مأمون فندي
شرعية النظام الحاكم في مصر تآكلت في الداخل، ولم يبق في البلد سوى شرعية واحدة يقبلها طرفا الصراع، وهي الجيش المصري وتاريخه الذي يحظى بفخر واحترام المصريين كلهم. كما أن شرعية النظام بدأت في التآكل في الخارج، باستثناء حالة الخوف من البديل المتمثل في الإخوان المسلمين، التي تسيطر على دوائر محدودة في واشنطن، ولندن، وبرلين. وكما سمعنا من الأميركيين، «الآن» (تعني بالأمس)، عندما طالبوا بالانتقال السلمي للسلطة.
حالة تآكل الشرعية في الداخل والخارج تجعل الحالة المصرية «مأزمة»، فالخارج يحاول أن يبلور رؤيته من خلال مؤتمر الأمن المنعقد في ميونيخ والذي شاركت فيه الولايات المتحدة مع شركائها الأوروبيين. وواضح من أحاديث مؤتمر ميونيخ أن أوروبا وأميركا يقرآن من ذات النوتة الموسيقية أو ذات «المنافيستو» في التعامل مع أزمة الحكم في مصر. هذه الخطوة هي مجرد بداية لتنسيق أميركي - أوروبي من أجل فرض حل خارجي. هذا الحل - كما يعرضه الأميركيون - يتلخص في نقطتين، الأولى هي نقل السلطة إلى مجلس رئاسي يضم عمر سليمان وأحمد شفيق والمشير طنطاوي، أو من يمثل الجيش. أما السيناريو الثاني، فهو بقاء الرئيس لفترة قصيرة حتى يحل مجلس الشعب ويطلب إعادة تعديل الدستور ثم تنقل السلطات إلى نائب الرئيس. أما إذا أصر الرئيس على البقاء لكامل مدته، فإن أميركا وأوروبا ستستخدمان أدواتهما من أجل وجود حالة تصادم مصالح بين الجيش والرئيس، مما يعجل من قرار إقالة الرئيس. هذه هي السيناريوهات بصورتها التلغرافية المشفرة.
ستفرض هذه السيناريوهات والحلول على المصريين خلال الأسبوعين القادمين، إذا ما فشل المصريون في رسم ملامح تصور للحل، حل مقبول للشارع وللنظام أيضا. واضح حتى هذه اللحظة أن هناك محاولات من النظام لإيجاد لجنة تفاوض تفرغ الثورة من مضمونها. شيء أقرب إلى ممارسات النظام السابقة عندما صرح لأحزاب وهمية بالوجود في مصر من أجل رسم صورة كاريكاتورية لفكرة الديمقراطية التجميلية. عندما كنت في ميدان التحرير أتحدث إلى الشباب، والعواجيز أيضا، قالوا لي إنهم لا يقبلون بتلك الشخصيات الكثيرة التي تدعي تمثيلهم، ويتساءلون: من يكون هؤلاء؟ «معظمهم خدموا النظام السابق، إلا قليلا، نحن لا نقبل أن نسمى حركة شباب، فكما ترى نحن ثورة وبيننا شباب ومن هم في منتصف العمر، وبيننا شباب، وبيننا عواجيز، وآخر كلامنا أنه لا تفاوض قبل الرحيل».
الشباب في ميدان التحرير وحوله وفي الإسكندرية والإسماعيلية والسويس يرفضون تسميتهم بالشباب، ويرفضون فكرة الحكماء، ويرفضون الوصاية على ثورتهم. «أنتم كمثقفين، أهلا بكم كناصحين لنا، ولكن ليس كأوصياء»، قالت لي سيدة محاطة بشابات وشبان يجلسون إلى جوارها.
كان هناك جدل حاد بين الموجودين حول شخصية عمر سليمان، وكم هو مختلف عن مبارك. «مما سمعناه، فالرجل لا يختلف عن مبارك كثيرا»، قال مصطفى، وهو يعمل في إحدى الشركات العابرة للقارات. أما الشاب علي أبو السعود، المحامي، فسفه ما يقال عن الأزمة الدستورية، وطالب الأوصياء بأن يقرأوا المادة 139 من الدستور، التي تخرجهم من قصة البيضة والدجاجة، وأيهما يأتي أولا. تلك المعضلة التي تطالب ببقاء الرئيس من أجل حل مجلس الشعب، وتغيير الدستور. علي أبو السعود والمستشار مكي يريان أن المادة 139 تأخذنا بعيدا عن هذه المعضلة وتنقل سلطات الرئيس لنائبه دونما مشكلات، لأن المشكلة الوحيدة، حسب قول المستشار مكي، هي في «سوء النية التي تشير إليها تصريحات النظام حتى الآن». غياب القدرة على تصور حل داخلي، يجعل للحل الخارجي بريقا.. فهل يحسم الخارج حل الأزمة في مصر، أو أن الحل يكمن في الداخل؟ وقت قصير وسنعرف الإجابة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات