الأقسام الرئيسية

الامازيغ - أصلهم وموطنهم ولغتهم

. . ليست هناك تعليقات:

إبراهيم الحيدري

GMT 8:00:00 2011 الخميس 2 يونيو

يتزايد الاهتمام اليوم بقضايا المكونات الاجتماعية والثقافية في العالم العربي بعد ربيع الثورات العربية الذي من اهدافه ليس تغيير الانظمة الاستبدادية الشمولية فحسب، بل أيضا التحرر من النزعة الأبوية - البطريركية والعقلية الاستبدادية التقليدية والتحول الى فضاء الحرية والتعددية والديمقراطية والتسامح واحترام حقوق الانسان واعادة النظر باوضاع وحقوق المكونات الاثنية والدينية والثقافية. وتأتي قضية الامازيغية في شمال افريقيا في مقدمة القضايا الحساسة التي تحتاج الى دراسات وبحوث ومناقشات لتوضيح ابعادها التاريخية والاجتماعية والثقافية.

من هم الامازيغ؟
الامازيغ أو البربر اسم يطلق على من يتكلم " الامازيغية "، و هم السكان الأصليون في الشمال الافريقي، الذين ينتشرون في مساحة تمتد من برقة وواحة سيوة على مشارف مصر شرقا، حتى المحيط الاطلسي غربا، وعلى امتداد الصحراء الكبرى والساحل الافريقي حتى مالي والنيجر جنوبا. وقد اشار المؤرخ الجزائري عبد الرحمان الجيلاني في كتابه " تاريخ الجزائر العام" الى ان اول من عرف في التاريخ المسجل من سكان هذا الوطن، انما هم البربر الذين ينتشرون بصورة خاصة، في بلدان المغرب والجزائر وتونس وليبيا حتى مصر.
وتجمع كلمة "امازيغ" على "امازيغين" ومؤنثها "تمازغيت" وجمعها "تمازغيين"، وتعني في اللغة الامازيغية معنى الانسان الحر النبيل. وقد وردت كلمة امازيغ في النقوش المصرية القديمة وكذلك في المؤلفات اليونانية والرومانية.
وكان الرومان يطلقون على القبائل المنتشرة في الشمال الافريقي اسم Berber وهي من أصل يوناني Barbarian (البرابرة) كما يطلقونه على كل من هو غير روماني. وقد تطور معنى الاسم في وقت لاحق فاصبح الاجانب بصورة عامة. وكان العرب قد اطلقوا على جيرانهم اسم " العجم" ثم اصبح معناه بعد ذلك كل ما هو غير عربي.
اخذت كلمة " البربر" عند الرومان معنى سياسيا واطلقت على الشعوب التي تقف في مرتبة حضارية ادنى منهم، ثم اخذت الكلمة معنى اكثر خصوصية حين اطلقت على البلدان التي خرجت على طاعة الرومان فسموا برابرة Barbarikum او" بلاد البربر" وخاصة نوميديا Nomidae او دولة البرابرة. وعندما فتح المسلمون شمال افريقيا حافظوا على اسم " البربر" ولم يغيروه لذيوعه وانتشاره بينهم.
وينسب البربر بحسب بعض المؤرخين، الى " مازيغ " ابن كنعان بن حام بن نوح فهم حاميون. اما دوبرا، المؤرخ الفرنسي، فقد اشار الى ان البربر جنس آري هاجر من نواحي الكنج بالهند، منذ زمن بعيد في القدم، وهم حاميون وليسوا ساميين. كما اشار احد علماء الانثروبولوجيا الايطاليين،الى ان البربر في الاصل، وبصورة خاصة الطوارق منهم،، من جنوب ايطاليا، وكانوا قد نزحوا الى هذه المنطقة عبر البحر الابيض المتوسط في عصور غابرة. كما يرجع بعض علماء الاثنولوجيا اصلهم الى اجناس اوربية مختلفة استقرت في شمال افريقيا وحافظوا على اسم "البربر" ولم يغيروه لذيوعه وانتشاره بينهم.
كما يرجع بعض علماء الاثنولوجيا اصلهم الى اجناس اوربية مختلفة استقرت في شمال افريقيا منذ قديم الزمان واختلطت بعضها مع البعض الآخر عن طريق الاتصال الحضاري وكونوا في الاخير جنسا له خصائص متشابهة، كما هي البيئة.
تاريخيا، اختلط الامازيغ بشعوب واقوام عديدة ومختلفة، منهم الفينيقيين واليونانيين والايطاليين، اختلاطا عابرا، غير انهم اختلطوا وامتزجوا بالمصريين القدماء والعرب والمسلمين بشكل اقوى. وقد اعتقد بعض المؤرخين، ومنهم الطبري والجرجاني والمسعودي وابن الكلبي وغيرهم، بان قبائل صنهاجة وقتامة من حمير، غير ان العلامة ابن خادون اعتبر في مقدمته المعروفة هذه الاخبار واهية وبعيدة عن الصحة وعريقة في الوهم والغلط وهي اشبه بقصص موضوعة.غير ان ابن خلدون اشار في موضع آخر الى ان بعض قبائل البربر يحتفظون بانساب عربية صريحة مثل صنهاجة وقتامة، وانها ذات اصول يمنية.
بعد الفتح الاسلامي لمصر عام 641م وصل المسلمون الى برقة عام 669م ثم الى طرابلس وفزان. غير ان مرحلة الفتح المنظمة بدأت على يد عقبة بن نافع الذي وصل الى سواحل المحيط الاطلسي غربا. ثم تبعه حسان بن النعمان ثم موسى بن نصير، والاخيران هما اللذان استكملا فتح المغرب والاندلس. وكان موسى بن نصير قد نشر الاسلام واللغة العربية جنبا الى جنب، مع الفتح الاسلامي لافريقيا.
ومنذ ذلك الحين اختلط البربر بالمسلمين واعتبروا الدخول في الاسلام تحريرا لهم من ربقة الرومان. وقد انتهز حسان بن النعمان دخول البربر الى الاسلام فجعل اكثر جيشه منهم، وقسم لهم الفيء والارض، فشاركوا الجيش الاسلامي في فتوحاته الى اسبانيا، وكان من منهم طارق بن زياد وهو بربري، قاد جيش المسلمين لفتح اسبانيا وعبر المضيق الذي سمي فيما بعد باسمه.
وفي فترة الخلافة الاموية تولى يزيد بن ابي مسلم ولاية المغرب، وكان شديدا جائرا حكم مثل الحجاج بن يوسف الثقفي في العراق بالشدة والعنف، فثار عليه البربر وقتلوه عام 720م. وبحسب حياة عمامو في كتابها "أسلمة بلاد المغرب"، فانه بالرغم من مقاومة البربر لولاة بني أمية وعمالهم لم يضعوا سؤال الاسلام باعتباره دينا ومشروعا حضاريا موضع تساؤل، وانما رفضوا الخضوع للظلم وليس للسلطة المركزية بدمشق.
وكانت جماعات من البربر قد ابتعدت لاجئة الى الاطراف القصية، واخرى اعتصمت بجبال الأوراس والاطلسي وكذلك في بلاد القبائل الكبرى. وقد وجدت بعضها في افكار الخوارج ما يتوافق مع فهمها للاسلام في المساواة وشرعية الثورة على الحاكم الظالم، فكان منهم الصفرية اتباع عكرمة الصفري، التي انتشرت افكاره جنوب المغرب الاقصى والاباضية، اتباع سلمة بن الاسعد الاباضي، الذي راجت افكاره في المغرب الاوسط، وبصورة خاصة في وادي مزاب حتى طرابلس.
بعد سقوط الدولة الاموية في الشام غلبت الخوارج العباسيين وحكموا اجزاء كبيرة من شمال افريقيا بحدود عام 768 واقاموا اماراتهم فيها، ومنهم الاغالبة. وفي القرن الحادي عشر وحتى الثالث عشر سيطرت قبائل بربرية الأصل على المنطقة واعلنت استقلالها عن الخلافة الاموية في الاندلس. وكانت دولة المرابطين اولى تلك الدول التي امتد نفوذها في الساحل الافريقي ثم تبعتها دولة الموحدين التي امتد نفوذها في جميع انحاء شمال افريقيا، من المغرب حتى تونس. وقد استمر حكمها حتى آواخر القرن الثالث عشر الميلادي.
شارك البربر في بناء الحضارة في شمال افريقيا، بالتعاون مع الاخرين او لوحدهم، مثلما شاركوا في تطوير وبناء حضارة مصر القديمة حيث حكم البربر فيها ما يقارب ثلاث قرون. وكان الملك شنشنق الاول، مؤسس الاسرة الثانية والعشرين الفرعونية، بربري الاصل بحدود 950 ق. م وساهم في تطوير الحضارة المصرية القديمة في عصورها المتأخرة، كما شارك البربر في بناء وتطوير قرطاجة وحضارتها مع الفينيقيين الذين وصلوا الى ما يدعى اليوم بمدينة تونس وشاركوا معهم في الفتوحات القرطاجية وكذلك في العمران، مثلما شارك القرطاجيون البربر بعقائدهم القديمة، وبخاصة في عقيدة " آلهة الخصوبة " البربرية وممارسة الوشم الذي عكس فلسفة خاصة بهم ارتيطت بمعتقدات وطقوس دينية كان من اهدافها ابعاد الروح الشريرة عن الانسان والاشياء.

دولة نوميديا الامازيغية
ومن الدول التي لعبت دورا هاما في تاريخ شمال افريقيا هي دولة "نوميديا" البربرية التي تأسست بعد سقوط قرطاجة عام 146ق. م. وكانت عاصمتها قرطبة التي تعرف اليوم بقسنطينة التي تقع في الشمال الشرقي من الجزائر، وامتد نفوذها الى شرشال عاصمة موريتانيا جنوبا وطنجة في المغرب شمالا. وكان ماسنيسا قد اخترع "لغة ليبية " على نمط الحروف الهجائية الفينيقية واتخذ من الزراعة حرفة للقبائل المتنقلة بدل الرعي والترحال. وقد تطور في نوميديا اقتصاد زراعي وتجارة نشطة وجيش قوي يسنده اسطول بحري. وقد ضرب ماسنيسا السكة باسمه وعمل على توحيد الشمال الافريقي كله. وقد استمر حكمه ثلاثين عاما (146- 118ق.م ).
غير ان ماسنيسا لم يستطع التحرر من السيطرة الرومانية. وعندما اختلف اولاده الثلاثة على السلطة من بعده، ارسلت روما بعثة عسكرية قسمت البلاد بين اثنين من اولاده. غير ان يوغرطة، احد الاولاد الثلاثة، اضطر الى مقاومة الرومان عام 109 ق.م وقاد ثورة عارمة ضدهم واستطاع تحرير القسم الشرقي من البلاد وهزم الرومان الى الجبال، ثم طردهم منها ووحد بلاد افريقيا. وقد انتهت حياة يوغرطة، الذي ما زالت ذكراه حية في قلوب البربر كبطل قومي اسطوري، في حفلة غدر وتآمر اقامها القائد الروماني سولا، بالتعاون مع بوكوس ملك المغرب، حيث دعي الى حفلة عشاء فقبض عليه وصلب في شوارع روما عام (105ق.م). وما زال البربر يرددون مقولته الشهيرة " روما ايتها الملعونة، لو وجدت من يشتريك لبعتك في الحال".

اللغة الامازيغية
ولغة البربر هي الامازيغية "، وهي لغة غير كتابية اصلا، وتتكون من عدة لهجات مع ان البعض من البربر كتبها بالحروف اللاتينية، وهناك محاولة لكتابة الامازيغية بالحروف العربية، مثلما تأثرت باللغة الفرنسية بعد الاحتلال الفرنسي للمغرب العربي.
وتختلف اللهجات الامازيغية من مكان الى اخر وخاصة بين طوارق مالي والنيجر الغربي وبين اللهجات البربرية في شمال افريقيا. كما تختلف امازيغية المدن الساحلية والوسطى عن امازيغية الشاوية في الجزائر وامازيغية الطوارق.
ويعتقد علماء اللغات، بان لغة البربر ترتبط مع اللغات السامية باصل واحد. وقد وضعها عالم اللغات الالماني غرينبورغ في مجموعة اللغات الافرو – آسيوية، وعلى سبيل المثال فان كلمة " آيت احمد " تعني ابن احمد". كما يعتقد بعض العلماء بان اصل البربر من الساميين الذين هاجروا من شبه الجزيرة العربية الى شمال افريقيا عن طريق باب المندب مرة، وعن طريق السويس مرة اخرى. ومن اهم اللهجات البربريه في الجزائر امازيغية المدن الوسطى وامازيغية الشاوية وامازيغية الطوارق، مع ان ضمن كل مجموعة من هذه المجموعات لهجات فرعية او محلية. اما في المغرب فهناك لهجتان رئيسيتان هما : تمازيغت"، في الشمال الشرقي و "تشلحيت" في مراكش والجنوب الشرقي، الى جانب "تريفيت" في مناطق اخرى.
ولا تكتب اللهجات البربرية، ما عدا واحدة، هي لهجة او لغة الطوارق وبخاصة طوارق الساحل، التي تكتب بشكل غير متكامل. ويطلق عليها "تمرشاك" وتكتب " تفناغ" وهي كتابة لها صلة مع اللغة الهيروغليفية، غير انها اكثر تطورا من حيث التصوير. وكتابة " التمرشاك" معروفة عند كل الطوارق، وهي لغة غنية في التصور والخيال، ولكنها محدودة بخبر وتجارب الطوارق في الصحراء الافريقية.
والمجتمع البربري له نمط ثقافي خاص به وقد حافظ البربر على عاداتهم وتقاليدهم ولهجاتهم وازيائهم واغانيهم حتى بعد ان اختلطوا مع العرب واندمجوا في المجتمع الاسلامي، واخذوا يتكلمون العربية الى جانب الامازيغية.

عدد الامازيغ
لا تتوفر حتى اليوم احصائيات دقيقة حول عدد الامازيغ. وبحسب المصادر التي استطعنا الحصول عليها، قدر عدد الامازيغ عام 1984 باكثر من 14 مليون نسمة، اضافة الى مليونين خارج المغرب العربي. اما اليوم فيقدر عددهم بحدود 26 مليون نسمة، منهم حواي 10 ملايين في الجزائر وحوالي سبعة ملايين في المغرب.
واعلى نسبة منهم تتواجد اليوم في المغرب ويشكلون حوال 34% من مجموع السكان (1980). اما في الجزائز فيشكلون نسبة 22% من مجموع السكان (1980), وحوالي 25% 1995. وفي موريتانيا يشكلون 20% والنيجر 8% ومالي 7% وليبيا 9%. اما في تونس فيوجد اليوم عدد محدود من القبائل الامازيغية التي تتكلم اللغة العربية وتعيش في الريف التونسي الشمالي. كما ان اغلب سكان الصحراء الافريقية الكبرى الرحل هم من البربر، وهم بحدود مليوني نسمة وينقسمون الى ثمانية قبائل كبرى ويطلق عليهم " الطوارق" حراس الصحراء الملثمين. والبربر مسلمون ويتبعون المذهب المالكي وعندهم اولياء عديدون يقدسونهم وينتظرون منهم الخير والبركة، كما ان طرقهم الصوفية وزواياهم تنتشر في القرى والارياف.
ومن مجموعات البربر في الجزائر " القبائل " الذين يستقرون في جبال جرجره، وقد عرفوا ببأسهم وبمقاومتهم العنيدة للاستعمار الفرنسي. كما عرفوا بفلاحي الجبال الذين يسكنون في بيوت محفورة في الصخور الجبلية، وكانوا الى وقت قريب يعيشون في شبه عزلة عن العالم تقريبا. غير ان الكثافة السكانية العالية وقلة الامطار والجفاف تركت الآلاف منهم ينزحون الى المدن الكبرى او يهاجرون الى اوربا بحثا عن عمل وبخاصة الى فرنسا واسبانيا.
اما المزابيين ( المزابية)، نسبة الى وادي مزاب في الجزائر فيختلفون عن غيرهم في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية ويعيشون حياة شبه منعزلة عن الاخرين خاصة بهم جعلت منهم طائفة اسلامية متميزة عن العرب والبربر الاخرين. وعلى العكس من القبائل الكبرى الذين يمتهنون الزراعة، فان المزابية يعملون في التجارة والحرف ويعيشون في خمسة مدن من أهمها غرداية، بوابة الصحراء الكبرى، وينتمون الى مذهب الخوارج، مع انهم يتبعون مدرسة ابو حنيفة، في الوقت الذي يتبع الغالبية العظمى من الجزائريين، المذهب المالكي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer