الأقسام الرئيسية

نعم للفتنة الطائفية في مصر!

. . ليست هناك تعليقات:


فعل الفتنة: كيف تحول شعار 'ارفع رأسك فوق أنت مصري' إلى 'ديني يناديني' خلال أسابيع قليلة فقط.

ميدل ايست أونلاين


بقلم: محيي الدين إبراهيم


كنت أريد أن اكتب مقالي هذا عن مصر الجديدة، مصر الثورة، مصر التي استفاقت ولمعت عيناها يوم 25 يناير بعد بكاء استمر لأكثر من أربعين عاما، لكني فوجئت بمن يحاول أن يطفئ ذلك النور، من يحاول أن ينزع عن مصر جلبابها الأصيل الكريم ويلطخه بالعار والدم والطائفية، رؤوس محسوبة على مصر وهم ألد أعدائها، يفتنوها وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا، عنصريون ويظنوا أنهم يدافعون عن حرية الوطن، حتى أصبح الجهل بهم فوق العلم، والحكمة بوابة جهنم، ولا صوت يعلو فوق صوت عهرهم السياسي، ولتذهب الأوطان إلى الجحيم، ولتحيا الفوضى، يحيا الإرهاب، مرحبا بالفتنة في كل البلاد، ومرحبا بالثورة، الثورة على القيم، على الأخلاق، الوطن، الحرية، حيث اشتاقت تلك الطغمة القذرة من دعاة نيل الحقوق بالنعرات الطائفية لحياة العبيد ونجاسة الذل، ودعارة السلوك، والرغبة في القتل والنهب والدم، لحرق مصر باسم الدين وتحت شعار جديد يظهر هذه الأيام اسمه "ديني يناديني" يرفعه الكثير اليوم من خونة الوطن وبائعيه رافعين من خلاله أعلام طائفية وصور طائفية ورموز طائفية ستحرق الكل وستتحول مصر بهم لسلخانة ومجزرة عظيمة ومقبرة كبرى للأقليات كما يريدها جهلاء الأقلية والأكثرية على السواء في أن تكون.

يريدونها سلخانة ومجزرة ومقبرة لصالح أصحاب الغايات الخاصة الذين وظفوا الدين – دينهم - لتأمينها وحركوها بواسطة شلل الأغبياء والمعاقين ممن يظنوا أنهم أتباع هذا الدين أو ذاك لدرجة جعلتهم يُخلصون في التبعية بأن ألقوا بأجسادهم في قارعة الطريق رغبة في الموت وإخلاصا لما يعتقدوه من غضب ديني (مزعوم) متوهمين أن ذلك من أصيل الدين ومن صلب تعاليمه، على حساب الوطن والحرية والرفاه لنيل الشهادة – حسب زعمهم الباطل - أو تحقيق غاية الفتنة، تلك الشهادة التي أصبحت موضة هذه الأيام ويطلقها الجميع على كل شئ حتى أصبحت تطلق حتى على العاهرات والنخاسين.

في ثورة 25 يناير رفع المصريون علم مصر، لم يجرؤ أحد على رفع أي رمز آخر سوى علم مصر، لأول مرة منذ سنين طويلة نشعر بالانتماء لبلد اشتقنا له كثيرا، اشتقنا لمصر الوطن، مصر الفلاحة الطيبة، مصر بحضنها الدافئ المليء بالأمومة لكل أبنائها دون تمييز ونجحت الثورة، نجحت لدرجة تمنى معها زعماء العالم أن يكونوا مثلنا، وربما أتذكر كلمات باراك اوباما رئيس الولايات المتحدة وهو يقول إن ثورة المصريين انحنى لها التاريخ، وأتمنى أن يكون شباب الأميركان مثل أقرانهم من شباب المصريين، ثورة جعلتنا لأول مرة نصرخ بعظمة ونردد شعار "ارفع راسك فوق أنت مصري" شعار ظن المصريون أنهم نسوه تحت ضغط الفساد والقهر وبوليسية الدولة أربعين عاماً، لكننا رفعناه أخيرا مع ثورة 25 يناير وأصبحنا مدينين لشباب المصريين – أبناءنا الذين نعتز بهم – بأنهم أصحاب هذا الانجاز الذي أعادوا به لنا كبريائنا القديم ذلك الكبرياء الذي لم نستطع أن نسترده ونحن في مثل سنهم.

لا يوجد مبرر للفعل الطائفي، أو استرداد الحقوق بالفتن، ومن يظن أن كبت أربعين عاما يمكن أن ينقلب لفوضى البلطجة والفلتان والطائفية حتى يحصل الفوضوي البلطجي على حقوقه أو يضغط على الضمير العالمي – إن كان مازال هناك ضميرا عالميا - فهو جاهل لاشك، لأن الكبت عند الأمم العظيمة يلد انفجار الحكمة لا أنفجار العهر والخراب، ومصر أمة عظيمة، يذكرنا التاريخ فيها بكبت الفلاح المصري الفصيح "خونانوب" أبان حكم الأسرة الحادية عشر 2200 ق.م تقريبا الذي جرده الفساد من كل ما يمتلك – كما جردنا مبارك من غالب ما نمتلك - ولكنه رغم ذلك لم يفقد إيمانه بالله وبمصر ولم يتحول لقاتل أو خارج على القانون بل حول "خونانوب" كبته وظلمه وتجريده من أملاكه إلى حكمه وإيمان بالوطن والعدل مازال يذكرها التاريخ إلى يومنا هذا ويؤكد معها قدرة هذا الفلاح على حصوله بعبقرية على حقوقه كاملة ويضع بحكمته مصر منذ أكثر من سبعة آلاف عام على قائمة الأمم العظيمة، لقد تظاهر "خونانوب" بحكمة واصاله وقيمة وأخذ يردد: أيها المدير العظيم للبيت... يا سيدي... ضيق الخناق على السرقة وارحم الفقير... إن أصدق وزن للبلاد هو إقامة العدل... ولا تكذبن وأنت عظيم... ولا تكونن ضعيفا وأنت رزين... ولا تقولن الكذب فانك الميزان... ولا تميل فإنك الاستقامة، هكذا اتجه " خونانوب" بالطرق الحكيمة للحصول على مسألته ورفع الظلم الواقع عليه، ولكننا بجهل وعهر خرجنا اليوم بعد خمسة آلاف عام من تلك الحكمة نطالب بحقوقنا برفع الأعلام الطائفية ونسلك مسالك البلطجة والفتنة التي لن ينجو منها أحد.

مصر من الناحية الديموجرافية حيث عدد السكان ونسبة الزيادة فيهم ليست كلبنان أو العراق، فلبنان والعراق لهما تركيبة سكانية في غاية التعقيد، وطوائف وملل ونحل تتقارب فيما بينها وبين بعضها البعض في العدد والعدة، ولكل طائفة في هذه البلاد منطقة خاصة بها يتمركز فيها أصحاب الطائفة الواحدة ويشكلون فيها مركز قوى معين، فالعراق مثلا يتمركز فيها الكرد شمالا والسنة بالوسط والشيعة جنوبا وكذلك لبنان فالشيعة جنوبا والسنة شمالا هذا بخلاف الدروز والمسيحيين وغيرهم، كل طائفة لها موطن ومركز تنطلق منه وتدعو بانفصاله عن الدولة إذا تأزم الأمر بعكس مصر الذي يعيش فيها الناس على اختلاف طوائفهم جنبا إلى جنب لا تفصلهم مراكز سكانية أو مناطق نفوذ باستثناء النوبة وشعب النوبة الذي لعب النظام السابق على إشاعة روح الانفصال فيه ليضرب بهذه الروح الانهزامية وحدة هذا الشعب وتماسكه متعللا بأن شعب النوبة هو شعب قائم بذاته في منطقة نفوذ خاصة به ويعتز بثقافته ولغته فقط على حساب مصر، وهو الأمر الذي ظهرت أكذوبته بعد ثورة 25 يناير حيث بات جليا أن شعب النوبة المصري يعتز بنوبيته وثقافته وأعرافه بالفعل ولكن كجزء أصيل لا يتجزأ من مصريته وانتمائه لهذه الأرض الطيبة وان غير ذلك ماهو إلا محض افتراء وإساءة مقصودة قام بالترويج لها نظام مبارك السابق ومن قبله نظام السادات ومن قبلهما جمال عبد الناصر.

اكرر لسنا كلبنان والعراق طوائف عدة وعرقيات مختلفة لكل منهم منطقة نفوذ ولكننا شعب يعيش منذ آلاف السنين في تداخل واندماج كبنية واحدة لا تستطيع فيها أن تفرق بين مسلم وقبطي، كاثوليكي وسني، شيعي وإنجيلي، لذا فإن أي صراع طائفي على أرض مصر لن يدفع أبداً لتقسيم البلاد لإفتقادها عنصر مراكز النفوذ على الأرض كما في جنوب لبنان حزب الله وشيعته وشمال العراق كردستان، مصر مختلفة تماما وعليه فإن اقرب السيناريوهات للمنطق هو أن يتحول الصراع فيها لمجزرة، مجزرة تكون الغلبة فيها لأعداء مصر فقط، وسيكون غالب ضحاياها من البسطاء الذين غرر بهم أصحاب الغايات القذرة وسيترك العالم (الحر) تلك المجازر مستمرة دون تدخل منهم لوقفها لعجزهم – بعد الإفلاس في حروبهم الفوضوية ضد الإرهاب – عن التدخل لوقفها كما فعلوا مع الشعب الليبي الذي تقام ضده اليوم مجزرة ومذابح راح ضحيتها ما يزيد عن سبعة آلاف قتيل ولم يفعل العالم (الحر) أمام تلك المجازر شئ سوى أن أغلق السفارة الليبية في واشنطن كما فعلت الولايات المتحدة في رد فعلها المتواضع وربما الحتمي لكونها لا تملك سوى هذا الحل بعدما أفلستها حرب أفغانستان والعراق، وقزمت يدها الطولى فأصبحت غير صالحة لقيادة العالم أو الدفاع عن حقوق الإنسان فيه كما كانت في الماضي قبل 2001.

لا حل في مصر سوى فتح الدفاتر القديمة الحساسة بشفافية وانتماء كل مصري فيها لكل ماهو مصري ومعالجة أمورنا الوطنية بوطنية، وأول هذه الأمور أن نقرأ أنفسنا بصدق دون تزييف وأن نحدد ملامح وجودنا داخل مصر من خلال منهج المواطنة لا منهج النسبة والتناسب، لأنه بمنهج النسبة والتناسب يصبح نصيب الفرد المصري من ارض مصر على سبيل المثال حسب تعداد عام 2010 لا يزيد عن 12 متر مربع لكل فرد (نسمة) باعتبار أن مساحة مصر لا تزيد عن مليون كيلو متر مربع، أما بمنهج المواطنة فإن كل فرد مصري يصبح صاحب مصر كلها وليس فقط 12 متر مربع.

الفتنة والطائفية والعنصرية تريد تمزيق مصر بمنهج النسبة والتناسب، وهو الأمر الذي سيحول مصر إلى رغيف خبز يتمزق بين أصابع الإنتهازين فلا يغنيهم من جوع ولا يسد لهم رمق القليل من شبع، فالأقباط في مصر على سبيل المثال وحسب معلومات وكالة الاستخبارات الأميركية https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geos/eg.html يمثلون 9% من حجم السكان حسب التعداد السكاني لمصر في يوليو 2010 والذي تم تقديره 80،471،869 نسمة، وليس عيبا أن يكون الأقباط 9% أو 1% أو 99%، العيب أن نعتبر نسبه الأكثرية هي نسبة حجم المصريين الفعليين الحقيقيين وأن نسبة الأقلية هي حجم الضيوف بداخلها فهذا عار، لابد أن نؤمن بأن الوطن هو وطن الكل، أرض الجميع حتى ولو كان أحدهم من طائفة تمثل 0.001% وعددهم لا يزيد عن سبعة مواطنين فقط، لابد أن نؤمن بأن مصر وطننا جميعا ونمتلكه جميعاً امتلاك الأحرار لا امتلاك الانتهازيين بحسابات النسبة والتناسب.

لابد أن نجدد انتمائنا لهذا البلد العظيم ونؤمن بأنه ليس هناك أصحاب ارض أصليين – كما يردد البعض - وآخرين مغتصبي أرض ومحتلين!، أو أن البهائي المصري الذي ينتمي لطائفة دينية قوامها لا يزيد عن عشرة آلاف فرد هو غير مصري!، أو أن الأرمن الأرثوذكس مثلاً الذين يقدر عددهم بثمانية آلاف فرد ويمتلكون فقط خمسة كنائس هم ليسوا بمصريين! أو أن الشيعة المصريين الذين يقدرون بحوالي 750 ألف شخص هم ليسوا مصريين لمجرد أنهم شيعة، يجب أن ندرك أن الاختلاف هو أساس الخلق، وحرية العبادة في مصر لكل الملل والنحل والطوائف على طول التاريخ وعرضه هي سر عظمة هذا البلد، وأن مصر وطن الجميع واختلاف طبائع المصريين هي تاج عظمتهم وحضارتهم التي انحنى لها التاريخ ومازال ينحني.

إن روح العدل والمساواة من روح الله نفسه للبشر جميعا حتى على الذين أنكروا وجوده وكفروا به، وعلينا أن نستظل بشعارنا الجديد شعار ثورة 25 يناير النبيل "ارفع رأسك فوق أنت مصري" وأن نردده تحت راية العلم المصري فقط، وأن نحذر من المطالبة بالحقوق – أي حقوق - تحت شعارات طائفية وأعلام طائفية ورموز طائفية، لأن النعرة الطائفية تفتح الباب على مصراعيه لجهلاء الأكثرية والأقلية على حد سواء داخل الوطن الواحد فيتصارعوا ليتحول الوطن بصراعهم لسلخانة كبرى ومقبرة عظمى يكون غالب ضحاياها من الطوائف المخالفة لدين الأكثرية، اكرر: النظام أو المجزرة، إحكام العقل أو عيشة الفوضى، مصر أيها المصريون أو الطوفان.

محيي الدين إبراهيم

كاتب وإعلامي مصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer