بقلم حسن نافعة ٩/ ١٢/ ٢٠١٠
سيكون حزب الله هو الحاضر الغائب فى المحادثات التى سيجريها الرئيس السورى حافظ الأسد مع الرئيس الفرنسى ساركوزى خلال زيارته للعاصمة الفرنسية، والتى يفترض أن تبدأ اليوم (الخميس) بعد أن بات واضحاً للأطراف المعنية بالأزمة اللبنانية أن استمرارها سيدفع بالمنطقة كلها نحو انفجار مروع. ورغم ازدحام جدول أعمال هذه المباحثات، فإن الأزمة اللبنانية تفرض نفسها باعتبارها المدخل الرئيسى لمعالجة القضايا الأخرى.. ولأنه بات واضحاً أن التيار الذى يقوده حزب الله ــ وهو التيار الأقوى فى المعادلة اللبنانية ــ لن يقبل بالقرار الظنى الذى تنوى المحكمة الدولية إصداره قريباً والذى يتوقع أن يوجه الاتهام إلى عناصر محسوبة عليه بالتورط فى اغتيال رفيق الحريرى، يدرك الجميع الآن استحالة التوصل إلى تسوية للأزمة اللبنانية إلا إذا كانت مقبولة من جانب حزب الله. غير أن حزب الله يطالب الحكومة اللبنانية فى الوقت نفسه بمقاطعة المحكمة الدولية، التى يعتبرها أداة سياسية لتصفية المقاومة اللبنانية، وتقديم «شهود الزور» ومن يقف وراءهم إلى العدالة، وهى شروط يصعب على الفريق الآخر، الذى يقوده تيار المستقبل قبولها. لذا يخشى كثيرون أن يؤدى استمرار المأزق الراهن إلى انفجار الوضع فى لبنان واندلاع حرب أهلية جديدة يدرك الجميع صعوبة السيطرة عليها أو حصر نطاقها فى الداخل اللبنانى هذه المرة، ومن هنا جدية المساعى التى تبذلها أطراف إقليمية ودولية عديدة. ولأن لكل من سوريا وفرنسا نفوذاً واسعاً وتأثيراً على قطاعات وشرائح عريضة ومهمة داخل المجتمع اللبنانى، فليس من المستغرب أن تبدو المحادثات بين الرئيسين ساركوزى والأسد وكأنها «مفاوضات بالوكالة» عن الفريقين المتصارعين فى لبنان، وأن يأمل كثيرون بالتالى فى أن يفضى الاتفاق بينهما إلى فتح طريق نحو التسوية. تشير تقارير صحفية ــ يبدو أنها تستقى معلوماتها من مصادر مطلعة ــ إلى أن الخبراء عثروا فى النهاية على مخرج يمكن أن يشكل أساساً لحل مقبول من الطرفين، يتمثل فى «اتفاق وديعة» يبرم ويوقع قبل صدور القرار الظنى، لكن لا يعلن عنه إلا بعد صدوره. لذا يبدو أن اللقاء بين الرئيسين ساركوزى والأسد يستهدف الوصول إلى توافق حول إطاره العام، على أن تستكمل التفاصيل فيما بعد. ويقوم جوهر هذا الاتفاق على التزامات متبادلة ومتوازنة ومتزامنة بين الطرفين، فالفريق الذى يقوده تيار المستقبل يلتزم بالإعلان عن رفضه التام اتهام حزب الله بالضلوع فى اغتيال رفيق الحريرى والامتناع عن استخدام أو توظيف هذا الاتهام فى الجدل السياسى الدائر فى لبنان أو السعى لحشر حزب الله فى موضوع السلاح، مقابل التزام الفريق الذى يقوده حزب الله بعدم استخدام السلاح فى الداخل وتهيئة الأجواء لاستمرار عمل الحكومة بشكل طبيعى، والامتناع عن كل ما قد يسهم فى تأزيم الوضع الداخلى. أما القضايا الأخرى، كقضية «شهود الزور» وغيرها، فيعتقد الخبراء بسهولة معالجتها لاحقا إذا تم الاتفاق على الأساس الذى يشكل الإطار العام للاتفاق المقترح. وفى تقديرى أن هذا المخرج يمكن أن يشكل أساساً صالحاً وقوياً لتسوية متوازنة. فإبرام الاتفاق والتوقيع عليه قبل صدور القرار الظنى يريح حزب الله، لأنه يضمن له التحكم فى تفاعلات الأزمة عقب صدور قرار ظنى قد يدينه، وعدم الإعلان عن هذا الاتفاق إلا بعد صدور القرار الظنى يريح تيار المستقبل وينفى عنه شبهة «الاستسلام» لإملاءات حزب الله. ولأنه اتفاق يقوم على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، فمن الطبيعى أن ترحب به الأطراف المعنية، وأن تضمنه القوى الإقليمية الرئيسية، حيث سيبقى «وديعة» لدى كل من سوريا والسعودية إلى أن تحين اللحظة المناسبة. فهل تنجح محادثات الأسد - ساركوزى فى التمهيد لهذا الاتفاق؟! نأمل ذلك، لأن استقرار الوضع فى لبنان لم يعد مطلبا لبنانيا فقط، لكنه بات مطلبا عربيا بامتياز. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات