الأقسام الرئيسية

نحو التغيير في سوريا (3): لماذا لم يغضب السوريون؟ المنتفعون

. . ليست هناك تعليقات:


يقدم النظام السوري تركيبة معقدة لتشابك المصالح الطائفية والحزبية والبيروقراطية ورجال الأعمال والاقليات المتخوفة من فكرة التغيير.

ميدل ايست أونلاين


بقلم: نجيب الغضبان


لوحظ في الدعوة التي أطلقها آلاف الشباب السوري على الفيس بوك إلى يوم الغضب السوري إلى وجود بعض الردود من أصوات أخرى، تبدي تأييداً للرئيس بشار، إضافة إلى أصوات أخرى قامت بالتهجم والتشكيك بالداعين إلى يوم الغضب السوري، ووصفهم بالخيانة والعمالة لإسرائيل.

على الأغلب أن يكون مصدر التهجم والتخوين قد صدر من بعض الأجهزة الأمنية المكلفة بمتابعة أخبار سوريا والتعليق على الأخبار والمقالات النقدية للنظام. لكن واقع الأمر أن هناك نوعية ثانية من المؤيدين للنظام السوري، وهم من فئة المنتفعين من النظام، أو من بعض الشباب الذي نشأ وترعرع في ظله، ولازال تحت تأثير دعاية أجهزته وخطابه.

ستركز هذه المقالة على العامل الثالث المعيق للتغيير—إضافة إلى القمع والخوف- وهو وجود فئات من المنتفعين من استمرار النظام، بعضهم متفرغ لإجهاض أي تحرك نحو التغيير في سوريا، وعلى رأس هؤلاء العاملون في الأجهزة القمعية.

ولو بدأنا بخلفية تاريخية لتحليل الفئات الداعمة والمستفيدة من النظام السوري، لوجدنا أن القاعدة الاقتصادية والاجتماعية لمؤيدي النظام هم من الخلفيات الريفية والمدنية الحديثة، وكثير منهم من أبناء الأقليات، وبشكل خاص من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري. لقد بدأت عملية التحول الاجتماعي-الاقتصادي في سوريا مع انقلاب حزب البعث على الحكم في عام 1963. فمن الملاحظ أن اللجنة العسكرية لحزب البعث بدأت بثلاثة أعضاء من الطائفة العلوية، وهم محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد، ثم تم توسيع عضوية اللجنة لتشمل 15 عضواً، منهم خمسة من العلويين، واثنين من الاسماعيليين واثنين من الطائفة الدرزية، وستة من الطائفة السنية. ومع أن سوريا مجتمع متعدد الطوائف والأعراق، فهو مجتمع فيه أغلبية واضحة هي الأغلبية العربية المسلمة، فالعرب هم أكثر من تسعين بالمائة، والمسلمون، بطوائفهم المختلفة حوالي 90 بالمائة، وهناك أغلبية عربية مسلمة/سنية تصل إلى أكثر من 75 بالمائة من السكان. ولعل أهم الانقسامات في سوريا اليوم تتمحور حول قضية التمثيل العالي لأبناء الطائفة العلوية، ونسبتها بين 9-12 بالمائة، في بعض المراكز الحيوية في النظام السياسي والأمني السوري، وفي سيطرة بعض أبنائها على بعض القطاعات الاقتصادية الحيوية، خاصة في ظل حكم بشار الأسد.

وهنا لا بد من الدقة في التعرض إلى هذه القضية لحساسيتها، خاصة لأن نقاشها من الممنوعات في سوريا، كما أن المواجهات المسلحة التي حصلت في أوائل الثمانينات قد عمقت الاحتقان الطائفي، من دون أن تعالجه.

لو بدأنا بالحديث عن المنتفعين من استمرار الوضع الراهن داخل سوريا على أعلى المستويات، لوجدنا أن الرئيس وبعض المتنفذين القريبين منه هم أكبر المستفيدين. وهنا يجب التمييز بين دائرتين، الدائرة الأولى، وهم أهل الثقة، وتشمل هذه الدائرة أقارب الرئيس من أصحاب المواقع الحساسة، والمتنفذون، وعلى رأسهم أخيه ماهر، رئيس الفرقة المكلفة بالحرس الجمهوري، وشقيقته بشرى، وزوجها اللواء آصف شوكت الذي يحتل منصب نائب رئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة - وإن كانت التقارير تتضارب حول محورية دوره الآن - وأخيراً بعض رؤساء الأجهزة الأمنية، والمسؤولين الأمنيين في القوات المسلحة من المنتمين لطائفة الرئيس، ويتمتعون بثقته. كما وأنه لا بد من ذكر الامبراطور الاقتصادي، ابن خال الرئيس ورجل الأعمال الفذ، رامي مخلوف ضمن هذه الدائرة، باعتباره يدير أموال العائلة الحاكمة، ويحتكر كثيراً من القطاعات الحيوية في القطاع الخاص والمخصخص (أو المرمرم كما يسميه السوريون). الدائرة الثانية من المنتفعين هم ما يمكن تسميتهم بأصحاب الكفاءة، ومن بين هؤلاء بعض المسؤولين ممن هم في قمة هرم الدولة، حيث نجد هنا أن أغلبية هؤلاء ينتمون إلى الطائفة السنية وبقية الطوائف الأخرى، حيث نرى تمثيلاً يعكس التركيبة السكانية بشكل أفضل. وبالطبع يتفاوت هؤلاء من حيث نفوذهم، إذ يستمد أغلبهم وضعه من درجة قربه وثقة الرئيس وأعوانه بهم. فمثلاً، لا يمكن اعتبار نائبة الرئيس—نعم فهناك نائبة لرئيس الجمهورية- الدكتورة نجاح العطار أنها بدرجة النفوذ لضابط أمن من الدرجة الثانية، بينما يمكن القول إن فاروق الشرع، النائب الأول لرئيس الجمهورية، له نفوذ أكبر، خاصة فيما يتعلق بالشؤون الخارجية. ومن بين أعضاء هذه الدائرة، رئيس مجلس الوزراء، وأغلب الوزراء، ورئيس مجلس الشعب، وبعض المسؤولين الحزبيين.

ومع أن النظام السوري هو نظام يحكم باسم حزب البعث، فقد تراجع دور الحزب ليصبح مؤسسة تبرر سياسات النظام، وتحول كثير من قادته إلى أعضاء في قائمة الأغنياء الجدد. ويصح الأمر على المسيطرين على القطاع العام من البيروقراطيين، من وزراء، ونواب وزراء، وأمناء ومدراء عامين، حيث اغتنى كثير من هؤلاء مع استشراء الفساد في كافة مفاصل مؤسسات الدولة. وبنظرة إلى الاقتصاد السياسي لسوريا، في ظل بشار الأسد، يلاحظ عدة اتجاهات، من أهمها: أولاً، احتكار بعض الأنشطة الأساسية مثل قطاع الاتصالات الحديث، والمناطق الحرة من قبل المقربين جداً من الرئيس، مثل رامي مخلوف وأولاد العم والعمة من آل الأسد وشاليش، وغيرهم من العائلة الممتدة وحلفاؤها. وباعتبار أن هذه القطاعات تشكل مصادر ثروة أساسية في اقتصادات اليوم، فليس مستبعداً ما تردد من أن ثروة رامي مخلوف لوحده قد تجاوزت العشر مليارات دولار. ثانياً، يلاحظ تحول كثير من أبناء المسؤولين الأمنين إلى الأنشطة الاقتصادية التي كان يسيطر عليها بعض أبناء الطبقة البرجوازية السنية والمسيحية، خاصة من أبناء العوائل الدمشقية المعروفة، الأمر الذي ركز الثروة في أيد قليلة. ويلاحظ المراقب للشأن السوري بروز طبقة صغيرة من أبناء المسؤولين، ومرافقيهم، وأصدقائهم، ممن يرتادون الأماكن الفخمة، ويقودون أحدث السيارات، وتظهر عليهم آثار الثراء الفاحش، ويطلق عليهم السوريون، لقب "الشبيحة". ثالثاً: تحول القطاع العام المترهل إلى بؤرة كبيرة للفساد، وإلى أحد العناصر المعيقة للإصلاح الاقتصادي، حيث يستنزف هذا القطاع جزءاً لابأس به من ميزانية الدولة، لكنه في الوقت ذاته يشكل مصدر دخل لكثير من العوائل المنتمية للطبقة الوسطى والفقيرة. رابعاً: تسنزف ميزانية الدفاع، بقسيمها المتعلق بالجيش، والأجهزة الأمنية جزءاً كبيراً من ميزانية الدولة، الأمر الذي يجعل بعضاً من العاملين في هذه الأجهزة ضمن الدائرة الثانية الداعمة للنظام.

وبمعنى آخر، فيمكن الحديث عن ثلاثة دوائر من المنتفعين من النظام السوري، الدائرة الأولى، هي الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس وهي مساعديه ومستشاريه، ورؤساء الأجهزة الأمنية، والمسيطرون على القطاعات الاقتصادية الحيوية. الدائرة الثانية، هم أولئك العاملون في الجهاز الحكومي والبيروقراطي، وهنا يمكن التمييز بين العاملين في الأجهزة الأمنية الذين ينتمي كثير منهم إلى طائفة الرئيس، ويخشى هؤلاء من أن تغيير في النظام قد يعرض الطائفة بأكملها للخسارة، باعتبار أن الأجهزة القمعية فيها تمثيل أكبر لأبناء هذه الطائفة. الفئة الثانية من العاملين في الجهاز الحكومي، يميلون إلى تأييد النظام، تخوفاً من أن يكون التغيير نحو الأسوأ، بحكم العقلية البيروقراطية وافتقاد الكثيرين إلى التأهيل والتدريب اللازم للمنافسة في اقتصادات اليوم. الدائرة الثالثة من المؤيدين للنظام تشمل بعض أعضاء الأقليات الأخرى، مثل بعض المستفيدين من الطائفة المسيحية التي يتم تخويفها، بشكل مستمر، من نظام إسلامي متطرف في حال سقوط النظام، أو من الغالبية التي قبلت بعض ادعاءات النظام بأنه نظام وطني داعم للمقاومة والممانعة، أو تلك التي شاهدت بشكل مباشر الثمن الغالي الذي دفعه الشعب العراقي، بعد سقوط نظام صدام حسين، ومعايشة الكثيرين منهم وتعاطفهم مع معاناة اللاجئين العراقيين في سوريا.

هناك أمران إيجابيان يبرزان من خلال تحليل المستفيدين من استمرار النظام السوري، الأمر الأول، أن أداء النظام السوري في السنوات العشر الأخيرة قد زاد من الفجوة بين الأغنياء الجدد وبين ما كان يعتبر طبقة وسطى زادت معاناتها، إذ تشير الأرقام المستقلة الصادرة عن المؤسسات الدولية إلى أن نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر قد اقترب من الأربعين بالمائة من مجمل السكان، وبلغت نسبة البطالة أكثر من ربع القوى العاملة. الأمر الثاني، إن التوظيف للقضية الطائفية بدأ يتراجع مع زيادة الوعي العام بين السوريين، وتنامي المعارضة داخل الطائفة التي تشعر بالغبن المزدوج الناتج عن أن أغلبية أعضاء الطائفة لم تنتفع من هذا النظام، بينما تلام على كثير من ممارساته. لكن النظام الذي يحرم التعرض أو الحديث بهذا الأمر، مستمر في محاولاته لتعبئة تأييد الطائفة لسياساته، وترهيب آخرين من الانحياز إلى الأغلبية المهمشة سياسياً واقتصادياً، والخاسرة من استمرار الوضع الراهن. فمثلاً، ترددت بعض التقارير الصحفية عن إعادة بعض رؤساء الأجهزة الأمنية ممن تم إحالتهم على التقاعد، باعتبار أن لهم وزناُ واعتباراً ضمن صفوف الطائفة. من ناحية ثانية، يعاقب النظام بعض رموز وقادة المعارضة السورية الذين ينتمون إلى طائفة الرئيس بشكل أشد قسوة، كما كان الأمر مع الدكتور عارف دليلة التي قضى في السجن أطول فترة ضمن مجموعة ربيع دمشق، وكذا كان الحال مع بعض نشطاء حزب العمل الشيوعي الذين تمت محاكمتهم بعد الثورة التونسية والمصرية.

إن المستفيدين من استمرار النظام السوري فئة قليلة من الشعب السوري، لكن استمرار العقلية الأمنية، والتخويف والتهويل من احتمالات التغيير، وتوظيف العامل الخارجي، كلها تفسر غياب مظاهر المعارضة العلنية في الشارع السوري. من ناحية ثانية، فإن معايشة الشباب السوري لحظة بلحظة للثورتين التونسية والمصرية يعني في أحد أبعاده أن هاتين الثورتين قد برهنتا على أمرين، أولاهما، تهافت منطق التهويل والترهيب من التغيير والبدائل، وثانيهما، أن الشباب قادرون على إحداث التغيير فور سقوط الحواجز النفسية.

لكن كيف يتم تفاعل الشباب السوري مع هذه الأحداث الكبيرة ودروسها أمر لا يدركه المنتفعون من استمرار حالة الركود السياسي والاقتصادي في بلاد الشام، كما أثبتت التجربة مع منتفعي تونس ومصر. وقد يقول المنتفعون من الوضع الراهن في سوريا، بإن سوريا غير تونس ومصر، وإن رئيسها "الشاب" أقرب إلى نبض الشارع، وإن شبابها داعمون للنظام، لكنه طالما أنه لم تبلغ ثقة النظام والمنتفعين منه درجة استعدادهم لامتحان هذه المقولات من خلال إطلاق حريتي التعبير والاجتماع، فلن تستطيع قوة مهما بلغ بطشها وحذقها وقف حركة التاريخ، خاصة بعد تحقيق الثورة المصرية لأهدافها إن شاء الله.

نجيب الغضبان

أكاديمي سوري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer