الأقسام الرئيسية

كارنيجي :انتفاضة تونس أثبتت أنه يمكن الإطاحة بنظام سلطوي في بلد بلا معارضة

. . ليست هناك تعليقات:


قالت مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي إن الانتفاضة التونسية طرحت تساؤلات كثيرة بحيث إنه من الصعب التركيز فقط على سؤال واحد أو اثنين، إلا أن أحد الجوانب المثيرة للاهتمام في أحداث يناير 2011 هو أنها رسّخت وأسقطت في وقت واحد العديد من المعطيات المتأصلة في الحكمة التقليدية حول سبل تحقيق التغيير السياسي في البلدان العربية.

واعتبرت ميشيل دن كبيرة الباحثين في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي إن تونس أظهرت أن الطفرة في أعداد الشباب التي يتخوّف منها علماء الديموجرافيا ومحلّلون آخرون منذ عقدَين، هي قنبلة سياسية موقوتة. وأن تونس دحضت في الوقت نفسه المقولة الرائجة بأنه لا يمكن إطاحة نظام سلطوي إلا في بلد يملك معارضة سياسية متماسكة ذات قيادة قوية.

وتابعت الكاتبة بالقول إن مشاكل البطالة في صفوف الشباب كانت الشرارة التي أشعلت الانتفاضة التونسية، التي وسرعان ما تحوّلت إلى احتجاجات على الفساد الرسمي وغياب الديموقراطية.

وأضافت أنه منذ مطلع التسعينيات على الأقل، انشغل الباحثون في شؤون المنطقة في دراسة الطفرة في شريحة الشباب العمرية في الشرق الأوسط – وهي بحسب التعريف العام مرحلة تكون فيها نسبة الفئة العمرية 14-25 مرتفعة نسبياً في أوساط السكّان البالغين في بلد معيّن – وما يرافقها من مشاكل بطالة لدى الشباب، وأنظمة تربوية مثقلة، وتأخّر سن الزواج.

وبالاستناد إلى التجربة التي عاشتها مناطق أخرى، اعتبر الباحثون انطلاقاً من معطيات منطقية أن الطفرة في أعداد الشباب قد تؤدّي إلى عدم استقرار سياسي في الشرق الأوسط.

فعلى سبيل المثال، قال راجي أسعد المتخصص في العلوم الديموجرافية إن "وجود أعداد كبيرة من الشبّان الذين يعانون من العمالة الناقصة والإحباط، ويملكون إمكانية الوصول إلى الأسلحة، يشكّل في معظم الأحيان تربة خصبة للنزاعات الأهلية. وهكذا يمكن أن توفّر الطفرة في أعداد الشباب منافع ديموجرافية هامة، لكن إذا لم يجرِ التعامل معها من خلال السياسات المناسبة، فقد تولّد عدم استقرار سياسياً ونزاعاً أهلياً".

لكن ربط الطفرة في أعداد الشباب بعدم الاستقرار السياسي أمر، ورؤيتها تتفجّر في شوارع بلد عربي أمر مختلف تماماً. فنقاط التشابه المؤلمة بين تونس وبين بلدان عربية أخرى تستحقّ التوقّف عندها في هذا السياق. في الواقع، نسبة التونسيين الذين تتراوح أعمارهم من 15 إلى 24 عاماً – 21 % عام 2005 – مشابهة إلى حد كبير للنسبة في الجزائر والمغرب وليبيا ومصر والأردن وبلدان عربية أخرى.

على الرغم من أن الأرقام ليست موثوقة في معظم الأحيان، إلا أنه ورد في دراسة من إعداد أسعد وفرزانة رودي-فهيمي عام 2007 أن تقديرات نسبة البطالة في صفوف الشباب في هذه البلدان تتراوح من 20 إلى 40 في %، وفضلاً عن ذلك، هناك انتشار للعمالة الناقصة. ولاشك في أن المظالم الأخرى التي يشتكي منها التونسيون – الفساد، انتهاكات حقوق الإنسان، غياب المشاركة السياسية المجدية، القائد الذي تلاعب بقوانين البلاد ودستورها كي يبقى في السلطة جيلاً كاملاً – تتشاطرها شعوب المنطقة على نطاق واسع.

لكن قبل الأحداث الأخيرة في تونس، كانت النظرية السائدة تعتبر أنه حتى بوجود كل تلك العوامل التي تسبّب الاستياء العام، لايستطيع أي شعب عربي أن يطيح حاكماً سلطوياً من دون حركة معارضة متماسكة.

هذا ناهيك عن أن المعارضة التونسية كانت بين الأضعف في العالم العربي: إذ لم يؤدِّ أي من الأحزاب المعارضة الصغيرة الثلاثة (الحزب الديموقراطي التقدّمي، وحركة التجديد، والتكتّل الديموقراطي من أجل العمل والحريات) التي وُجِّهت إليها دعوة للانضمام إلى الحكومة الجديدة، ولا حزب النهضة الإسلامي المنفي، دوراً هاماً في الانتفاضة.

ومن المؤكّد أنها لم تشكّل جبهة متماسكة تستطيع ممارسة ضغوط على الحكومة، كما أنه ليس لهذه الأحزاب قادة كاريزميون قادرون على إلهام الجماهير. هذا فضلاً عن أن النقابات العمّالية والمهنية وسواها من المنظمات، لم تأخذ على عاتقها الدور التنظيمي. إذن، يبدو أنه بإمكان الشعب أن يمارس ضغوطاً كافية على زعيم عربي سلطوي فيدفعه الى التنحّي من منصبه، حتى ولو كان هذا الشعب يفتقر إلى معارضة متماسكة أو قيادة فاعلة.

لتونس مزاياها الخاصة – شعب ينعم بازدهار وثقافة كافيتَين لتوليد توقّعات عالية لديه، ومساواة بين الجنسَين أكبر منها في بلدان عربية أخرى، وتيار سياسي إسلامي ضعيف نسبياً – التي ساهمت بلا شك في حدوث ثورة الياسمين هناك وليس في أي مكان آخر، وفي طابعها الليبرالي والعلماني اللافت جداً. والمسار الذي ستسلكه تونس الآن ليس واضحاً على الإطلاق، ولايُعرَف ما إذا كانت البلاد ستنتقل بسلاسة من ثورة لم تُهرَق فيها دماء كثيرة إلى نظام سياسي ديموقراطي بكل معنى الكلمة.


مع ذلك، وبغض النظر عما سيحدث بعد الآن، فقد لقّن التونسيون المراقبين ثلاثة دروس على الأقل لاتنسى: أولاً، المظالم الاقتصادية المنتشرة على نطاق واسع مثل بطالة الشباب يمكن أن تتحوّل سريعاً إلى مطالب محدّدة من أجل التغيير السياسي، وثانياً، يمكن أن يحدث هذا حتى في غياب معارضة متماسكة أو قيادة كاريزمية. ولعل الدرس الثالث الذي تقدّمه ثورة الياسمين التونسية سيكون الأكثر ترسخاً في الذاكرة: وأخيراً عندما تحقّق أخيراً التغيير المؤجَّل منذ وقت طويل، كان أمراً مدهشاً أنه لم يتطلّب الكثير من الجهود والوقت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer