مصريين على الخط، لقد شعر الأقباط بالفزع من التواجد الدينى والاخوانى المفرط فى ساحة السياسة والاعلام فما كان منهم سوى التصرف كمفزوعين وليس كمواطنين فبدأوا التحدث باعتبار أن التصويت بـ(لا )فى مواجهة الاخوان وليس اقتناعا بـ(لا) ودخلت الكنيسة ومعها قساوسة على الخط فظهر الأمر كأنه تحول لنزال بين دينين وهى الأرضية التى يعشقها السلفيون ويجدون أجمل أيام حياتهم فيها وهنا التنبه إلى أن الاخوان والسلفيين لا يتحدثون باسم المسلمين بل واضح ومعروف أنهم تيار يقف ضده مسلمون بالملايين بينما حين يتحدث القساوسة والكنيسة فيبدو أنهم يمثلون المسيحيين ومن هنا يكسب التيار الاسلامى ويخسر الأقباط ثقلهم السياسى!
لكن اللافت هنا فعلا والمستغرب أن يقوم شباب الاخوان المسلمين واللجان الشعبية للدعوة السلفية والجماعة الاسلامية هكذا بمنتهى الوضوح والعلانية بتنظيم عملية الدخول للجان والتصويت فى الاستفتاء ورغم المظهر الحضارى والراقى الذى أظن أنهم التزموا به فعلا وهو جهد مقدر ومشكور لكنه إعلان سافر عن غياب الدولة والحكومة بما يجعلنا نشعر بالذهول من حكومة ودولة تتخلى عن دورها الواجب وتمنحه بمنتهى الرعونة لتيار منظم مهما كانت درجة انضباطه فى هذا المشهد الانتخابى ، لم يكن هناك حضور لحكومة دكتور عصام شرف ولا لضباط اللواء العيسوى فى هذا الاستفتاء وهو ما ينذر بخطر يرقى إلى مستوى المصيبة إذا ما تكرر المشهد فى الانتخابات التالية!
طبعا مع فخرنا وفرحنا وزهونا بالمشهد الديمقراطى فإنه لا شك أننا كلنا مطالبون وملزمون باحترام إرادة هذا الشعب فى الموافقة على التعديلات ونأمل صادقين أن يكون اختيار نعم كان هو الأصوب والأفضل لوطننا وأظن أن معركة الأيام القادمة هى ألا يتحفنا الدكتور طارق البشرى بقوانين مكملة يفاجئ بها القوى والتيارات الوطنية وتصبح قدرا على رؤوس الناس وأحسب أن اى قانون تحت الإنشاء فى حاجة إلى تحاور خارج الغرف المغلقة على السيد المستشار وصحبه ولا أتصور أنه مقبول وطنيا أن يتفرد بإصداره ثم يمضى الأمر على طريقة نفذ واتظلم!
الذى يخشى على هذا الوطن حتى من نفسه عليه أن يناضل من أجل انتخابات برلمانية بالقائمة النسبية واستغفر الله لى ولكم وللجنة تعديل الدستور....!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات