الأقسام الرئيسية

ثورة تونس هي الأولى في التاريخ العربي الحديث... ولن تكون الأخيرة

. . ليست هناك تعليقات:

   





















كارينا أبو نعيم
بينما نشهد في المنقلب العربي الآخر تحركات وتغييرات وثورات في بعض الدول العربية، ولعل أبرزها "ثورة الياسمين" التي أطلقها التونسيون والتي أسقطت نظام الرئيس زين بن العابدين، وأطاحت به، رغم اعتباره من أقوى الأنظمة في العالم العربي.
الدكتور بول سالم، رئيس مركز كارنجي للشرق الأوسط، أخذنا معه في جولة بانورامية سلّطنا فيها الأضواء على الأحداث التي تعصف بكل من السودان وتونس والجزائر والأردن مروراً بوضع مسيحيي العراق ومصر، وصولاً الى الأزمة اللبنانية التي بلغت منعطفاً خطراً يهدّد الأمن وكيان الدولة اللبنانية.
بدايةً، كانت لنا وقفة مع الدكتور بول سالم حول ما يجري في بعض البلدان العربية: من السودان وعملية الانفصال والتقسيم... إلى تونس والإطاحة بالرئيس زين العابدين الى الجزائر فالأردن: ماذا يجري في المنطقة؟
هناك مجموعة أمور تجري حالياً في المنطقة العربية، ولا يمكن اختصارُها ضمن مسار أو مسارين. الدول العربية بأيديولوجيتها واستمرارية وجودها وبنظام الحكم فيها تعاني من أزمة عميقة جداً منذ عقدين. وتلك المعاناة قد تفاقمت مؤخراً في اليمن ومصر وتونس والجزائر.
لقد ولدت معظم تلك الدول العربية بعد أن نالت استقلالها، وبعد محاربة الاستعمار الأجنبي لأراضيها. ولكن، بعد فترة من الزمن، غابت عن هذه الدول الأسباب الحقيقية التي وُجدت تلك الأنظمة من أجلها، والتي على أساسها قادت الشعوب في تلك الفترة الثورة ضد الاستعمار الأجنبي. لقد بُنِيت تلك الأنظمة على عقد اجتماعي شبه اشتراكي قائم على التصدي للعدو الإسرائيلي، وتبني القضية الفلسطينية، والتحرر من التبعية الخارجية. في الواقع، لم تلتزم تلك الأنظمة بما وعدت به في مجال التنمية والعدالة الاجتماعية. ولم تلتزم بوعودها في موضوع محاربة العدو الإسرائيلي وحل القضية الفلسطينية. زد على ذلك، موضوع الحياة السياسية من أحزاب وانقلابات ثورية ذات شعبية كبيرة، لم تدفعهم الى أن ينتقلوا لنظام ديمقراطي. وغابت عنهم في الوقت عينه الثورة الشرعية. فأصبحت أرضيتُهم السياسية منخورة. فاستعانت تلك الأنظمة بحكم العسكر والنظام الأمني والمخابراتي. لكنه تبين في أحداث تونس الأخيرة أن هذه المنظومة العسكرية هي تنين من ورق.
إذن، الدول العربية في أزمة عميقة وحقيقية. هذا الى جانب مجموعة من العوامل الإقليمية مثل الصراع العربي- الإسرائيلي، والمواجهة العربية- الإيرانية - الإسرائيلية، إضافة الى مجموعة من التوترات العربية - الإيرانية والتوترات المذهبية - الطائفية. لقد شهدنا خلال الشهرين المنصرمين تداخل كل تلك العوامل بعضها ببعض. لقد أشعلت تونس فتيل الأزمة، خاصة وأنها قد أسقطت النظام التونسي، وهو من أقوى الأنظمة العربية في المنطقة، مما يطرح السؤال: "ماذا سيجري لأنظمة الدول العربية الأخرى ما بعد تونس"؟. طبعاً، لا يمكن التكهن مسبقاً بالنتائج، لكننا نحن أمام مرحلة جديدة في التاريخ العربي. فتونس شهدت انطلاقة أول ثورة من نوعها في التاريخ العربي الحديث، ولن تنتهي عند هذا الحد. لقد تأثر المواطن العربي بما شاهده من أحداث في تونس عبر شاشات التلفزة. ولم تعد الأنظمة العربية الحالية تمتلك الجرأة للتعاطي مع الشعب كما في السابق. ولم يعد للحاكم العربي خيارات كثيرة، خاصة وقد شهد على سقوط ورحيل الحاكم في التونس.
لا شك إنه حراك جديد قد دخل على الواقع العربي سيحدد العديد من المسارات في المستقبل. الدول العربية في أزمة كبيرة للأسباب التي ذكرناها سابقاً. وربما لن تنهار في الوقت القريب، مع الإشارة الى أن معظم حكامها من الجيل الهرم الذي جاء في عهد الثورات العربية، ومازال يحكم حتى اليوم. سيخلق هذا الموضوع مشكلة كبيرة ستُعرف بمشكلة الأجيال الشابة في الحكم. لقد استطاعت سوريا أن تهرب من هذه المعضلة. لكن من الصعب القول إن مصر ستعرف بعد اليوم الهدوء والاستقرار. ونضيف الى كل تلك الأزمات أزمة تمويل الدول العربية. الدول المنتجة للنفط تمول دولتها بنفسها، لكن البقية مصدر تمويلها من الخارج. والقاعدة الإقتصادية التي حاولت الدولة العربية أن تبنيها وتتصدرها لم تنطلق بعد. فلم تنفع الأنظمة الإشتراكية، والنظام الرأسمالي متعثر في معظم تلك الأنظمة.
من يقف وراء توجيه الضربات الى المسيحيين في العراق ومصر. وما الهدف من هذه العمليات: هل هو الوصول الى تهجير هذه الطائفة؟
تختلف ظروف المسيحيين في العراق عن غيرهم في الدول الأخرى لعدة عوامل، أولها، انهيار الدولة العراقية ومنظومتها الأمنية، والحياة السياسية فيها، وتداعي الاستقرار الذي كان متواجداً من قبل، رغم كل مشاكله وأمراضه. هذا التسييب الذي حصل في العراق جعل كل المواطنين العراقيين، على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم، يتداخلون فيما بين بعضهم بعضاً. فعندما تنهار الدولة تصبح الحرب ضد الكل. إن المسيحيين لم يتأذوا أكثر من غيرهم من الطوائف، ولكنهم مجموعة ضعيفة، وقد بان عليها الأذى أكثر من غيرها. لقد قتل عشرات الآلاف من السنّة والشيعة والأكراد في العراق. لكن الحوادث الأليمة ظهرت أكثر على المسيحيين، لأنهم مجموعة صغيرة وضعيفة، ولا تملك السلاح لحماية أفرادها، وليس لها ميليشيات تقاتل. لهذا لقد تصوروا أن خروجهم أسهل من غيرهم، لأنهم ليسوا مرتاحين في محيطهم. لكن ليسوا لوحدهم مستهدفين. فقد تم استهداف الشيعة والسنّة والأكراد. هناك قسم كبير من أفراد القاعدة يستهدف المسيحيين في العراق، كما أنه يستهدف الشيعة والسنّة أيضاً. وهذه حالة عراقية خاصة. أما في موضوع الحالة المصرية واستهداف المسيحيين الأقباط في الكنيسة، فيبدو، كما تؤكد المعلومات، أنهم شباب ذو ميل أصولي إسلاماوي ويشجع أفكارالقاعدة. وهؤلاء بعيدون كل البعد عن الإخوان المسلمين الذين يؤمنون أن القبطي هو من أهل الذمة، ويمكن استيعابه، فلا يفكرون حينها أبداً بهذه الطريقة الإجرامية. فـ"الأخوان" حريصون على عدم الانجرار لمواجهةٍ طائفية مع الأقباط. رغم أنهم إخوان مسلمون ولهم مشروعهم الخاص، لكن لديهم خوف من أن يُساقوا بالقوة الى تلك الأعمال الإجرامية بحق الأقباط، فيقال ساعتذاك أن هذا هو من عمل وتخطيط وتنفيذ الإخوان. أزمة الأقباط في مصر هي أزمة كل المصريين، لأن الوضع الاقتصادي والاجتماعي سيئ جداً، وليس هناك مشاركة سياسية. تلك الهموم يشترك فيها الأقباط مع كل المصريين. لكن المسيحيين المصريين يعانون من صعوبة في ترميم دُور العبادة التابعة لهم، وتمثيلهم السياسي ضعيف، وحصتهم من الوظائف الرسمية ليست بكبيرة. فالدولة المصرية تتعامل معهم على أساس أنها دولة إسلامية، وليس كونها دولة علمانية. ويشعرون بأن هناك جواً عاماً مصرياً ضدهم، ويشعرون في بلدهم أنهم منبوذون. لكن ليس هناك خطر مباشر عليهم ولا يوجد أي مخطط ضدهم. سيكون الواقع عبارة عن وضع أمني متوتر، لكن ليس هناك من سياسة تهجير لهم.
أزمة تأليف الحكومة في لبنان الى أين؟ وهل تعتقد أن التغيير الحكومي سيخرج الوطن من عنق الأزمة؟ وما هو المخرج التسوية لهذا المأزق؟
إن كان صحيحاً أن القرار الظني سيطال آية الله علي خامنئي والحرس الثوري والرئيس السوري وأعوانه وعماد مغنية وغيرهم، يعني ذلك أن هذه الأزمة لم تعد قابلة للحل لبنانياً. وكما قال السيد نصر الله سيصبح الوضع في مثل هذه الحالة كإعلان حرب أميركي وغربي على حزب الله وإيران وسوريا. فإذا ذهب القرار الظني في هذا الاتجاه فلا يوجد علاج لبناني، أي لن تتألف حكومة في لبنان، ونصبح حينها في حالة حرب كبيرة. ولبنان هو ساحة كعادته، لكنه سيكون ساحة حيّة ونشطة أكثر. وقتئذٍ سيكون الخطر حاضراً من استعمال حزب الله لقوته وسلاحه.
أما إذا كانت القرارات الظنية كما يشاع مؤخراً أنها ستطال أعضاء من حزب الله من الصف الثاني وشخصين من المسؤولين السوريين ليسا ذات شأن كبير، فيمكن من خلالها أن تتقطّع المرحلة مع بعض الإشكالات والصعوبات، ويمكن أن يستوعبها حزب الله والسوريون ويكون لها علاجات. ولا يكون أحد يريد خوض أي حرب مع أحد. في مثل هذه الحالة يمكن تشكيل حكومة لبنانياً. وسيتأخر تشكيل هذه الحكومة الى ما بعد صدور القرار الظني. سنتتظر شهرين أو ثلاثة أشهر حتى يصدر القرار الظني وتهدأ عاصفة الغبار لنعود الى موضوع التشكيل الحكومي.
في الحقيقة، لا يمكن التكهن في هذا الموضوع. حزب الله يصر على البت بما يريده قبل صدور القرار. فبعد صدوره ربما سيكون لديه واقع مغاير ومختلف. لكن تشكيل الحكومة خلال الأسابيع المقبلة أمر صعب جداً. ومن غير الوارد تشكيل حكومة وحدة وطنية، لأن مواقف كلا الطرفين أسوأ بكثير من مواقفهما السابقة. وأن تشكَّل حكومة معارضة، فهو أمر غير وارد حتى من قبل السوريين في الوقت الحاضر إلا بحال كان القرار الظني قاسياً جداً عليهم، فسيتحدون حينها لتشكيل حكومة معارضة لهذه القرار.
المحكمة الدولية: هل يحق للبنان إسقاطها أو الحؤول دون تمويلها، أم أن الأمر خرج من يد لبنان؟ وهل المحكمة مسيّسة كما يشاع ولماذا؟
من الطبيعي أن تكون المحكمة الدولية خارجة من يد لبنان، لأنها تقع تحت البند السابع. لكن الرئيس سعد الحريري له تاثير معنوي على هذه المحكمة، كونه ولي الدم. ولكن إن تنازل الرئيس سعد الحريري فلهذه الخطوة وقع كبير أمام الرأي العام الدولي والعربي والإسلامي. لكن تنازله لا يلغي المحكمة بل يكون ذا تأثير معنوي. وعلى ما يبدو ليس هناك من نية من قبل الرئيس الحريري للتنازل عنها حتى الساعة.
لستُ أعرف إن كانت المحكمة مسيَّسة بتفاصيلها. لكن من الأكيد أن الدول ستستعملها في السياسة وكل منها حسب مصالح بلاده.
لقد أصبح هناك بعض التشكيك في أن المحكمة غير مسيَّسة، ويتنظر الكثير من الناس داخل وخارج لبنان قرارات هذه المحكمة، إن كانت مرفقة بقرائن مقنعة أم ضعيفة.
لماذا فشلت التسوية السعودية - السورية؟
لقد فشلت هذه التسوية لأن الطرفين أي 14 و 8 آذار لم يتوصلا الى أي اتفاق. المطلوب من الرئيس سعد الحريري نقض الإتفاقية وسحب القضاة. لكن حتى هذه اللحظة هو غير مستعد لتنفيذ ما تريده قوى 8 آذار.
وحتى إن ما طلبه سعد الحريري من قوى 8 آذار لم ينفَّذ. ومطلبه له علاقة بالقرارات التي صدرت من سوريا، وهو يعو الى أن يتم إلغاؤها، وكذلك له علاقة بموضوع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وخاصة في البقاع.
لقد فشلت التسوية السعودية - السورية لأنها لم تكن من أساسها ناجحة، ولم يفشّلها أحد. وكان هناك جهات قابلة للمباحثات من أجل كسب الوقت، لكن حين دقت ساعة الصفر وسئل كلا الطرفين هل اتفقتما؟ جاء الجواب كلا.
يقال إن لا حل إلا بتوافق داخلي لبناني- لبناني. كيف يمكن تحقيق هذا الأمر في ظل الانقسامات الحاصلة بين الفريقين المتنازعين (14 و 8 آذار) وهل لرئيس الجمهورية أو لرئيس مجلس النواب دور ما يمكن لعبه على هذا الصعيد؟
إن جاء القرار الظني متهِماً إيران وسوريا فلن يعود هناك من علاج لبناني. وسندخل في مرحلة مفتوحة وجديدة تشبه أجواء سنوات 2004 و2005 و2006. وربما سنشهد حرباً إسرائيلياً على لبنان وحرباً أميركية على إيران وضغطاً على سوريا.
لن يوجد علاج لهذه القضية كما سبق وتصورنا. ونكون قد دخلنا في مرحلة خطيرة جداً، ولا أتلمس الحلول لها لبنانياً.
ويمكن لرئيس الجمهورية لعب دور وسطي إن كانت الأطراف راضية بهذا الدور. لا شك أن الرئيس بري والنائب جنبلاط يحاولان الدفع بالأمور الى مرحلة الوسط من جديد.
كيف يمكن وصف الوضع السياسي العام في لبنان؟
هناك شلل في المؤسسات الرسمية، وضغوطات متبادلة بين الأطراف وتصعيد بينهما. والطرفان في مأزق: حزب الله و14 آذار. والبلد في مأزق كبير والكل يلعب ويساوم على الوقت. وهناك حراك دولي متسارع. نحن في مرحلة حركة سريعة وفي اتجاهات متنوعة والوضع يتطور ويتغير بسرعة كبيرة. نحن في منعطف زلق جداً، ولا أحد يعلم بعد أسبوعين أين سنصبح.
في تصريحات العديد من أقطاب السياسة نستشف تخوفات من خطر محدق بلبنان. هل نحن على شفير فتنة مذهبية، حرب أهلية أو اعتداء إسرائيلي؟
لا أتصور أن من يمتلك السلاح لديه توجه نحو فتنة مذهبية. والفئة التي لا تمتلك السلاح لا تريد الذهاب الى 7 أيار جديد. فقد عاش كلا الطرفين 8 و14 آذار في أيار 2007 تجربة قاسية ولن يكرراها. ربما سيكون هناك بعض التفجيرات الصغيرة وعبث بالأمن، خاصة بعد صدور القرار الظني. لكن ستكون هناك محاولة لضبط الأمور من الخارج ومن الداخل. شخصياً أنا متخوف، ولكنني لا أرى أن ذلك سيحصل.
الخطر الإسرائيلي كبير جداً على لبنان، لكن ليس في الوقت الحاضر. وإن كان سيصعَّد موضوع القرار وسينال من سوريا وإيران وحزب الله فيتخوّف وقتذاك من تهيئة أجواء لتدخل إسرائيلي. وفي هذه المرحلة سيختلف الوضع السوري عن العام 2006 وسيجري الضغط عليها للتعاون في ضبط الوقت. وضع سوريا السياسي والإقتصادي والدولي ليس في أفضل حالاته، والمكاسب الدولية والإقليمية التي نالتها في السنتين الأخيريتين قد خسَّرتْها الكثير في الشهرين الأخيرين، خاصة لجهة موضوع موقفها من المحكمة الدولية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer