الأقسام الرئيسية

العقول الأحادية..!

. . ليست هناك تعليقات:


بقلم أحمد الصاوى ٦/ ١/ ٢٠١١

عندما تقرأ هذه السطور أكون فى العاصمة السودانية «الخرطوم»، أعود إلى السودان بعد ٢٠ عاماً من مغادرتى لها، حيث قضيت خلالها مع أسرتى مراحل حياتى الأولى، حيث كان والدى يعمل فى بعثة وزارة الرى.

الفارق كبير بين السودان الذى غادرته والسودان الذى أعود إليه، المغادرة كانت مع قدوم ما يسمى «ثورة الإنقاذ».. والعودة، كما ترى، تأتى فى لحظة تاريخية من عمر المنطقة، يبدو خلالها أن السودان الذى عرفناه، وأحببناه، سيصبح سودانين: واحد فى الشمال وآخر فى الجنوب.

لكننى كما تعرف غادرت مصر فى لحظة ملتهبة ذات علاقة مباشرة بفكرة التعايش والتنوع، هناك ثقافة تتنامى ترفض الآخر، وتخلق حالة من التشاحن والفرز على معايير طائفية، وجئت إلى السودان فى اللحظة التى يستعد فيها هذا البلد الغالى علينا لدفع ثمن فادح لهذه الحالة من رفض التعايش، وعدم القدرة على التوصل إلى صيغة لاحترام التنوع، وخلق الدولة العادلة لجميع مواطنيها.

أعرف، كما تعرف، أن السودان يدفع ثمن سياسات قديمة، ربما تعود إلى العهد الاستعمارى، لكن المؤكد أن أحداً من أطراف العملية السياسية، ومن القوى السودانية منذ عهد الاستقلال، لم يبذل الجهد الكافى لصيانة الوحدة، أو تهيئة المناخ حتى يتنفس الجميع، لكن البداية فى السودان كانت مثلها فى مصر، لكن الأمر ترك فى السودان يراكم أخطاء فوق أخطاء، حتى بات الأمر محسوماً.. وفى مصر، تتراكم الأخطاء أيضاً فوق الأخطاء، حتى وإن كان بقدر من التماسك والقدرة على الاحتواء، لكن فى جميع الحالات نبقى عاجزين عن العلاج الشامل والناجز والشافى.

ما يحدث فى مصر بشكل يمكن أن نعتبره «بسيطاً»، مقارنة بالآخرين، يحدث فى لبنان بشكل آخر، ويحدث فى العراق بشكل مختلف، حتى يصل إلى أقسى صوره فى السودان، حيث تستعد صناديق الاقتراع للإقرار ببتر الجنوب عن الشمال، وهى صيغة أخيرة تحاول أن تمنح الطرفين فرصة الحياة بعد أن استعصت بينهما، أو جعلها السياسيون كذلك، بعضهم يتحرك بمبدأ: «إن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته»، وبعضهم يعتبر المسألة تخلصاً من «جزء فاسد» فى الجسد العليل.

ما تراه فى مصر وفى لبنان والعراق والسودان، رغم التفاوت بينها، فإنه ينطلق من نقطة ارتكاز واحدة، هى رفض الآخر، ومقاومة التنوع، والعجز عن العيش المشترك، وهى مسألة ذات حضور فى مناطق كثيرة فى العالم، لكن مشكلتها فى منطقتنا أنه تجرى شرعنتها دينياً، ليس بالشريعة كما أنزلت، ولكن بفهم محدد لها تجرى فرضه والترويج إليه، لكن المسألة ربما تكون «جينية» فى الأساس، لأن فى مناطق كثيرة تجد الخطاب الرافض للآخر وغير المكترث به لا يصدر فقط من منابر ذات صفة إسلامية، بما يؤكد أن الثقافة عامل أساسى وحاكم فيما وصلنا إليه، من رفض للاختلاف ومقاومة للتنوع، واستعداء للآخر.

تلك ثقافة أحادية باتت متجذرة فى مجتمعاتنا العربية عموماً، والإسلام منها برىء، وهناك دائماً حالة استنفار لفرض نظرة أحادية تحتكر الحقيقة واليقين على جميع المستويات، السياسية والدينية والاجتماعية، لكن الجميع، سياسيين ورجال دين وقادة طوائف وأعراق، ينظرون للتنوع باعتباره كارثة، رغم أنه «نعمة كبرى لو يعلمون».

sawyelsawy@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer