آخر تحديث: الاثنين 22 نوفمبر 2010 1:29 م بتوقيت القاهرة
مصطفي كمال طلبة (أبو البيئة)
تصوير:إيمان هلال
«بقالى دلوقتى على الأقل 10 سنوات أتحدث عن قضية تغير المناخ فى كل حتة فى البلد... إذاعة، تليفزيون، جرائد، جامعات، الغرف التجارية، ومع ذلك لا يوجد شىء يحدث»، هكذا يصف طلبة فى حوار له مع «الشروق» كفاحه من أجل التأقلم مع تبعات التغيرات المناخية، رافضا وضع مزيد من الاستراتيجيات «الهلامية» الجديدة بهذا الشأن، مبررا ذلك بأن الاحتمالات المتوقعة فى مصر معروفة ومؤكدة بنسبة 90% وما نحتاجه بالفعل هو برامج محددة لتأكيد الاحتمالات المشكوك فيها أو لإيجاد حلول للمشكلات المؤكد حدوثها وتحديد تكلفتها.
يقول طلبة «لست من أنصار عمل استراتيجيات وكتبت هذا الكلام للأخ العزيز ماجد جورج وزير البيئة، وقلت له لا أعتقد أن هناك مبررا لمزيد من الاستراتيجيات التى تعلن فى مؤتمرات صحفية ثم تجلد ليتجمع فوقها التراب على مكاتب المسئولين، عاوزين برامج محددة، إحنا عارفين الاحتمالات الكثيرة التى ستحدث فى مصر.. تنقصنا أبحاث! نعم، إذن نمول برامج بحثية لحل مشكلات معينة أو لتأكيد قضية معينة».
الحماية وإيجاد فرص العمل وأماكن سكن
وعن المشاكل التى ستواجهها مصر جراء التغيرات المناخية، يضع الخبير العالمى فى مقدمتها ارتفاع مستوى البحار واحتمالات أن يؤثر ذلك على المناطق المنخفضة فى السواحل، وهو ما أكدته اللجنة الدولية الحكومية المعنية بتغير المناخ.
وما يراه طلبة «كلام منطقى» لأن البحر يعلو وهذه المناطق تنخفض فى الإسكندرية وبورسعيد بين ملليمتر واحد و3 ملليمترات سنويا بما يعادل 30 سنتيمترا فى القرن، مقابل ارتفاع البحر ما بين 60 و70 سنتيمترا.
ويقول طلبة: «إذا تحدثنا عن انخفاض 15 و 20 سنتيمترا فى السواحل وارتفاع 70 سنتيمترا فى مستوى البحر فإن الإجمالى يكون تقريبا مترا»، مشيرا إلى أن مناطق بعينها عرضة للدمار مثل أبوقير التى هى فى الأصل منخفضة عن سطح البحر، بالإضافة إلى مناطق فى الإسكندرية نفسها، وحتى مرسى مطروح منخفضة عن سطح البحر، وأيضا بورسعيد.
ويؤكد طلبة: «لو نزلت المياه الأماكن المنخفضة فى مكان مثل بورسعيد لن تقف هناك لكن ستتحرك نحو شمال الدلتا فى كفر الشيخ والبحيرة، وتغرق أجزاء منها»، مشيرا إلى أن الدراسات الموجودة حاليا تقول إننا نفقد 12 ـ 15% من أجود الأراضى الزراعية لدينا.
ويضيف طلبة ــ الذى تولى رئاسة برنامج الأمم المتحدة للبيئة على مدى 17 عاما ــ أن احتمالات الغرق أكيدة وإن لم يكن هناك غرق فارتفاع سطح البحر سيدخل مياها مالحة تحت التربة ليفسد قدرا من صلاحية التربة، ويحولها إلى تربة مالحة، ويقول: «عاوزين نؤكد الكلام ده.. أهلا وسهلا لكن لا يجب الانتظار حتى نصل إلى 100% تأكد لأن هذا غير ممكن علميا، لكن عندما يكون لدينا 95% من العلماء يقولون هذا نخطط على أساسه، إذا حدث الـ5% العكس وكان الـ95% خطأ يبقى خير وبركة لم نخسر شيئا».
ويتساءل طلبة: ما هى الوسائل التى تم طرحها حتى الآن لحماية هذه السواحل المنخفضة عن سطح البحر، مشيرا إلى أن دكتور ممدوح حمزة طرح فكرة لم يناقشها أحد أو يضع شيئا بديلا لها، مضيفا: «لماذا لم نجمع أساتذة الهيدروليكا وحماية الشواطئ، والعلوم معا لبحث أفضل الوسائل والبدائل المتاحة وترك الأمر أمام أصحاب القرار لاختيار أفضل الوسائل بالنسبة لهم من حيث القدرات المادية والفنية والتوقيت؟».
وعلى مستوى آخر يشير طلبة إلى أن تبعات الاحتباس الحرارى وتغير المناخ سيكون لها تأثيرها على قطاع الصيادين، حيث ارتفاع سطح البحر ودرجات الحرارة سيؤدى إما لهروب الأسماك للشمال بحثا عن مياه أكثر برودة، أو ينزل إلى أعماق أكبر، وفى كلتا الحالتين «فإن الصيادين لدينا ليسوا مؤهلين للعمل فى أعالى البحار أو الصيد من مستويات أعمق فى البحر، وما سيحدث أنه سيترك مهنته ويبحث عن غيرها ولا يوجد لدينا بديل، الوادى مكتظ بسكانه ومش ناقص 3 ــ 4 ملايين من البحيرات يهربوا للدلتا بحثا عن مصدر رزق لهم»، بحسب طلبة.
قطاع آخر سيتأثر بتغير المناخ، بحسب طلبة، وهو السياحة، حيث يوضح أن ارتفاع مستوى سطح البحر سيؤدى لتآكل الشواطئ الرملية التى يقصدها آلاف السياح، كما أن ارتفاع درجات الحرارة من نتائجه المؤكدة ابيضاض الشعاب المرجانية التى يأتى ملايين السياح من بلادهم مباشرة إلى شرم الشيخ للتمتع بألوانها الجذابة فى البحر الأحمر.
ويتساءل طلبة: «ماذا سيفعل العاملون فى شرم الشيخ؟ سيضطرون للهجرة إلى أماكن ومهن أخرى، ونحن لا يوجد لدينا لا شغل ولا مكان يسكنون فيه».
ويخرج طلبة من كل هذه الحقائق إلى أن هناك قضيتين رئيسيتين ستنتجان عن تغير المناخ لابد من العمل عليهما، وهما قضية الحماية من تبعات التغيرات المناخية، وقضية إيجاد فرص عمل وأماكن إقامة لنحو 3 ـ 4 ملايين سيفقدون أعمالهم أو سيغرقون، قائلا: «نحن بحاجة لبرامج تخاطب هذه القضايا وتحديد مسئوليات كل جهة للبحث والتأكيد وتوفير التمويل اللازم».
كما يشير طلبة إلى أنه فى ظل اختفاء نحو 12 إلى 15% من أجود الأراضى الزراعية بسبب الملوحة التى ستصيبها، فلابد من تطوير سلالات جديدة من أهم المحاصيل لدينا مثل الذرة والقمح والشعير والفول، تكون قادرة على التعايش مع المياه المالحة ودرجات حرارة أعلى من الموجود حاليا، حيث إن ارتفاع الحرارة سيقلل فترة النمو، والأنواع الحالية لا يمكنها التأقلم مع هذه الظروف، كما أن الحرارة المرتفعة ستزيد من شراسة الفطريات والحشرات التى تهاجم النباتات، وبالتالى لابد من تطوير أنواع لديها قدرة أكبر على مقاومة الأمراض.
ويطالب طلبة بوضع نماذج هندسية لنهر النيل، حيث إن النماذج المتاحة حاليا كلها وضعتها جهات من خارج مصر، منها نموذجان تقريبا يتوقعان زيادة موارد النيل بنسبة 30%، بينما تتوقع باقى النماذج نقصها بنسبة تصل إلى 70% بسبب تغير أنماط الأمطار.
ويؤكد طلبة ضرورة وجود دراسات ونماذج رياضية تحدد هل نحن فى اتجاه 70% نقصا أم 30% زيادة، مشيرا إلى أن «وزارة الموارد المائية والرى أخيرا اتفقت مع مصلحة الأرصاد فى إنجلترا لعمل نموذج لنهر النيل، يراجعه المتخصصون فى الوزارة، ممكن ينتهى خلال سنة ويكون لدينا شىء يحدد أقرب الاحتمالات ليمكن عمل تخطيط على أساسه».
وعلى الرغم من تأكيد اللجنة الحكومية للتغيرات المناخية أن ارتفاع درجات الحرارة سيؤدى إلى هروب الناموس الحامل للملاريا إلى شمال أفريقيا وعبوره المتوسط إلى أوروبا، إلا أن طلبة يستغرب عدم وجود أى مؤشرات عن كيفية تعامل مصر فى حال ظهور وباء من هذا النوع، فى حين بدأت دول فى أوروبا بالفعل فى تجهيز مستشفيات الحميات لديها لتلقى أعداد كبيرة من المصابين.
ويقول طلبة: «لا يوجد لدينا بيانات عما يحدث فى مصر بالتفصيل، من يعمل فى قضية المناخ فى مصر؟»، مشيرا إلى أنه طلب من رئيس الوزراء بحضور وزيرة التعاون الدولى تكوين لجنة وزارية عليا برئاسة رئيس الوزراء تضم الوزارات المعنية بالإضافة إلى لجنة فنية للعلماء من جميع المجالات وليس المناخ والبيئة فقط، لكن «اقتصاد وعلم وعلوم اجتماعية وهندسة»، ويكون دورها جمع كل ما كتب عن مصر فى الخارج والداخل، وتحلله وتنقل النتائج لرئيس الوزراء لتحديد أولوياته.
لا تتوقعوا الكثير فى قمة المكسيك
ويستبعد طلبة الوصول إلى أى نتائج حقيقية خلال المؤتمر السادس عشر للدول الأطراف باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ المقرر عقده فى المكسيك نهاية الشهر الحالى «مادام حوار الطرشان مستمرا بين الدول النامية والصناعية»، على حد قوله.
ويوضح طلبة ــ الملقب فى الأوساط العالمية بأبى البيئة ــ أن «الدول النامية للأسف تكرر مثل الببغاوات أن الدول الصناعية لابد أن تخصص 0.7% من ناتجها الإجمالى المحلى كمعونات للدول النامية فى عملية التنمية ككل، ومنها جزء للتنمية البيئية لأنها المسئول الأول عن التغيرات المناخية»، موضحا أن هذا الرقم حددته الأمم المتحدة فى العقد التنموى الأول عام 1970 وكان وقتها ما تقدمه الدول الصناعية 0.029%.
ويشير طلبة إلى أنه على الرغم من أن المؤشرات كلها منذ هذا الوقت تظهر تراجع المساعدات التى تقدمها الدول الصناعية للدول النامية فإن الأخيرة تصر على الرقم الأول رافضة التراجع عنه أو الوصول لحل وسط.
ويضيف أن الدول الصناعية معترفة بأنها مسئولة عما حدث، لكنها أيضا تطالب بالتزامات من الدول النامية بالسيطرة على انبعاثاتها من الغازات الدفيئة، إلا أن الأخيرة ترفض هذا بحجة أنها بحاجة لتحقيق التنمية بدورها.
وينصح طلبة الدول النامية قائلا: «إذا كانت الدول الصناعية تطلب الالتزام بالتخفيض، بقول يا جماعة قولوا نعم لكن اتركوا لنا 10 سنوات فترة سماح ننمو فيها وحاسبونا بعدها على التخفيض ونخفض بنفس المستوى، لكن قدموا لنا الأموال والتكنولوجيا التى تساعدنا على التخفيض».
الأمان النووى والكوادر المؤهلة
وعن خطة الدولة لإقامة مفاعل نووى لتقليل انبعاثاتها من ثانى أكسيد الكربون والغازات الدفيئة، يقول طلبة: «على عينى وراسى، لكن لابد أن يكون هناك انضباط فى المجتمع أكثر من الموجود حاليا حتى لا ينتهى الأمر بمصيبة بلا علاج».
كما استنكر طلبة تفكيك هيئة الطاقة الذرية إلى ثلاث جهات تابعة لثلاث وزارات مختلفة ففصلت المجموعة المتجانسة التى كانت تعمل معا عن بعضها، علاوة على هروب الكثير من العلماء فى هذا المجال خارج مصر.
ويتساءل طلبة: «نص الناس طفش لأنه وجد أن لا شىء يحدث، هل لدى كوادر قادرة خلال 10 سنوات مقبلة على إعداد كل الاحتياجات؟»، موضحا أنه لا يقول إنه لا أحد يفكر فى هذه الأمور «لكن أريد الاطمئنان، ومن الآن حتى بناء المفاعل خلال 10 سنوات أريد أن أعد جميع الكوادر اللازمة لضمان تشغيل المفاعل بكفاءة».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات