بقلم د.حسن نافعة ١٩/ ١١/ ٢٠١٠ |
يُظهر النقاش الدائر الآن بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو، حول تجميد النشاط الاستيطانى، أن العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية دخلت مرحلة بدأت تستعصى على الفهم الرشيد، فهذا النقاش يؤكد أن الإدارة الأمريكية أصبحت منزوعة الأنياب فى مواجهة إسرائيل, بعد أن تم استبعاد فكرة ممارسة الضغط تماما على إسرائيل، ولم يعد هناك سوى الحوافز والمكافآت وسيلة لإغرائها, وأن إسرائيل أصبحت فى وضع يسمح لها بابتزاز أى إدارة أمريكية، وفرض شروطها عليها فى نهاية المطاف. ولأن حكومة نتنياهو تدرك هذه الحقيقة جيدا, فقد قررت أن تلعب بكل ما لديها من أوراق فى مواجهة إدارة أوباما التى أصبحت فى أضعف حالاتها, خاصة بعد انتخابات التجديد النصفى للكونجرس، فبعد أن أعلنت رفضها مدّ تجميد الاستيطان عادت واشترطت, تحت الإلحاح الأمريكى بمنحها فرصة جديدة, أن يكون أى عرض تقدمه الحكومة الأمريكية للتجميد مستوفياً شروطاً أربعة قبل أن يكون قابلا لمجرد النظر فيه. الشرط الأول: ألا يشمل التجميد منطقة القدس, أى مدينة القدس والمناطق المجاورة لها. الشرط الثانى: أن يكون التجميد مؤقتا ولفترة محدودة لا تتجاوز ثلاثة أشهر. الشرط الثالث: أن تكون فترة التجميد هذه المرة نهائية وغير قابلة للتجديد لاحقا تحت أى ظرف. الشرط الرابع: أن تحصل إسرائيل من الإدارة الأمريكية فى المقابل على ضمانات أمنية تشمل صفقات تسلح ضخمة, وأن تتعهد بعرقلة كل محاولة تُبذل داخل الأمم المتحدة لفرض حل سياسى. وعندما بدأت الإدارة الأمريكية تميل للموافقة طلبت الحكومة الإسرائيلية منها أن تقدم عرضها كتابة! سوف ترضخ أمريكا فى النهاية وتحصل إسرائيل على ما تريد: أسلحة تمكنها من ضرب إيران, إذا ما اضطرت لذلك يوما, وتعهد بسد كل منافذ التسوية أمام العالم العربى, بما فى ذلك حق اللجوء إلى مجلس الأمن لإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة, ما عدا طريق التفاوض فى ظل خلل كامل فى موازين القوى، ولن تقدم إسرائيل فى مقابل ذلك سوى تنازل شكلى يسمح للولايات المتحدة بحفظ ماء وجه السلطة الفلسطينية والعرب ليبرروا استئنافهم الحتمى للمفاوضات المباشرة. لكن ما الذى سيحدث بعد ذلك على طاولة المفاوضات؟ لا شىء! فحكومة نتنياهو لن تتقدم بأى عرض يمكن لأى فلسطينى, حتى لو كان محمود عباس نفسه, قبوله كأساس للتسوية. وبعد أشهر التجميد الثلاثة ستتوقف المفاوضات من جديد, وستعمل إسرائيل جاهدة على تحميل السلطة الفلسطينية والعرب مسؤولية فشلها, وستعود الولايات المتحدة للبحث من جديد حول سبل استئناف المفاوضات. ولأن طريق اللجوء إلى الأمم المتحدة سيكون قد أغلق أيضا, فسوف تضطر السلطة الفلسطينية حينئذ لاستئناف المفاوضات دون قيد زمنى ودون اشتراط تجميد الاستيطان. وهكذا سيعود الاستيطان والتفاوض ليسيرا جنباً إلى جنب مثلما كان عليه الحال منذ أوسلو! إسرائيل تعرف بالضبط ما تريد, وتدرك أنها تفاوض أطرافا فلسطينية وعربية لا تعرف ما تريد، وإن عرفت لا تملك وسائل تحقيقه. ولأن حكومة نتنياهو أدركت أن وصول أوباما إلى السلطة رافعا شعار التغيير فى الولايات المتحدة يمكن أن يشكل خطرا حقيقيا عليها, فقد سعت منذ اليوم الأول لمحاصرته ثم احتوائه لاحقا, وأظن أنها نجحت فى ذلك تماما. وبعد أن نجح نتنياهو فى شل اندفاع أوباما نحو البحث عن تسوية لا يريدها هو, لم يعد أمامه سوى مشكلة وحيدة لاتزال تؤرقه، ألا وهى: كيف يمكن إقناع أوباما بتبنى وجهة نظره كاملة تجاه إيران، والمضى قدما فى طريق توجيه ضربة عسكرية لها. بعض المحللين يؤكدون أن نتنياهو لن يعدم الوسيلة, ويتحدثون عن صفقة يجرى الإعداد لها منذ الآن: إعادة انتخاب أوباما لولاية ثانية بعد عامين مقابل التزامه مسبقا بتوجيه ضربة لإيران تجهض برنامجها النووى. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات