الأقسام الرئيسية

المشهد المصري واستنساخ المشاهد

. . ليست هناك تعليقات:


ما أن تبدأ بالكتابة عما يحدث في مصر حتى تبدأ المشاهد تتوالى: سقوط بغداد، اعتصام وسط بيروت، ماراثون المصالحة الفلسطينية، فوضى الصومال، حشود تونس.

ميدل ايست أونلاين


بقلم: هيثم الدغري


سبق وان سألني صديق في يوما ما عن ما اذا كانت الكتابة صعبة حقيقة حينها اذكر أني أجبته بأن الكتابة في حد ذاتها ليست صعبة مادام الإنسان يكتب من تلقاء نفسه وعلي سجيته فهو يخرج إحساسه من داخله ليضعه على الورق فما دام المرء يعبر عن فكره ويطرح أرائه بكل مصداقية وتجرد بعيداُ عن أية حسابات أو اطر محددة مسبقا أو وفق أجندات خاصة فأن الكتابة ستكون سلسة وذات طعم ورائحة وأتذكر حينها ان قلت له ان الفرق بين الكتابتين هو كالفرق بين الفاكهة الطبيعية وفاكهة الصوبات – البيوت الزجاجية -، وكنت دائما اعتقد ان مكمن الصعوبة في الكتابة هو المدخل او بصورة أدق الكلمة الأولى التي يبدأ بها القلم عملية الترجمة بين ما يدور داخل الإنسان ولغة الضاد لكني أجد اليوم نفسي اعترف اني كنت مخطئا فالكتابة هي بالصعوبة بما كان حين تجد نفسك عاجزا عن مجرد التعليق على مشهد تختلط به الأحداث وتتسارع فيه المجريات وتمتزج فيه المعطيات بالمسببات وتتحد في لحظة عجيبة كل امال المستقبل مع تطلعات الحاضر لتستحضر كل ارث الماضي حتى يصير من الصعوبة بمكان تأطير أو حتى يتم الاتفاق على تسمية ما يحدث في ارض لها مكانة خاصة لدى العديد اذا لم اقل تجاوزا الجميع.

فالمتتبع لمجريات الأحداث في مصر يكون على يقين بأن من سماها المحروسة كان على حق فالعناية الإلهية وعلو كعب الحس الوطني في الرمق الأخير من لحظة مجنونة كادت ان تنفلت فيها الأمور عن زمامها جعل الوعي والإدراك يلعبان دور حاسماُ في إطفاء نار لو اشتعلت لا يعلم الا الله كيف كانت ستنطفئ وهنا لا يمكن التفريق بين الخوف على كل الإرث الحضاري العظيم الذي يؤرخ لسبعة الاف سنة من الحضارة والقلق على مصير 80 مليون نسمة كلاهما تُرك فجأة في مهب الريح ولعل من قرر فعل ذلك كان يستحضر المشهد العراقي ابان سقوط بغداد كرد على استحضار الطرف الأخر للمشهد التونسي ان لعبة الاستنساخ بين المشهدين لم تتوقف حيث استحضر مشهد اخر من التجربة التونسية وهو اللجان الشعبية التي حملت على عاتقها مسئولية الحفاظ على الأمن وتوفير الأمان بعد ان تبخرت فجأة وفي لحظة واحدة كل أجهزة ومؤسسات الدولة فيما يبدو انه استنساخ لمشهد اخر من الحدث العراقي وان استغرق المشهد الأصلي ليلة كاملة وكان في الخفاء إلا انه في المشهد المصري استغرق دقيقة واحدة وكان على الملأ فبينما نامت بغداد والقوات العراقية موجودة صحت يوم السقوط فوجدتها تبخرت فقد فوجئ الجميع في المشهد المصري بأن كل أجهزة الأمن ومؤسسات الدولة عدا الجيش قد لبست طاقية الإخفاء واختفت بطريقة غريبة اذا لم نقل مريبة وقد يكون في تجربة اللجان الشعبية استنساخا لسيناريو كتب ليقدم ضمن المشهد العراقي إلا انه لم ير النور رغم تسويق وزيرة الخارجية الامركية السابقة كونداليزا رايس له وهو الفوضى الخلاقة.

ان استحضار المشهد التونسي واضح المعالم في تركيبة المشهد المصري فهناك أكثر من تقاطع بين توره الياسمين وثورة الغضب إلا انه يجب عدم إغفال استحضار المشهد العراقي بتفاصيل لقطات الخوف والرعب التي عاشها أهلنا في العراق عقب سقوط النظام العراقي فقد يكون تهيأ للبعض بأنه سيكون خير رد على محاولة استنساخ المشهد التونسي إلا ان كلاهما نسي او تناسي ان للمشهد المصري خصوصيته وان البلد سين ليس هي البلد صاد وهنا ليس المقصود بالقول ذاك التعبير السمج الذي كان أباطرة الأمس الذين لم نعد اليوم نسمع لهم حساً أو نري لهم أثرا يتبجحون به في تعالي سمج وترفع مقيت وعلي رؤؤس الاشهاد يعلنون بكل وقاحة ان "مصر ليست تونس وان الشعب المصري ليس الشعب التونسي" واحسب ان هذا التعبير بالذات كان هو كلمة السر التي أخرجت المارد من القمقم فقد يكون فجر داخلهم أحساسا بالمهانة بأنهم غير قادرين على التغيير أو إحداث التحول فقرروا ان يفأجوا الجميع ان الانسان اينما وجد لو تولدت داخله إرادة فهو قادر على صنع الفرق.

ان المتابع للمشهد المصري يجد نفسه مشدودا لوتيرة مجريات الأحداث فحين تجد تسارع في النسق يقابله رتابة في التفاعل وحين تجد تجاوب في الطرح يقابله تعنت في الرد وحين تجد مباشرة في الطلب يقابلها تسويف في الاستجابة الا انه من الواضح ان هناك العديد من النقاط قد أغفلت في سيناريو المشهد عل من ضمنها عدم تقدير رد الفعل الصحيح للفعل فالدفع للمساومة بالأمن والأمان قد يدفع الطرف الاخر للمغامرة بكل كل شي فيتحول من خانة يمكن فيها الأخذ والرد معه إلى خانة اليك بحيث يري ان الساحة لم تعد تسع لكليهما او يكون الرد مستوحي من التقنية التي انتفض بواسطتها فيجيبك على طلبك للحوار بأن "المطلوب اما مقفل او خارج التغطية" هذه التغطية التي طالما كان يبحث عنها وهذا الاتصال الذي طالما طلبه لكن كان الطرف الاخر كان لا يرد.

فالوضع في مصر يوحي بأنه خرج من مرحلة تيبس الرؤؤس إلى تكسير العظام ونتمنى ان يتم اللحاق به قبل ان ينجرف إلى منعطف إراقة الدماء بحيث تكون كل الدماء التي سالت حتى الآن ما هي إلا قطرة في بحر من الدم قد تعمل أيدي خفية لجر الوضع نحوه وخصوصا ان هناك اجماع على استحالة مد عمر الأزمة إلى ابعد من ذلك ولعدم قدرة المشهد المصري على استنساخ المشهد اللبناني الممثل في خيم الاعتصام بوسط بيروت وشل الحياة بالبلد لاختلاف عناصر اللعبة في المشهدين وخصوصا ان المشهد المصري عناصره شباب دوافعهم ذاتية وقدراتهم محدودة وهناك أطار زمني معين لمدي قدرتهم على المناورة وابتعادهم على مقاعد الدراسة او اماكن العمل بخلاف المشهد اللبناني الذي كان يموله حزب تدعمه دولة نفطية كبرى وهنا يفرض سؤال محير نفسه عند الاستماع إلى نغمة واحدة بدء يرددها الجميع ممكن حتى دون التفكير فيها وهي الدعوة لدفع هؤلاء الشباب إلى اضيق مساحة ممكنة داخل الميدان وعمل دائرة امنية حولهم وتركهم يعتصمون على راحتهم على حد تعبير الكثير من دعاة هذا التوجه وقد يكونوا استوحوا ذلك من مشهد أخر هو حديقة الهايدبارك في لندن الا انهم حقيقة يريدون استنساخ مشهد اخر لهم الا وهو مشهد حديقة الحيوان بالجيزة بحصرهم داخل خيم بدل الاقفاص فهذا الطرح يشير إلى انه مازالت الافق بعيدة بين الطرفين والرؤي متباعدة فالالتجاء إلى ميدان التحرير ليس لضيق الأمكنة في مصر وهي عديدة ومتنوعة كحديقة الازهر وغيرها لكن الالتجاء تم لرمزية المكان وهم لا يعتصمون لمجرد الاعتصام بل للأهداف معينة نعم قد تكون كلها مقبولة او جزء منها غير ممكنة قد يتم تحقيق نصفها أو ربعها أو سدسها لكن الهدف يجب أن يكون ايجاد حل وانتهاء المشهد برمته وليس محاولة تحويره إلى مولد.

ان ما لا يمكن إغفاله في المشهد المصري هو تعدد ألوانه وتزركشها بين الزاهي والباهت بين المضيء والقاتم إلا منظرا واحد كان باللون الأبيض والأسود وهو التعاطي الإعلامي الرسمي مع الحدث فقد جاء قديماً معلباً استحضر من حقبات خلت حيث يبدو ان هذا الجزء من المشهد هو الوحيد الذي لم يستنسخ من تجربة اخرى بل كرر مشاهد من أفلام ابيض واسود وأفلام المقاولات بفبركة الأخبار وترتيب أحداث من نسج الخيال فيبدو ان عدم القدرة على مواكبة الحدث او أن هول المفاجأة لم يمكن من استيعاب ما حدث والتعامل معه في اطاره الصحيح ووفق معطياته السليمة فتم اللجوء لسيناريو ركيك يبدو فيه ايضا استحضار لمشاهد مختلفة من التجربة العراقية وان كانت مزدوجة هذه المرة بحيث تم استنساخ مشاهد هزلية لمشاهد اميركية الصنع قدمت قبل غزو العراق وإثنائه منها مشهد تقديم وزير الخارجية الاميركي باول أمام مجلس الامن ما ادعى حينها انه دليل قاطع على امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل وغيرها من المشاهد المضحكة الكثيرة فنجد في المشهد المصري اللجوء إلى خلق عدو افتراضي ليس له اي وجود اقله لم يثبت حتى الآن بآن له وجود ومحاولة الضحك على عقول البشر بان هناك مؤامرة تشترك فيها كل المتناقضات وبدل من التفاعل مع الأحداث ومحاولة فهمها يتم الانكباب على مسرحيات عفا عليها الزمن حول اخبار القبض على عملاء وفجأة يصحو ضمير فتاة مصرية فتخرج على الملأ بدون الإفصاح عن وجها أو اسمها لتروي قصة مفبركة خالية من اي حبكة، فمن المعلوم أن مجارة الحدث أفضل من محاولة الالتفاف عليه ومواجهته أفضل من الاختباء خلف الاتهامات الجوفاء البالية التي كانت تقدم ايام اهل الكهف حين كان الناس تعيش داخل الكهف ولا ترى عبر فوهته الا ما ارد سيد الكهف ان تراه فتبدأ تسمع عن العملاء والإسرائيليين والاجانب ومئات الاف الدولارات وحتي على وجبات الكنتكي، فيبدو ان العقول المتحجرة لم تستوعب ان عصر اليوم هو عصر الانترنت والمسجات وان ما يمكن ان يفعله عنصر امن في شارع طلعت حرب أو في زقاق بحي شبرا سيراه العالم في القطب الشمالي أو في تشيلي حتى قبل ان يعلم به آمر هذا العنصر. يا سادة العالم قد تغير فالوقوف مع الذات وعمل جرد حساب ليس عيب ولكن العيب ان نري تطاول من البعض على دول عربية اخري ولا يتم الاكتفاء بمجرد العتاب وأو اللوم او حتى التنديد مع انه لم يتم حتى الان تقديم دليل واحد على صدق هذا الادعاء ويتعدى الامر ذلك إلى المساس برؤوس الدول وزوجاتهم وحقيقة من المعيب جدا ان نري شخص خرج من السجن قبل أيام وله ألف مشكلة مع كل البشر وهو يحمل صفة قانونية أن ينزل مستوى حديثه إلى هذه الدرجة المتدنية من الحوار والغمز واللمز حول بلد عربي شقيق انحني كل العالم إجلالا وتكبيرا لما حققه من انجازات رغم صغر حجمه وحداثة مسيرته التنموية، أن جرجرة الدول وافتراض ان هناك تحالف رباعي بين كيان وحركة وحزب وقناة لتشكيل تحالف يساند جماعة في الداخل بدعم من دولة عربية شقيقة ودولة اسلامية قريبة ودولة عظمى لتبرير فشل ذريع وسقوط مدو أراه مضحك مبكي في ذات الوقت، فما هذه الدولة الورقية التي تسقط في خمسة دقائق امام مجموعة من العصابات التي يتم التسويق بانها هاجمت السجون ومراكز الشرطة ومقار الامن وقامت وفعلت ودمرت وخربت ولم يكن ينقص الا القول بأنها كانت على وشك احتلال البلد ان التخندق داخل عقول تحجرت امر مؤسف حقا ان هذا وحده فقط لو كان صدقا حدث يكون من باب اولي ان تتم محاسبة الجميع على هذا الاختراق.

والمتابع للوضع الراهن سيدهش كون هذا الحدث هو أول سابقة في التاريخ من ناحية ان المشكلة معروفة ومحددة والحل أيضا معروف ومحدد بل أكثر من ذلك أنهما ملتصقان سيامياً وكل المطلوب هو سكين الجراح التي ستفصلهما عن بعض وهذه السكين هي الثقة نعم الثقة وهذا مربط الفرس حيث انه للأسف يبدوا ان الثقة معدومة بين الطرفين مما صعب من إيجاد أرضية مشتركة وبناء جسر للعبور عبر خارطة طريق واضحة المعالم سهلة التضاريس إلى الخطوة التالية فكما يبدو ان الجميع متفق على شكل الحل لكن الاختلاف على تفاصيله هذه التفاصيل التي تحتاج إلى بدل جهد اكبر للخروج ببلد عظيم من هذه الازمة التي نتمنى ان لا نرى فيها استنساخا للمشهد اللبناني لأنه سيكون متبوعا بلا شك باستنساخ اما للمشهد الموريتاني او للمشهد الصومالي وحينها سيكون فعلا على حضارة سبعة الاف سنة السلام لان السياسة التي ستكون متبعة حينها هي سياسة الارض المحروقة وقد سبق وان قدمت ومضات منها سواء في ساحة الازهر أو في ميدان التحرير أو في شوارع القاهرة والسويس.

ويبدو ان القدر شاء ان يقول كلمته في المشهد المصري عبر استنساخ المشهد الفلسطيني المتمثل في مارثون المفاوضات وإصلاح ذات البين بين الاخوة في الحركتين وان تبدلت هنا الأدوار فبات وسيط الأمس طرفاً في الحوار اليوم كما يبدو ان القدر الذي شاء ان يباعد بين اعادة استنساخ المشهد السوري في مصر ابا الا ان يجعل المشهدين يتقاطعان عبر مجلس الشيوخ الاميركي فيما يتداول بخصوص مشروع قرار للمجلس بخصوص الرئاسة في مصر في تقاطع مع المشهد السوري بخصوص قانون محاسبة سوريا.

والمشهد المصري وقبل ان تنتهي فصوله القى بظلاله على المشهد اليمني وايضا اسقط كثير من الاقنعة على العديد من الوجوه سواء تلك الفئة من رجال الاعمال التي امتطت الطائرات وقالت على طريقة الافراح الشعبية في مصر سمعني أحلي سلام للبزنسمان الهربان وقفزت إلى الخارج او تلك الفئة من نجوم الكوكتيلات التي لم تحاول استثمار حضورها وشعبيتها المفترضة لتوفيق الآراء او تلك الفئة من شيوخ الفضائيات الذين امترؤا الكاميرات واستطابوا الشاشات فحقيقة هذه الفئة بالذات كان مكانها خط النار الفاصل بين أصحاب الجمال وجموع الميدان وكم كان مؤثرا محاولة شيخ ازهري الوقوف بين الجمعين في موقعة العار لكن رغم ولولته وندبه لم يتمكن من كبح الجماح ووقف الاقتتال.

فيا ترى كيف ستكون نهاية هذا المشهد الذي خصوصيته تجعل منه ذو تميز خاص بحيث ستكون نهايته ذات حبكة خاصة بعيدة عن استنساخ اي من المشاهد سواء عربية كالمشهد التونسي المستبعد او العراقي الغير مرجح او الإسلامية كالمشهد الإيراني الغير مطابق أو المشهد الاندونسي الغير مقبول او العالمية كالمشهد الروماني المرفوض تماما أم سيكون الحل في الاقتداء بنهج وزارة الاعلام في استنساخ مشهد محلي مع أن الاحداث تجاوزت تكرار مشهد المحروسة واطال الله عمر الجميع فأن استنساخ مشهد 28 سبتمبر 1970 امر لا يجوز التفكير به واستنساخ مشهد المنصة امر مستهجن بكافة المقاييس فهل ستكون النهاية باستنساخ مشهد الوصول لهايدلبرج أم مازال في الجعبة الكثير لنعايشه قبل ان نشهد اقفال الستارة.

هيثم الدغري

ليبيا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer