تضاربت المعلومات عن عدد ضحايا الاضطرابات التي تشهدها عدد من مدن تونس، إذ تقول المصادر النقابية والحقوقية إنها ارتفعت لتناهز الخمسين قتيلا فيما تعتبر السلطات أن هذه التقديرات لا أساس لها من الصحة.
وقال الصادق المحمودي عضو الاتحاد المحلي التونسي للشغل -إحدى أكبر النقابات في تونس-: "هناك حالة فوضى عارمة في القصرين بعد ليلة من أعمال العنف وإطلاق قناصة للنار ونهب وسرقة متاجر ومنازل من قبل الشرطة التي انسحبت إثر ذلك".
وأضاف المسؤول النقابي قائلا إن "عدد القتلى فاق الخمسين قتيلا" بحسب حصيلة جمعت من مصادر طبية في مستشفى القصرين التي تبعد 290 كلم جنوبي العاصمة حيث يتم ايداع الجثث من مناطق الولاية التي تحمل الاسم ذاته، المختلفة.
وأشار موظف يعمل في المدينة طلب عدم كشف هويته إلى إطلاق نار من قناصة تمركزوا على أسطح البنايات وإلى إطلاق قوات الأمن النار على مواكب جنائزية في القصرين.
كما توقف موظفو مستشفى القصرين عن العمل ساعة احتجاجا على العدد الكبير من الضحايا وخطورة إصاباتهم، بحسب المصدر ذاته الذي أشار إلى "بطون ممزقة ورؤوس مهشمة".
وكانت رئيسة الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان (FIDH) التي يوجد مقرها في باريس قد قالت إن عدد القتلى من ضحايا الاضطرابات في تونس منذ ما يقارب الشهر يفوق خمسة وثلاثين.
وأوضحت سهير بلحسن لوكالة فرانس برس قائلة: "إن العدد 35 هذا يستند إلى لائحة بأسماء المتوفين، لكن مجموع القتلى الحقيقي أكبر من ذلك. إنه في حدود الخمسين، لكنه تقدير فقط".
وقالت بلحسن –وهي تونسية- كذلك إن الكثير من الناس قد أصيبوا بجراح "لكن لا نستطيع إحصاؤهم".
وأضافت رئيسة الفيدرالية –وتضم في عضويتها 164 جمعية معنية بحقوق الإنسان- موضحة أن عدد ضحايا الاضطرابات -التي اندلعت في السابع عشر من شهر ديسمبر/ أيلول بعد انتحار شاب حرقا- ارتفع "بشكل مأساوي" بعد مظاهرات آخر الأسبوع الماضي في بلدات الرقاب وتالة والقصرين.
وذكرت بلحسن أن الاضطرابات انتقلت إلى المدن الساحلية في قلب المنطقة السياحية، حيث شهدت مدن مثل بنزرت (في الشمال) وسوسة (وسط شرق) بعض أعمال الشغب.
وقالت منظمة العفو الدولية يوم الاثنين إن "ثلاثة وعشرين شخصا" على الأقل قد لقوا حتفهم "على يد قوات الأمن" التونسية أثناء اشتباكات يوم السبت والأحد.
وصرح وزير الاتصالات التونسي سمير العبيدي بأن عدد قتلى المواجهات خلال الأيام الثلاثة الماضية بلغ 21 قتيلا.
وأضاف العبيدي في مؤتمر صحفي أن بمقدوره أن يؤكد أن عدد القتلى في مطلع الاسبوع بلغ 21.
وعلق الوزير على الأرقام التي توردها محطات التلفزيون ووكالات الأنباء والتي تتحدث عن عدد القتلى يتراوح ما بين 40 و50 قائلا إن هذه التقارير كاذبة تماما.
وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت مقتل 4 اشخاص واصابة 8 شرطيين بجروح يوم الاثنين في مدينة القصرين. بينما أشارت إحصاءات رسمية سابقة نشرت يوم الأحد إلى مقتل 14 شخصا في مدينتي تالة والقصرين.
مظاهرة فنانين
وأشارت الصحف المحلية الخاصة الصادرة يوم الثلاثاء إلى تظاهرات في العديد من المدن في وسط البلاد وفي الجنوب الغربي ولكن أيضا في الشمال بمدينة بنزرت التي تقع على بعد 60 كلم من العاصمة التونسية.
ومن جهة أخرى سجل الثلاثاء بالعاصمة التونسية أول تحرك احتجاجي للمبدعين التونسيين سارعت الشرطة إلى تفريقه.
فقد فرق رجال الأمن تجمعا "سلميا" وسط العاصمة التونسية كانت تعتزم مجموعة من الفنانين التونسيين القيام به أمام المسرح البلدي بتونس.
وسادت أجواء من التوتر العاصمة وسط دعوات للتظاهر يتم تناقلها عبر موقع فيسبوك الاجتماعي على الانترنت.
"300 ألف وظيفة"
مجموع القتلى الحقيقي أكبر من ذلك.
إنه في حدود الخمسين، لكنه تقدير فقط."
سهير بلحسن، رئيسة الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان
وكانت الحكومة التونسية قد أعلنت يوم الاثنين عن غلق المدارس والجامعات في كافة أنحاء البلاد "حتى إشعار آخر".
وأعلنت وزارتا التربية والتعليم العالي في بيان مشترك: "إثر الاضطرابات التي جدت في بعض المؤسسات فقد تقرر تعليق الدروس حتى إشعار آخر بداية من يوم الثلاثاء".
و كان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي قد صرح في وقت سابق من يوم الاثنين بالقول: "إننا نقول لكل من يعمد إلى النيل من مصالح البلاد أو يغرر بشبابنا وبأبنائنا وبناتنا في المدارس والمعاهد ويدفع بهم إلى الشغب والفوضى، نقول بكل وضوح: إن القانون سيكون هو الفيصل".
وفي المقابل وعد الرئيس في خطاب تلفزيوني بتوفير 300 الف فرصة عمل جديدة قبل 2012.
واعتبر الرئيس التونسي أن وراء أعمال الشغب هذه "مناوئون مأجورون، ضمائرهم على كف أطراف التطرف والإرهاب التي تسيرها من الخارج أطراف لا تكن الخير لبلد حريص على العمل والمثابرة".
"مقلق"
وعلى صعيد رد الفعل الدولي قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون انه قلق بسبب تصاعد العنف في تونس ودعا الى ضبط النفس.
وأعلنت فرنسا مجددا الثلاثاء عن الأسف "لأعمال العنف" في تونس ودعت إلى "التهدئة", مؤكدة على لسان المتحدث باسم الحكومة فرنسوا باروان ان "الحوار وحده الكفيل بتجاوز المشاكل الاقتصادية والاجتماعية" في هذا البلد.
وأعرب الاتحاد الاوروبي أكبر شريك تجاري لتونس، في أول بيان منذ سقوط قتلى في مطلع الأسبوع عن "تنديده بالعنف الذي أدى الى إزهاق أرواح".
كما أعربت الولايات المتحدة عن قلقها بشأن أسلوب تعامل الحكومة مع الاحتجاجات.
وقالت وزارة الخارجية التونسية -في إشارة إلى أنها ستتصدى للانتقاد الدولي حسبما أورده التلفزيون الحكومي- إنها استدعت السفير الامريكي لدى تونس للتعبير عن "الدهشة" من موقف واشنطن.
وقد أعيد انتخاب بن علي في 2009 بنسبة 90 في المئة من الاصوات ليفوز بولاية خامسة تستمر حتى 2014. وهو ثاني رئيس لتونس منذ استقلالها عن فرنسا عام 1956 .
واثنى الحلفاء الغربيون في الماضي على تونس -التي يقطنها عشرة ملايين نسمة- باعتبارها نموذجا للاستقرار في العالم العربي رغم ما تتهم به من قبل بعض الجماعات الحقوقية الدولية بقمع المعارضة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات