الأقسام الرئيسية

لماذا لا ينظر المجلس الأعلى إلى تونس؟

. . ليست هناك تعليقات:
بقلم: نيفين مسعد

nevine mosaad

10 مارس 2011 09:15:29 ص بتوقيت القاهرة

اصرار المجلس الأعلى على إجراء الانتخابات البرلمانية بعد شهرين متجاهلا مطالبة كل القوى السياسية –ماعدا الإخوان- بتأجيلها يضع عشرات من علامات الاستفهام حول موقفه. ليست هذه هى المرة الأولى التى يثير فيها موقف الجيش دهشتنا، أثارها حين ضم إخوانيا دون أى تيار سياسى آخر إلى لجنة تعديل الدستور، وأثارها حين تهاون فى مواجهة الغياب المرعب للأمن وترك المواطنين نهبا للصوص وقطاع الطرق.

ليست هذه هى المرة الأولى، لكنها المرة الأوضح ،وإن كان لدى المجلس الأعلى شك فى رغبة غالبية المصريين فى إرجاء الانتخابات البرلمانية بل والانتخابات برمتها فليستفتهم حول هذا الأمر مع الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وليقبل الجميع بنتيجة التصويت.

أما التعلل بالشرعية الدستورية فليحدثنى المجلس عنها فيما طلاب جامعة القاهرة يعتصمون لإطاحة عمدائهم ورئيس جامعتهم وليقل لى هل هذا من قبيل الشرعية الثورية أم الشرعية الدستورية؟ بعد هذه المقدمة الانفعالية شعورا منى باستخفاف المجلس بإرادة من دعوه فى لحظة معينة للإمساك بزمام السلطة، فإننى أدعوه إلى إلقاء نظرة على التجربة التونسية التى حررت المصريين من خوفهم، وأسأله لماذا لا نستفيد منها ونُصِر على خيارات القلة «المنظمة»؟ وأسوق هنا ثلاث خبرات تونسية رئيسة:

تأسيس آلية للحوار الوطنى هى «الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسى والانتقال الديمقراطى»، تجمع فى عضويتها بين ممثلين للقوى السياسية المختلفة والجمعيات الأهلية وخبراء القانون، وتتناقش فى القضايا الخلافية كشكل نظام الحكم رئاسى أم برلمانى ونظام الانتخاب بالقائمة أم فردى و حقوق المواطنة ومكاسب المرأة.

نقاش الهيئة سينتهى لوضع قانون انتخابى يجرى بمقتضاه اختيار أعضاء المجلس التأسيسى فى 24 يوليو المقبل ليتولى وضع دستور جديد للدولة. كما أن النقاش سيتمخض عن مسودة أولى للدستور تعرض على المجلس التأسيسى فور تشكيله ليسترشد بها فى صياغة الدستور الدائم للدولة. أما فيما يخص الأحزاب فالأصل أن القانون القائم قانون جيد لكن النظام السابق كان يعطل إجراءاته، وبالتالى فهو لا يحتاج إلا إلى مواصلة تفعيله بعد أن أسفر فى أقل من شهرين عن ظهور 18 حزب جديد.

تبقى الإشارة إلى أن قرارات الهيئة العليا فى تونس تصدر بالتوافق بين الأعضاء، فإن تعذر فإنها تصدر بالأغلبية ،فإن تساوت الأصوات ترجح الكفة التى يميل إليها رئيس الهيئة الذى يراعى فيه أن يكون شخصية وطنية مستقلة.

فى مصر نحتاج بشدة إلى إطار مماثل نتحاور فيه بشكل راق ونصل إلى نقاط اتفاق وذلك بدلا من الاستقطاب الحاد الذى يشهده المجتمع و تضيع معه الآراء الوسط الوازنة.


شخصيا انتابنى قلق عميق عندما قرأت اقتباسا من مداخلة لقانونى بارز ومحترم يتهم فيه منتقدى التعديلات الدستورية بأنهم لم يقرئوا النصوص وأنهم « يقودون إلى شق الصف». هكذا؟ إذا كان من غير المسموح به انتقاد التعديلات الدستورية حفاظا على وحدة الصف فنصيحتى للمجلس الأعلى أن يصرف النظر عن الاستفتاء عليها لأن نتيجته تبدو معلومة سلفا.

2- التحرر من قيد الزمن، فعندما تولى المبزع رئيس مجلس النواب التونسى مقاليد السلطة بعد فرار بن على، كان عليه وفق المادة 57 من الدستور مغادرة الحكم فى غضون ستين يوما. لكن عندما اقتربت هذه المدة من نهايتها التى تحل فى 15 مارس الجارى تبين أنها غير كافية بالمرة لتحقيق انتقال سلس وسلمى للسلطة، فكان أن تم تمديد ولاية المبزع حتى يوليو القادم، وهو تاريخ انتخاب المجلس التأسيسى علما بأنه لم تتحدد مدة لوضع الدستور الجديد وإن كان مفهوما أنها لن تقل عن ستة أشهر ويمكن أن تصل إلى عام.


وخلال اشتغاله بوضع الدستور سيكون على المجلس التأسيسى إما تجديد مدة رئيس الدولة المؤقت ورئيس حكومته، وإما اختيار رئيس مؤقت آخر من بين أعضائه ليتولى الأخير تشكيل الحكومة. ثم بعد وضع الدستور و تحديد شكل نظام الحكم تجرى الانتخابات البرلمانية و الرئاسية.


يحدث هذا فى تونس بخطى متزنة لكنها تقود إلى الأمام أما فى مصر فنحن نتصرف بتوتر شديد وعصبية بالغة وكأننا فى سباق مع الزمن حتى أننا سندلى بأصواتنا فى استفتاء وانتخابين فى ستة أشهر فقط.

يذكرنى هذا الجدول الزمنى الغريب بمثال قاسٍ لكنه واقعى وذلك عندما وضع بول بريمر الحاكم العسكرى للعراق فى 2003 جدولا زمنيا يتضمن استفتاء وانتخابات يقال بعدها ها هو العراق قد أصبح ديمقراطيا فيما العراق قد تردى إلى قاع هاوية الفتنة الطائفية.

خطابى للمجلس الأعلى هو إن كنت تريدنا أن نصوت فى الاستفتاء والانتخابات لاستيفاء الشكل فلتعلنها صراحة، أما إن كنت تحاول إقناعنا بأن تلك هى خارطة الطريق إلى الديمقراطية الحقة فالحجة جد متهافتة.
فتح كل قضايا الفساد فى عهد بن على وأيضا كل ملفات العنف ضد ثوار 14 يناير.

ففى يوم واحد وقع فؤاد المبزع مرسومين، الأول مرسوم ينشئ « اللجنة الوطنية لتقصى الحقائق حول الرشوة والفساد من 7 نوفمبر 87 إلى 14 يناير 2011 «، وهذا معناه القيام بجرد شامل لفترة بن على والتمسك بمبدأ أن إهدار المال العام جريمة لا تسقط بالتقادم. أما المرسوم الثانى فيقضى بتأسيس « اللجنة الوطنية لاستقصاء الحقائق فى التجاوزات المسجلة خلال الفترة من 17 ديسمبر 2010 إلى حين زوال موجبها»، وهذا مؤداه إيجاد آلية مؤسسية لتعقب رجال بن على الذين صوبوا فوهات أسلحتهم إلى صدور الثوار.

يختلف ذلك عن مصر التى تتردد فيها أسماء ثلة من مسئولى نظام مبارك صحيح أنها صاَحَبَتَه فترة طويلة من حكمه الثلاثيني، وصحيح أنها تكشف عن أهوال فيما يخص أموال مصر المنهوبة (لا المحروسة)، لكن لا هى تشمل كل المحيطين به ولا هى تعود إلى بداية رئاسته. ومن ناحية أخرى فإن عدم وجود جهة معلومة تعلن تقاريرها على التوالى فى نتائج التحقيق فى واقعة الجمل وما سبقها وما تلاها يفسر هذا التباطؤ فى الكشف عن هويات الجناة وتقديمهم إلى محاكمات عاجلة ورادعة.

بعد قراءة مقالى سيخرج من يقول إن مصر ليست تونس لكن مبارك سبق أن قالها كما سبق للقذافى أن نفى أن ليبيا هى مصر أو تونس و كررها على عبد الله صالح فسقط من الحكام العرب من سقط ودنا منهم من السقوط آخرون، فهل يظل لمنطق « إن مصر ليست تونس «أى مصداقية بعد كل الذى كان؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer