الأقسام الرئيسية

طرابلس تختنق خدميا واجتماعيا: من يٌجهز العروس؟

. . ليست هناك تعليقات:


تحولت شوارع العاصمة الليبية إلى ما يشبه الشوارع الخلفية لمدن العالم: اختناق مروري وتراجع في البنية التحتية وزحمة اجتماعية عشوائية.

ميدل ايست أونلاين


بقلم: فوزي عمار اللولكي


طرابلس عروس البحر الأبيض المتوسط، هكذا عرفها الناس بهذا الاسم الذي أطلقه عليها عشاقها من الطليان والعرب. ومن الناحية التاريخية، لا يعرف بالضبط متى سميت المدينة بهذا الاسم ومن أطلقه عليها أول مرة. ويحدثنا التاريخ أن الليبيين كافة، من طرابلس ومن كل الأراضي الليبية، قد أسهموا في الجهاد والدفاع عن مدينتهم الجميلة طرابلس.

ومنهم، على سبيل المثال، سليمان الفيتوري دفين مقبرة الشعاب الذي قاد الجهاد ضد فرسان القديس يوحنا، وفي معركة الهاني استشهد الكثيرون مثل: عمر الرياني، وعبد الرحمن زبيدة، وحمد المنقوش، والتمام المٌرييض وغيرهم كثيرون ممن ذكرهم التاريخ ومن لم يذكرهم. والذين لا أحيط علماً بأسمائهم، وهؤلاء من خارج طرابلس، ومن كل ألوان الطيف الجغرافي في ليبيا، من الجبل والصحراء والوديان والساحل والسهل.

واليوم تشهد طرابلس نزوح ألاف من أبناء هؤلاء المجاهدين وأبناء غيرهم اليها. لذلك تكاد تختنق المدينة لجملة أسباب منها ازدياد عدد السكان دون توفر خطط إسكان مناسبة لاستيعاب الزيادة في السكان، ولعدم توفر شبكة طرق حديثة، ومواصلات عامة، ولتآكل الشبكة القديمة للصرف الصحي، والبناء في العشوائيات، ولعدم وجود أو ظهور مخطط تفصيلي كامل للمدينة وضواحيها. فمعظم شوارع طرابلس اليوم باستثناء عدد أصابع اليد يبدو وكأنه شوارع خلفية لأي مدينة عصرية في العالم ناهيك عن الازدحام الذي بات السمة الأساسية للمدينة حتى أصبح من الصعب إسعاف مريض لأن حركة سير المركبات في الشوارع تكون في أحيان كثيرة شبه متوقفة.

بالإضافة إلي عمليات الهدم التي زادت الطين بلة، والخطير في الموضوع هو مشكل خطر الهدم السيوسيولوجي المصاحب لعمليات الهدم والذي يٌحدث خلخلة للنسيج الاجتماعي من خلال النقل القسري العشوائي للعائلات، والذي يكون سبب رئيس في كثرة الظواهر الاجتماعية السلبية مثل الطلاق وتعاطي والاتجار في المخدرات والتسرب الدراسي، والملاحظ الآن انه بدأ في بقايا الهدم المتروكة تكون عشوائيات جديدة وانتقلت اسر للإقامة في هذه البقايا المتروكة، وما لم تعالج هذه الإشكالية بسرعة وفاعلية سوف تتحول هذه الأماكن الى بؤر للجريمة والظواهر الهدامة.

وما دامت طرابلس عروس كل الليبيين، فإن الليبيين جميعاً معنيون بتجهيزها، فمن المعلوم أن من يجهز العروس هم أهلها.

وتجهيزها يبدأ بإنشاء قطار سريع يفك حصار المدينة "العروس" ليصل إلى صرمان مرورا بالزاوية في ثلاثين دقيقة والى مصراته مرورا بالخمس وزليتن في اقل من ساعة وخط سريع أخر إلى ترهونة وبني وليد، حتى لا يُضطر القادمون من هذه المدن إلى استعمال سياراتهم للقدوم إلى طرابلس فيعمل ذلك على التخفيف من شدة الازدحام ويساعدهم علي البقاء في أحيائهم ولا يضطرون لانتقال للعيش في طرابلس. كما أن بناء المجمعات التسويقية المتكاملة المرافق (MALLS) في تاجوراء وجنزور وقصر بن غشير سيحد من وطأة الدخول لمركز المدينة للتسوق إذ سيعتمد سكان هذه المناطق على تلك المراكز للتسوق بدلاً من التسوق من مركز المدينة، فضلاً عن إنشاء مراكز مجمعة فيها مكاتب ثقافية عامة ودور عرض سينما حديثة وحدائق العاب للأطفال وعيادات طبية وبريد. ولن يكون ذلك ممكنا إلا بوضع تصميم أساسي حضري تفصيلي للمدينة وضواحيها يأخذ في الاعتبار واقع المدينة الحالي وما يراد لها أن تلعبه من دور في المستقبل. ولنا هنا أن نذكر أن عاصمة البرازيل القديمة، وهي مدينة ريو دي جانيرو لم تكن قابلة للتوسع لأنها محاطة بالجبال وبالبحر، ولذلك قام البرازيليون ببناء عاصمة جديدة هي مدينة برازيليا الجديدة في أرض واسعة.

ومما لا شك فيه أن مدينة طرابلس لا تشكو من المحاصرة كما هو حال مدينة ريو دي جانيرو. ونشير هنا إلى هناك شركات عالمية متخصصة وذات خبرة كبيرة في وضع التصاميم الأساسية للمدن الكبرى، علي ان يكون تحت أشراف خبرات وطنية بالطبع. كما ينبغي أن يراعي التصميم المفترض لطرابلس توزيع الوظائف الأساسية للمدينة، وجعلها على صيغة قطاعات كبرى مكتفية بذاتها. ولكن من الناحية الفعلية، نجد أن ليس للدولة خطة مدروسة لمثل هذا الأجراء المهم، وعلى العكس نجد أن الدولة قد أسهمت في السنوات السابقة في عدم خروج مثل هذا التصميم لمدينة طرابلس المستقبل إلى النور، وهكذا فقد ترك الحبل على الغارب للبناء الكيفي مما زاد في البناء العشوائي من جهة، وأسهم في ارتفاع أسعار السكن لأرقام قياسية من جهة أخرى.، وهو ما جعل المدينة تصل حالة الاختناق اليومي نتيجة لعدم تناسب حجمها الحالي مع مهماتها الحالية، فما الذي سيحصل للمدينة وسكانها إذا ما تضاعفت مهماتها في المستقبل، وهو أمر لا شك فيه، وبقي حجمها وتصميمها على ما هو عليه؟

كما أن العامل الحاسم في حل هذا المشكل هو خلق تنمية متوازنة لكامل ليبيا وبعث تنمية مكانية تتيح للناس البقاء في أماكنهم البعيدة عن طرابلس وتخلق لهم فرص عيش كريمة، ولا تجبرهم الظروف الاقتصادية للانتقال لها، فالإنسان ينتقل غالبا وراء لقمة العيش

قديماً قال الليبيون "شاكرو العروس، أمها وخالتها وعشرة من قبيلتها"، فالسلطة التنفيذية (الحكومة) ينطبق عليها تماماً تشبيه أم العروس. وأم العروس مشغولة ولا تقوم بعمل أي شيْ تقريبا، أما خالة العروس فهي كل القرى والمدن الليبية التي تحب طرابلس، وكذلك العشرة من قبيلتها، وهم الكتاب والأدباء والفنانون والرياضيون وكل عشاق طرابلس من الليبيين وحتى غير الليبيين. وها هو احد العشرة من أبنائها وهو الشاعر عبدالرؤوف بن لامين يتغني بها بعد عودته من غربة قاربت الخمسين عاماً فيكتب في أول زيارة له بعد العودة ديوان شعر من 3000 بيت، حمل عنوان "أصداء على شواطئ الأشواق" وهو ديوان لم ينشر بعد، يقول فيه:

كانت طرابلس في عليائها مثلاً .. لما تجلت عروساً مالها مــثلُ

هذي عروسي وإني اليوم خاطبها .. المهر مني لها الأشعار والغزل

قد كنت في زحمة الخطٌاب منتظراً .. واليوم جئت بها أشدو وأحتفل

أودعٌت في القلب سراً من محبتها .. حـباً تخبٌي بقلبي عمرُهُ الأزل

فوزي عمار اللولكي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer