Thu, 29/03/2012 - 21:01
قبل 90 عاماً، وفى أبريل 1922، اختارت وزارة عبد الخالق ثروت باشا
لجنة من ثلاثين عضواً لوضع مشروع للدستور وآخر لقانون الانتخابات، وفق ما
جاء فى خطاب تكليفها من الملك فؤاد.
وما إن أُعلن تشكيل هذه اللجنة، حتى هبت عاصفة من الغضب والرفض قادها زعيم الأمة حينئذ سعد زغلول الذى سماها «لجنة الأشقياء». ولا تختلف الأسباب التى استند إليها رافضو «لجنة الثلاثين» فى ذلك الوقت عن تلك التى يسوقها معارضو «لجنة المائة» التى أُعلن تشكيلها يوم السبت الماضى إلا فى أمر واحد هو أن حزب الأغلبية (الوفد) كان مهمشاً فى الأولى بينما حزب الأكثرية (الحرية والعدالة) متهم بتهميش آخرين فى الثانية.
أما الأسباب الأخرى فهى لا تختلف كثيراً فى الحالتين، وأهمها عدم التوازن لأن «لجنة الثلاثين» لم تمثل القوى السياسية والاجتماعية الأساسية، وأن «لجنة المائة» لا تعبر عن مختلف فئات المجتمع، وأن آلية تشكيل كل منهما معيبة، وأن الدستور ينبغى وضعه بواسطة جمعية تأسيسية منتخبة، وليس عن طريق لجنة حكومية فى 1922 أو لجنة ينتخبها البرلمان فى 2012.
وهكذا، فبالرغم من أن مصر تغيرت فى كل شىء تقريباً، وأن العالم كله اختلف جذرياً، فقد أُعلن تشكيل «لجنة المائة» فى أجواء تشبه فى ملامحها العامة تلك التى أحاطت تأليف «لجنة الثلاثين» بشكل أو بآخر، خصوصاً من حيث ردود الفعل المعارضة والاحتجاجات الغاضبة.
غير أن الفرق الأساسى بين الحالتين، وهو موقع حزب الأغلبية عام 1922 وحزب الأكثرية أو حزبى الأغلبية فى 2012، لن يجعل مهمة «لجنة المائة» أقل صعوبة. ستعمل «لجنة المائة» مثلما عملت «لجنة الثلاثين» فى أجواء شديدة التوتر. ولكن النتيجة لن تكون متشابهة أو متقاربة إلا إذا وجهت «لجنة المائة» رسالة واضحة وصريحة منذ البداية تفيد بأنها لن تغير فى مقومات الدولة والمجتمع المنصوص عليها فى دستور 1971 بالزيادة أو النقصان. والأفضل أن تلتزم بإبقاء الأبواب الأربعة الأولى فى هذا الدستور كما هى، وأن تركز عملها فى صياغة نظام سياسى جديد ديمقراطى بشكل توافقى.
وعندئذ يمكن أن يخرج مشروعها الذى سيُطرح للاستفتاء متوازناً ومطمئناً للخائفين من أن يكون هذا المشروع تعبيراً عن الأغلبية، وليس عن التوافق الوطنى المطلوب.
وفى هذه الحالة، يمكن أن تتغير النظرة إليها مثلما حدث عندما وضعت لجنة «الثلاثين» مشروعاً معقولاً ومتوازناً أدى إلى تحول موقف معارضيها. وعندئذ صدر الدستور فى 19 أبريل 1923 فى ظل توافق وطنى ورضا عام لا غنى عنهما لشرعية أى دستور. ولذلك فالسؤال الآن، وقد أعاد التاريخ إنتاج نفسه ولكن فى صورة جديدة تماماً، هو: هل تنتهى «لجنة المائة» إلى مشروع دستور متوازن يلقى قبولاً واسعاً كما حدث فى تجربة «لجنة الثلاثين»؟
السؤال محورى بالنسبة إلى مستقبل مصر. والجواب يتوقف على موقف حزب الحرية والعدالة بالأساس ومدى التزامه بما سبق النقاش حوله بشأن اعتماد الأبواب الأربعة الأولى فى دستور 1971 وعدم تغيير مقومات الدولة والانتقاص من الحريات. فهذا الموقف المتوازن هو الذى يقى البلاد أخطاراً هائلة. وهذا هو درس تجربة «لجنة الثلاثين» التى نفت عن نفسها صفة «الأشقياء» من خلال أداء متوازن انحازت فيه إلى الديمقراطية بمقدار ما استطاعت وأرضت الأغلبية بالرغم من أنها لم تكن معبرة عنها.
ولذلك يتوقف الأمر فى أداء «لجنة المائة» على مدى استعداد الاتجاه الغالب فيها لوضع مشروع متوازن يعبر عن مصر بكل مكوناتها على أساس أن الوطن هو الثابت وليست القوى السياسية التى تختلف أوزانها النسبية من مرحلة إلى أخرى.
ولن يكون هذا صعباً لوجود توافق ضمنى واسع على أن القسم الأول فى دستور 1971 ليست فيه مشاكل جسيمة تستدعى إعادة كتابته، وعلى أن نظام الحكم المختلط هو الأكثر ملاءمة لظروف مصر فى الفترة القادمة. كما أن النقاش حول النظام السياسى لا يثير صراعات حادة لأنه يتعلق بتنظيم السلطات والعلاقة بينها، وليس بخلافات عقائدية وأيديولوجية.
وإذا كانت «لجنة الثلاثين» أنجزت مشروع دستور من نقطة الصفر فى نحو ستة أشهر، ففى إمكان «لجنة المائة» أن تؤدى مهمتها فى وقت أقل. ولكن المهم هو أن يأتى مشروعها مرضياً للجميع لتؤكد أنها ليست «لجنة أشقياء» مثلما فعلت «لجنة الثلاثين» قبل 90 عاماً.
وما إن أُعلن تشكيل هذه اللجنة، حتى هبت عاصفة من الغضب والرفض قادها زعيم الأمة حينئذ سعد زغلول الذى سماها «لجنة الأشقياء». ولا تختلف الأسباب التى استند إليها رافضو «لجنة الثلاثين» فى ذلك الوقت عن تلك التى يسوقها معارضو «لجنة المائة» التى أُعلن تشكيلها يوم السبت الماضى إلا فى أمر واحد هو أن حزب الأغلبية (الوفد) كان مهمشاً فى الأولى بينما حزب الأكثرية (الحرية والعدالة) متهم بتهميش آخرين فى الثانية.
أما الأسباب الأخرى فهى لا تختلف كثيراً فى الحالتين، وأهمها عدم التوازن لأن «لجنة الثلاثين» لم تمثل القوى السياسية والاجتماعية الأساسية، وأن «لجنة المائة» لا تعبر عن مختلف فئات المجتمع، وأن آلية تشكيل كل منهما معيبة، وأن الدستور ينبغى وضعه بواسطة جمعية تأسيسية منتخبة، وليس عن طريق لجنة حكومية فى 1922 أو لجنة ينتخبها البرلمان فى 2012.
وهكذا، فبالرغم من أن مصر تغيرت فى كل شىء تقريباً، وأن العالم كله اختلف جذرياً، فقد أُعلن تشكيل «لجنة المائة» فى أجواء تشبه فى ملامحها العامة تلك التى أحاطت تأليف «لجنة الثلاثين» بشكل أو بآخر، خصوصاً من حيث ردود الفعل المعارضة والاحتجاجات الغاضبة.
غير أن الفرق الأساسى بين الحالتين، وهو موقع حزب الأغلبية عام 1922 وحزب الأكثرية أو حزبى الأغلبية فى 2012، لن يجعل مهمة «لجنة المائة» أقل صعوبة. ستعمل «لجنة المائة» مثلما عملت «لجنة الثلاثين» فى أجواء شديدة التوتر. ولكن النتيجة لن تكون متشابهة أو متقاربة إلا إذا وجهت «لجنة المائة» رسالة واضحة وصريحة منذ البداية تفيد بأنها لن تغير فى مقومات الدولة والمجتمع المنصوص عليها فى دستور 1971 بالزيادة أو النقصان. والأفضل أن تلتزم بإبقاء الأبواب الأربعة الأولى فى هذا الدستور كما هى، وأن تركز عملها فى صياغة نظام سياسى جديد ديمقراطى بشكل توافقى.
وعندئذ يمكن أن يخرج مشروعها الذى سيُطرح للاستفتاء متوازناً ومطمئناً للخائفين من أن يكون هذا المشروع تعبيراً عن الأغلبية، وليس عن التوافق الوطنى المطلوب.
وفى هذه الحالة، يمكن أن تتغير النظرة إليها مثلما حدث عندما وضعت لجنة «الثلاثين» مشروعاً معقولاً ومتوازناً أدى إلى تحول موقف معارضيها. وعندئذ صدر الدستور فى 19 أبريل 1923 فى ظل توافق وطنى ورضا عام لا غنى عنهما لشرعية أى دستور. ولذلك فالسؤال الآن، وقد أعاد التاريخ إنتاج نفسه ولكن فى صورة جديدة تماماً، هو: هل تنتهى «لجنة المائة» إلى مشروع دستور متوازن يلقى قبولاً واسعاً كما حدث فى تجربة «لجنة الثلاثين»؟
السؤال محورى بالنسبة إلى مستقبل مصر. والجواب يتوقف على موقف حزب الحرية والعدالة بالأساس ومدى التزامه بما سبق النقاش حوله بشأن اعتماد الأبواب الأربعة الأولى فى دستور 1971 وعدم تغيير مقومات الدولة والانتقاص من الحريات. فهذا الموقف المتوازن هو الذى يقى البلاد أخطاراً هائلة. وهذا هو درس تجربة «لجنة الثلاثين» التى نفت عن نفسها صفة «الأشقياء» من خلال أداء متوازن انحازت فيه إلى الديمقراطية بمقدار ما استطاعت وأرضت الأغلبية بالرغم من أنها لم تكن معبرة عنها.
ولذلك يتوقف الأمر فى أداء «لجنة المائة» على مدى استعداد الاتجاه الغالب فيها لوضع مشروع متوازن يعبر عن مصر بكل مكوناتها على أساس أن الوطن هو الثابت وليست القوى السياسية التى تختلف أوزانها النسبية من مرحلة إلى أخرى.
ولن يكون هذا صعباً لوجود توافق ضمنى واسع على أن القسم الأول فى دستور 1971 ليست فيه مشاكل جسيمة تستدعى إعادة كتابته، وعلى أن نظام الحكم المختلط هو الأكثر ملاءمة لظروف مصر فى الفترة القادمة. كما أن النقاش حول النظام السياسى لا يثير صراعات حادة لأنه يتعلق بتنظيم السلطات والعلاقة بينها، وليس بخلافات عقائدية وأيديولوجية.
وإذا كانت «لجنة الثلاثين» أنجزت مشروع دستور من نقطة الصفر فى نحو ستة أشهر، ففى إمكان «لجنة المائة» أن تؤدى مهمتها فى وقت أقل. ولكن المهم هو أن يأتى مشروعها مرضياً للجميع لتؤكد أنها ليست «لجنة أشقياء» مثلما فعلت «لجنة الثلاثين» قبل 90 عاماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات