الأقسام الرئيسية

كل الأنظمة العربية أصبحت في دائرة الخطر

. . ليست هناك تعليقات:
بعد انتصار ثورتي تونس ومصر

طفل يلوح بعلم مصر فيما الملايين يتجمعون في ميدان التحرير للاحتفال بانتصار الثورة الجمعة الماضي (ا ب)
طفل يلوح بعلم مصر فيما الملايين يتجمعون في ميدان التحرير للاحتفال بانتصار الثورة الجمعة الماضي (ا ب)
ديفيد كيرباتريك وديفيد سانغر
ترجمة واعداد محمد أمين
حين خرج المتظاهرون لتحدي قوات الأمن في ميدان التحرير كانوا يستلهمون التجربة التونسية. لقد كان التواصل عبر موقع فيسبوك جزءا من تعاون امتد لعامين، وافضى الى ولادة قوة جديدة في العالم العربي، هي عبارة عن حركة شبابية عربية تكرس جهودها لنشر الديموقراطية في منطقة تفتقر اليها، لقد استغل النشطاء التونسيون والمصريون التكنولوجيا لتفادي التنصت عليهم من قبل الأجهزة الرسمية، وأخذوا ينشرون التقارير والصور من التعذيب والقمع، وحول كيفية التعامل مع الرصاص المطاطي واقامة المتاريس.
وقد تبادل هؤلاء الناشطون تجاربهم في الشبكات الاجتماعية، وزاوجوا بين طاقة مشجعي كرة القدم ودقة ومهارة الجراحين، وقد اعتمد هؤلاء الناشطون الذين نأوا بأنفسهم عن أحزاب ومجموعات المعارضة التقليدية في العالم العربي على تكتيكات المقاومة السلمية المستوحاة من باحث أميركي من خلال لواء عربي شاب ولكنهم استعانوا أيضاً بتكتيكات مستخدمة في «سيليكون فالي» وادي السيليكون. وحين تضخمت المظاهرات المناهضة للدولة وجد المحتجون أنفسهم يخوضون حرباً فعلية مع قائد ذي رؤية مختلفة، هو جمال ابن الرئيس حسني مبارك، وهو مصرفي ثري، ورجل نافذ في الحزب الحكم. وكان الوريث المحتمل لوالده في الحكم حتى لحظة اندلاع الثورة التي قضت على التوريث. لقد كان جمال مبارك هو الذي ضغط على والده للتمسك بالسلطة، على الرغم من أن كبار الجنرالات ورئيس الوزراء كانوا يحثونه على التخلي عن السلطة، وفقاً لمسؤولين أميركيين كانوا يتابعون الأيام الأخيرة لحسني مبارك.

وقال هؤلاء المسؤولون إن خطاب التحدي يوم الخميس الذي سبق التنحي كان من صنع جمال مبارك.
يقول مسؤول أميركي، وصف دور جمال، إنه سبب الوضع المأساوي الذي وصل إليه مبارك، أنه (أي جمال) كان أكثر تشدداً من والده، وأن الخطاب الأخير الذي صممه كانت له نتائج عكسية تماماً، إذ اضطر الجيش إلى التدخل، وإجبار الرئيس على التنحي، وفرض سيطرته على البلاد مع التعهد بنقل السلطة إلى حكومة مدنية.
والآن يتطلع القادة الشباب إلى ما هو أبعد من مصر، حيث يقول وليد رشيد أحد أعضاء حركة شباب 6 أبريل «إن تونس هي القوة التي دفعت مصر إلى الثورة، ولكن ما فعلته مصر سيكون القوة الدافعة للعالم كله». وتحدث رشيد عن تبادل الشباب تجاربهم مع حركات شبابية أخرى في ليبيا والجزائر والمغرب وإيران.
وأضاف إذا خرجت مجموعة صغيرة من الشباب في كل بلد وصمدت كما فعلنا، فسوف تكون هذه النهاية لكل الأنظمة القمعية، وتندر بالقول «إن مؤتمر القمة العربي المقبل سيكون بمنزلة حفل تعارف بين الرؤساء الشباب الجدد».
لقد استغرقت الثورة المصرية سنوات وهي تختمر، فقد انخرط الشاب احمد ماهر (30 عاماً) ويعمل مهندساً مدنياً واحد ابرز منظمي «حركة شباب 6 أبريل» للمرة الاولى في حركة كفاية في عام 2005، فقد نظم ماهر وغيره مجموعتهم الخاصة تحت مسمى «شباب من اجل التغيير»، لكن لم يتمكنوا من اجتذاب ما يكفي من الانصار وادت الاعتقالات الى شل قيادتهم وضياعها وسط احزاب المعارضة المعترف بها بصورة شرعية، وقال ان «ما دمر حركتنا هي الاحزاب القديمة»، وقد اعتقل اربع مرات خلال السنوات القليلة الماضية.
ومع حلول عام 2008، تحول الكثير من الشباب المصري الى اجهزة الكمبيوتر وأخذوا يشاركون ويطلعون على المدونات، في محاولة لتأييد موجة من الاضرابات العمالية المعزولة الناجمة عن عمليات الخصخصة وارتفاع معدلات التضخم.

مصادمات كبرى
وبعد اضراب لعمال غزل المحلة في مارس الماضي، دعا ماهر واصدقاؤه الى اضراب في جميع انحاء مصر في يوم السادس من ابريل، واقاموا تجمعاً على موقع فيسبوك يشكل اداة ربط بينهم، وقرروا ابقاءه مستقلاً عن اي تجمعات سياسية، ولكن الاحوال الجوية السيئة في ذلك العالم أفشلته في معظم الاماكن، ورجال الشرطة تصدوا بالقوة لمتظاهري المحلة وعائلاتهم، وكان تلك اولى المصادمات الكبرى بين الناس وقوات الأمن.
وبعد اشهر قليلة، واثر الاضراب الذي أُعلن في مدينة حوض المونجامي، اتبعت مجموعة من الشباب المتواصل على شبكة الانترنت النموذج ذاته، واقاموا ما عرف بـ«شباب تونس التقدمي»، وبدأ الشباب في البلدين يتبادلان تجاربهم عبر موقع فيسبوك.
لقد واجه الشباب التونسي دولة بوليسية اكثر قمعاً من مصر واكثر قدرة على اختراق المواقع الالكترونية واقل تسامحاً مع هذه المواقع، لكن اتحاداتهم العمالية كانت اقوى واكثر استقلالية من مثيلاتها في مصر.
لقد بدأ ماهر وزملاؤه يقرأون عن المقاومة السلمية، فاهتدوا تحديداً الى حركة شبابية صربية تدعى OTPOR التي ساعدت في إسقاط سلوبودان ميلوسوفيتش، وذلك خلال اسلتهام افكار المفكر السياسي الاميركي جين شارب، وكانت الفكرة الاساسية لشارب مناسبة تماما للنموذج المصري، فهو يجادل ان المقاومة السلمية فعالة في إضعاف الدول البوليسية التي تفضل المقاومة المسلحة لتبرير القمع باسم تحقيق الاستقرار.

أكاديمية التغيير
لقد جعلت حركة شباب 6 ابريل شعارها باللونين الأحمر والأبيض تماما مثل شعار المنظمة الصربية OTPOR، كما سافر بعض الشبان التونسيين من أعضاء المجموعة إلى صربيا لمقابلة نشطاء من تلك الحركة.
ويقول كثيرون إن التأثير الآخر على الثورة هو الدور الذي لعبه بعض المغتربين المصريين من جيل الشباب الذين أسسوا منظمة في قطر تحت مسمى «أكاديمية التغيير» التي أخذت تروّج لأفكار مستقاة جزئيا من كتاب شارب وقد تعرض احد اعضاء هذه المنظمة ويدعى هشام مرسي اثناء المظاهرات الاخيرة.
ويقول عضو المنظمة باسم فتحي إن «الأكاديمية مثل كارل ماركس ونحن مثل لينين» ويعمل فتحي احيانا مع «حركة شباب 6 ابريل»، وهو ايضا مدير مشروع في «الاكاديمية المصرية للديموقراطية» التي تحصل على معونات من الولايات المتحدة وتركز نشاطها على حقوق الانسان ومراقبة الانتخابات، وقال اثناء احتلال المتظاهرين لميدان التحرير انه استخدم علاقته من اجل جمع تبرعات من رجال اعمال مصريين من اجل شراء بطانيات وخيام للمعتصمين في الميدان.
وقبل عام تقريبا، حصلت حركة التغيير المصرية على حليف استراتيجي هو وائل غنيم (31 عاما) الذي يعمل مديرا تنفيذيا في شركة غوغل، وشأنه شأن كثيرين مثله، تم تعريفه على الشبكة غير الرسمية من المنظمين الشباب التي توحّدت حول محمد البرادعي.
ولا يمتلك غنيم خبرة كبيرة في العمل السياسي، لكنه معارض شرس لجهاز الشرطة المصري الذي يسيء معاملة الشعب ويمثل عماد الحكومة المصرية، فعرض خدماته على هذه المجموعة، ويقول غنيم: «لقد عملت في التسويق وادركت انك اذا قدمت منتجا جيدا فسوف يكسب ثقة الناس بسرعة»..

رسالة بسيطة
وكانت النتيجة، ان أقام غنيم مجموعة على موقع فيسبوك تحت مسمى «كلنا خالد سعيد»، وهو الشاب الذي توفي تحت التعذيب على يد قوات الشرطة في مدينة الاسكندرية قبل حوالي عام. وبدأ التعاون بين غنيم وماهر من «حركة شباب 6 أبريل» والاتصال بمجموعة البرادعي. وقال انه استخدم حادثة مقتل خالد سعيد لتعريف المصريين بالحركات الديموقراطية في البلاد.
وقد ملأ الموقع بلقطات فيديو ومقالات من الصحافة حول عنف الشرطة، وكانت رسالته بسيطة «هذه بلادكم والمسؤول الحكومي موظف يأخذ راتبه من الضرائب التي تدفعونها ولكم حقوق»، واستفاد من عدم ثقة الناس بالإعلام الرسمي.
وفي النهاية، تمكن من استقطاب مئات الآلاف من المستخدمين، وبدأ التنسيق فيما بينهم ونظموا «يوماً للصمت» في شوارع القاهرة على سبيل التجربة، ثم جربوا توحيد زي المتظاهرين.. وهكذا.
وبعد اندلاع الثورة التونسية في الرابع عشر من يناير، وجدت «حركة شباب 6 أبريل» فرصة لتنظيم تظاهرات في يوم عيد الشرطة (25 يناير)، واستخدم وائل غنيم موقع فيسبوك لحشد التأييد للتظاهرات، وبالفعل شارك في تلك التظاهرات أكثر من مائة ألف شخص.
ويقول غنيم «لم أشهد في حياتي من قبل ثورة يتم الإعلان عنها مسبقاً». ففي هذا الوقت تحالفت هذه الحركة مع أنصار محمد البرادعي ومع بعض الأحزاب الليبرالية واليسارية، إضافة الى جناح الشباب في حركة الإخوان المسلمين وشاركوا جميعا في تظاهرة عيد الشرطة بإلهام من الثورة التونسية، ولم تشارك في تلك التظاهرات حركة الإخوان المسلمين (أو الجيل القديم من أعضاء الحركة الذين كان يصورهم نظام مبارك بالمتطرفين) في التظاهرة.
فقد صرح عصام العريان، العضو البارز في حركة الإخوان المسلمين الذي قال إن «من المفروض أن يكون يوم الشرطة الذي تصدت فيه الشرطة المصرية للإنكليز يوم فرح للجميع، ولكن لا يمكننا التعامل مع أناس مجهولين على موقع فيسبوك قبل نعرف من هؤلاء».

يوم غضب
وفي يوم 25 يناير خرج تحالف النشطاء الشباب الذين كان معظمهم من ميسوري الحال للتظاهر ضد النظام السلطوي وضد الفقر، وبدأت المظاهرات بمطالبات لتحسين أحوال معيشة الفقراء، ورفعوا شعارات مثل «إنهم يأكلون الحمام والدجاج ونحن نأكل الفول»، ولكن في نهاية اليوم وحين تجمع مئات الآلاف في ميدان التحرير، اتسعت مطالبهم وارتفع سقف مطالبهم لدرجة المطالب بإسقاط النظام، وهو الشعار الذي قال المنظمون إنهم قرأوه على اللافتات والمواقع التونسية، ويقول ماهر إنهم فكروا في اقتحام البرلمان، ومبنى التلفزيون، كما تفعل الثورات التقليدية عادة.
وبعد ذلك، بدأت هذه المجموعة بالاعتماد على النصح من تونس، وصربيا، وأكاديمية التغيير، التي أرسلت أعضاء فيها إلى القاهرة قبل أسبوع واحد لتدريب المتظاهرين على التنظيم، وبعد أن استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين يوم الثلاثاء قبل ثلاثة أيام من سقوط النظام، أصبح المتظاهرون أكثر استعداداً للتظاهرات التالية يوم الجمعة الذين أعلن «يوم الغضب».
هذه المرة أحضر المتظاهرون معهم الليمون والبصل والخل لمواجهة الغاز المسيل للدموع، إضافة إلى الصودا والحليب لمعالجة عيون المصابين بالغاز، وبعضهم ارتدى واقيات بلاستيك تحت ملابسه لمواجهة الرصاص المطاطي، وبعد الظهر خاض المتظاهرون أشرس المعارك مع شرطة مكافحة الشعب على كوبري قصر النيل. ويقول ماهر إن المتظاهرين اعتمدوا استراتيجية إعادة المصابين إلى الخلف وإحلال عناصر أخرى بدلاً منهم «وبعد نحو خمس ساعات انتصرنا في هذه المعركة، وأحرقنا مقرات الحزب الحاكم التي كانت فارغة، وسيطرنا تماماً ع‍لى ميدان التحرير».

تأثير الدومينو
وفي ذلك اليوم أفاق الرئيس أوباما بشكل غير متوقع فجراً وعقد اجتماعاً مع كبار مساعديه وأعضاء مجلس الأمن القومي، حيث جلس مكان مستشاره لشؤون الأمن القومي، توماس دوتيلون، على طاولة الاجتماعات.
وكان البيت الأبيض يناقش احتمال وقوع تأثير الدومينو Domino Effect، الذي بدأ بالثورة الشبابية، التي أطاحت بالرئيس التونسي، زين العابدين بن علي، على الرغم من تقديرات سابقة للاستخبارات الأميركية والإسرائيلية بأن المخاطر المحيطة بالرئيس مبارك ضعيفة، ولا تتعدى الـ 20 في المائة، كما قال بعض المسؤولين.
ووفقاً لمسؤولين رفيعي المستوى شاركوا في الحوارات، التي أجراها الرئيس أوباما، كانت للرئيس رؤية مختلفة، حيث أشار مسؤول رفيع إلى أن الرئيس قال «إن هذا تيار قد ينتقل إلى حكومات سلطوية أخرى في المنطقة، بما فيها إيران»، وقد عقد البيت الأبيض 38 اجتماعاً بمشاركة الرئيس أوباما، خصصت لبحث الأوضاع في مصر خلال أيام الثورة الـ 18، وقال الرئيس أوباما إن هذه الأحداث تمثل فرصة لخلق رواية بديلة لـ «رواية تنظيم القاعدة»، حول التدخل الغربي في الشؤون الداخلية للدول العربية.
ولم يلحظ المسؤولون الأميركيون خلال تظاهرات مصر أي أدلة على وجود شعارات مناهضة للولايات المتحدة، وقال أحد هؤلاء المسؤولين: حين رأينا الناس يأتون بأطفالهم إلى ميدان التحرير، أدركنا أننا بصدد شيء مختلف.
وفي يوم الثامن والعشرين من يناير تحول الحوار فجأة إلى سبل الضغط على مبارك بشكل غير علني وعلني، وما إذا كان يتعين على الرئيس أوباما الظهور على شاشة التلفزيون للحث على التغيير.
وقرر أوباما الاتصال بمبارك، وكان عدد من مساعديه يستمعون إلى المكالمة، ولم يشر عليه بالاستقالة أو تسليم السلطة.
وكانت الجدلية القائمة حتى تلك اللحظة أن الرئيس مبارك في حاجة إلى إجراء إصلاحات، وفي أسرع وقت كما قال مسؤول أميركي رفيع المستوي، ولكن الرئيس مبارك قاوم هذه الدعوة، وقال إن هذه التظاهرات هي من صنع أياد أجنبية.
فابلغه الرئيس أوباما وفقاً لذلك المسؤول: إن لديك قطاعاً كبيراً من شعبك ليسوا راضين عن الوضع، ولن يرضوا ما لم تجر إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية ملموسة.

موقف متذبذب
وفي اليوم التالي اتخذ القرار بإرسال السفير السابق، فرانك وينرنر إلى القاهرة كمبعوث للبيت الأبيض، وبدأ الرئيس يجري الاتصالات برئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو ورئيس وزراء تركيا أردوغان وعدد من قادة المنطقة.
وقال المسؤولون الأميركيون إن الاتصالات الأصعب كانت مع الملك عبدالله بن عبد العزيز ونتانياهو اللذين كانا يخشيان من أن يؤدي سقوط مبارك الى زعزعة الاستقرار في المنطقة وحثا الرئيس أوباما للوقوف الى جانب مبارك، ووفقا لمسؤولين أميركيين، فإن اعضاء بارزين في الحكومة السعودية دعوا أوباما لتأييد مبارك حتى لو استخدم القوة ضد المتظاهرين. ومع حلول الأول من فبراير، حين ألقى الرئيس مبارك خطابا يتعهد فيه بعدم الترشح لولاية جديدة في شهر سبتمبر المقبل، قال أوباما ان الرئيس مبارك لم يستوعب الرسالة بعد.
وخلال ساعة واحدة، اتصل أوباما بمبارك ثانية وجرت بينهما المحادثة الأعنف والأخيرة، حيث قال له أوباما «انه اذا كانت عملية انتقال السلطة ستستغرق أشهرا، فإن الاحتجاجات ستستمر طوال هذه الأشهر»، فرد مبارك على أوباما بأن الاحتجاجات ستنتهي خلال أيام قليلة.
وأنهى أوباما المكالمة - وفقا لمسؤول كان يستمع للحوار الهاتفي بين الرجلين - بالقول: «أنا أحترم من هم أكبر مني سنا، وأنت قضيت سنوات طويلة في العمل السياسي يا سيادة الرئيس، ولكن هناك لحظات في التاريخ نتعلّم منها أنه ليس بالضرورة لأشياء سارت بطريقة معينة في الماضي، ان تسير بالطريقة ذاتها في المستقبل».

غاندي ولوثر كنغ
وفي اليوم التالي، تجاهل مبارك كلمات أوباما وشن هجوما جديدا ضد المتظاهرين، الذين أمضى بعضهم خمس ليالٍ في ميدان التحرير، فعند الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل شن الآلاف من الموالين لمبارك والمسلحين بالعصي والحجارة والمتفجرات البدائية هجوما على المعتصمين في ميدان التحرير.
لقد حاول المعتصمون، الذين ظلوا مخلصين لمبادئ غاندي ولوثر كنغ والدكتور جين شارب، تفادي الرد على المهاجمين. ولكن عند الساعة الثالثة والنصف اشتبك المتظاهرون مع هؤلاء المهاجمين ووقعت صدامات كبيرة بين الجانبين.
وبعد ان ظلت حركة الإخوان المسلمين على الحياد في اليوم الأول، دعت في اليوم الثاني أنصارها، لا سيما من الرجال الأقوياء، للتوجه إلى ميدان التحرير، واصبح رجال الحركة في المقدمة الآن. وقد اعتادت حركة الاخوان المسلمين، باعتبارها غير شرعية في نظر القانون في عهد حسني مبارك، على العمل وفق تراتبية هرمية منضبطة.
فساعدت الحركة المحتجين على ان يقسموا انفسهم الى اكثر من فريق وتنظيم دفاعهم، كما قال بعض المنظمين. فقام فريق باقتلاع حجارة الارصفة، وتولى اخر توزيعها على المتظاهرين، وانيطت بثالث مهمة الدفاع عن المقدمة.
وقال ماهر ان «الاخوان لعبوا دورا كبيرا في الاحتجاجات، ولكنهم في الواقع، لم يفعلوا اكثر مما يفعله مشجعو الاهلي والزمالك حين يشتبكون مع الشرطة عقب مباريات كرة القدم».
وكان من الواضح انه كانت لدى جنود الجيش اوامر بالتزام الحياد بين الطرفين المتصادمين، وظلوا يراقبون المشهد عن بعد لمدة 14 ساعة، اي حتى الرابعة فجراً.
وحين عجزت قوات مبارك عن كسر انضباط المحتجين او اضعاف عزيمتهم، لجأت الى الرصاص الحي فقتلت اثنين واصابت 45 بجروح في تلك الليلة، ثم تدخل الجيش لفض الاشتباك واخذ يطلق الطلقات التحذيرية فتفرق مؤيدو مبارك وظل المحتجون في الميدان واستمرت سيطرتهم عليه وعلى الشارع برمته.
نيويورك تايمز

القشة التي قصمت ظهر البعير
في اللحظة التي اظهر فيها الجيش عدم رغبته في اطلاق النار على المواطنين، تغير ميزان القوى بشكل دراماتيكي بـ{اتجاه المحتجين}. وحث المسؤولون الاميركيون الجيش على الحفاظ على روابطه مع الشعب من خلال ارسال عدد من كبار ضباطه الى ميدان التحرير لطمأنة المتظاهرين، وهي الخطوة التي زادت من عزلة مبارك. ولكن ادارة اوباما لم تكن واضحة تماما في موقفها، فبعد يومين من أسوأ اعمال العنف، صرح مبعوث الرئيس ويزنر ان من الضروري ان يظل الرئيس مبارك في قلب اي عملية تغيير، وحذرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون من ان انتقال السلطة يحتاج إلى بعض الوقت. وأشار مسؤولون أميركيون آخرون إلى انه بإمكان الرئيس مبارك البقاء رئيسا بشكل رسمي حتى نهاية ولايته. ولكن التظاهرات زادت زخما في شوارع المدن المصرية.
وفي يوم الخميس كان نائب الرئيس المصري عمر سليمان على الهاتف مع نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن عند الساعة الثانية فجرا بتوقيت واشنطن، وهي المرة الثالثة التي يتحادث فيها الرجلان خلال اسبوع، وكانت ثمة اشاعات واسعة بان الرئيس مبارك سيتنحى، وابلغ سليمان بايدن انه يستعد لتسلم صلاحيات مبارك، ولكن سليمان قال إن «سلطات معينة» ستبقى بيد مبارك، بما في ذلك سلطة حل البرلمان واقالة الحكومة، وأوضح أحد المستمعين الى الحوار من الجانب الأميركي ان «الرسالة مفادها ان سليمان سيكون رئيس الأمر الواقع».
وبينما كان الرئيس مبارك يصطف الى جانب ابنه جمال، لم تكن إدارة أوباما على دراية بكيفية سير الأمور واكتفت بمشاهدة محطات التلفزة لمعرفة ما الذي سيقرره مبارك، ولكن ما شاهدته الإدارة ليلة الخميس الأخير لم يكن سوى خطاب مكرر للرئيس مبارك الذي تحدث فيه عن تفويض مؤقت لسلطاته لنائبه.
هذا الخطاب كان بمنزلة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث كان الجيش واثقا بأن واشنطن ستدعم اي تحرك ضد مبارك، كما قال مسؤولون أميركيون، فزاد الجنرالات الضغوط على مبارك، التي أسفرت عن تخليه عن السلطة بشكل نهائي.
لقد أنجزت هذه الثورة هدف الإطاحة بالنظام بعدد من القتلى يقل عن الألف في بلد يزيد سكانه على الـ85 مليون نسمة، قتل معظهم على يد قوات الشرطة، كما قال وائل غنيم الذي أضاف «هذا يُظهر مدى تحضّر الشعب المصري، والآن فإن الكابوس قد زال، وحان وقت إطلاق العنان للأحلام».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer