بقلم يسرى فودة ٢٧/ ٣/ ٢٠١١
كان واقع الحال قبل ٢٥ يناير يفرض نظرياً على من يريد أن يحكم مصر أن يضمن أربع بطاقات مرور: الجيش والشعب وطبقة رجال الأعمال الجدد وواشنطن. وكان جمال مبارك قد بدأ بالبطاقة الثالثة حتى ارتبطت مصالح قطاع عريض منها بنفوذه المتصاعد فى غير خجل، ثم بدأت زياراته إلى واشنطن تتزايد بينما بدأت البطاقة الثالثة بالتعاون مع المؤسسة الحزبية والمؤسسة الأمنية فى محاولة شراء البطاقة الثانية، واستخدمت فى سبيل ذلك ما كان معروفاً من حِيَل وما لم يكن. لكن البطاقة الأولى، كما كان لهم جميعاً أن يكتشفوا بعد ذلك، وقفت دائماً شوكة فى حلاقيهم. على مدى السنوات القليلة الماضية كانت واشنطن أقرب إلى صورة الحانوتى الذى له ديْن مستحق لدى شيخ حارة على وشك الموت. فمن ناحية تريد له أن يموت كى تقبض ثمن الغُسل والدفن، ومن ناحية ثانية لا تريد له أن يموت إلا فى لحظة تناسبها تضمن عندها توريث الديْن بغض النظر عن شخص الوريث. وحين يتعلق الأمر بمصر فى كثير من المسائل فإن واشنطن عادة تعنى فى الواقع «تل أبيب- واشنطن وبالعكس». فى تلك السنوات القليلة الماضية انشغلت دوائر صنع القرار ومراكز البحوث والإعلاميون والطابور الخامس كله لتلك البطاقة بعمليات الاستطلاع المبكر التى يمكن أن تفيد فى رسم استراتيجية استباقية تضمن استمرار «مبارك السياسة» بعد انتهاء صلاحية «مبارك الشخص». إن كان من المفترض أن يكون ذلك سراً فلقد كان أحد أكثر الأسرار انفضاحاً. لكن اللافت للنظر أن الناس عموماً تكاد تتوزع أمام هذه البطاقة إلى قسمين: قسم يتصور «حتمية» الرؤية والقرار أمام «حتمية» الضباب والخنوع، وقسم آخر لا يلقى لذلك بالاً عن علم أو عن غير علم. ومثلما هى الحال فى كثير من أمور السياسة، تقع الحقيقة لدى نقطة ما بين هذين القسمين. بطاقة واشنطن بمفهومها هذا إذن لا هى رامبو ولا هى ميكى ماوس. بل إن مثالاً على هذا أكثر وضوحاً من المثال السابق هو ما حدث على مدى ثمانية عشر يوماً من عمر ميدان التحرير أثناء ما يمكن وصفه بالطور الثانى من أطوار الثورة الشعبية فى مصر (إذا اعتبرنا أن الطور الأول هو إرهاصاتها على مدى السنوات القليلة السابقة). ذلك أن موقف واشنطن من أهم حليف عربى لها فى المنطقة تأثر صعوداً وهبوطاً بدرجة حرارة ميدان التحرير فأصيب أولاً بصدمة تحولت بعد قليل إلى بلبلة تحولت سريعاً إلى تراجع لاستيعاب الصورة وتحول هذا فى النهاية إلى هجوم عاطفى كاسح على قلوب المصريين الذين «ألهمونا». ورغم أن من واجبنا تجاه أنفسنا وتجاه بلادنا أن نقلق بشأن ما عساه يحدث فى هذه اللحظات من ترتيبات طرفها الأكثر بروزاً هذه القوة المنسية، قوة «تل أبيب - واشنطن وبالعكس»، فإن المثال السابق يقدم لنا دليلاً قاطعاً على أن مصيرنا لا يزال بأيدينا، إن شئنا له أن يبقى كذلك، على ألا ننسى أبداً ما قاله العلاَّمة الأمريكى اليهودى، نعوم تشومسكى، أثناء اعتصامات التحرير: «ليست الأصولية الإسلامية هى ما تخشاه واشنطن، وإنما هى تخشى أن تستقل مصر بقرارها». |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات