وقد ظن كثيرون أن نظرية «الدومينو» التى يفسر بها علماء السياسة سقوط الأنظمة السياسية المتشابهة أو المتجاورة، يمكن أن يفسر انتشار ظاهرة الانتحار فى المجتمعات العربية. وبعبارة أخرى خافوا من أن ينتقل السيناريو التونسى بكل تفاصيله إلى دول عربية أخرى.
ولا يمكن فى الحقيقة تعميم أسباب ظاهرة الانتحار ودوافعه ومبرراته فى كل المجتمعات أو الجماعات الإنسانية.
كما أن فعل الانتحار يتخذ أشكالا مختلفة.. ما بين إشعال النار ذاتيا فى جسد الضحية كصرخة احتجاج ضد الظلم كما عند البوذيين، أو للتخلص من العار فى جرائم الشرف والعرض فى الريف، أو إطلاق رصاصة على الرأس كما يحدث فى مجالات الصراع والمنافسة الكبرى فى ميادين القتال خوفا من الوقوع فى الأسر، أو فى دوائر رجال الأعمال والأثرياء الذين يفقدون ثرواتهم ومكانتهم الاجتماعية نتيجة المضاربات. وأحيانا ما يكون عن طريق الغرق المتعمد فى نهر أو بحر أو حتى فى حمام السباحة. وهو ما حدث للشاب المصرى قبل عامين الذى تخرج فى الجامعة بدرجة ممتاز وعجز عن ايجاد وظيفة فألقى نفسه فى النيل.
إضافة إلى ما يمكن أن يطلق عليه «الموت الرحيم» فى حالات المرض الذى لا يرجى شفاؤه.. وتوفر أدوات العصر الحديث وسائل لا تخطر على البال للانتحار فى لحظات البؤس واليأس من الأمل فى التغيير.
وقد ذكرت أرقام مفزعة عن عدد المنتحرين فى مصر. وأشك أن تكون هناك دراسة اجتماعية موثقة ودقيقة عن هذه الظاهرة. ولكن الأرقام الرسمية التى تناقلتها الصحف ووسائل الإعلام، تحدثت عن مضاعفة أعداد المنتحرين التى بلغت عام 2009 نحو خمسة آلاف قياسا على الأعوام السابقة التى لم تتجاوز 2000. وهى فى رأيى أرقام ليست دقيقة على كل حال.
غير أن دراسة الدوافع والظروف التى تقود إلى الانتحار ــ بخلاف حالات المرض النفسى والاضطراب العقلى ــ هى التى يجب أن نتوقف عندها فى هذه الظروف. وبغض النظر عن دور الدين وتعاليمه التى تنهى عن اهلاك الذات أو قتل النفس ــ وهى تمثل الحاجز الأولى والأقوى الذى يمنع الكثيرين عن أن يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة ــ فإن غياب الحلم لدى الأفراد، وانسداد أفق المستقبل، وضعف القدرة على مواجهة الواقع والتعامل معه، غالبا ما يقدم الأرضية الخصبة أو الحالة النفسية التى تدفع إلى الانتحار. وهو ما تعانى منه المجتمعات العربية بدون استثناء.
وفى تقرير أصدره المركز القومى للبحوث الاجتماعية عن «بماذا يحلم المصريون؟»، قدم صورة تبدو متفائلة عن الذات المصرية المنفتحة على الحلم بالغد.. والحلم هنا يعنى الأمل فى التغيير والقدرة على التخطيط للمستقبل والرغبة فى التغيير إلى الأفضل.. فإذا انتفت أسباب التغيير، وغابت القدرة على الحلم والأمل، غلبت على المصرى روح التشاؤم.. الذى يفضى إلى اليأس، والاكتئاب، والقلق، والشعور بالوحدة.. وتلاشى الحافز إلى العمل. وهذه كلها مقدمات تغرى بل وتدفع إلى الانتحار.
وهنا فلابد أن نشير إلى ظاهرة الهجرة الجماعية الطائشة، التى يقدم فيها مئات من الشباب على الهجرة إلى المجهول، بأساليب تتسم بالمغامرة والمجازفة بالنفس والمال، بحجة البحث عن الرزق وفرص العمل، معرضين أنفسهم للغرق فى البحر وعلى شواطئ دول أجنبية.. وهو ما يكشف عن رغبة كامنة فى الانتحار، هربا من الواقع ويأسا من تحقيق الحلم.
ولاشك أن قصور النظم السياسية، وعجزها عن دمج الشباب فى الحياة السياسية، واستبعادهم من المشاركة فى صياغة مستقبلهم، تعد من المسئوليات التى يجب أن ينهض بها النظام السياسى لكى يصنع الأمل فى التغيير والدفع إلى المستقبل. وهو ما لم يتوافر فى أى مجتمع عربى حتى الآن!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات