بقلم سوزان حرفى ٣٠/ ١٠/ ٢٠١٠ |
«أنا رئيس مؤمن.. لدولة مسلمة، بس لا دين فى السياسة.. ولا سياسة فى الدين»، مثل هذه الفقرة ملتبسة المضمون إلى حد التناقض قد لا تجد لها مثيلاً إلا فى القاموس السياسى المصرى، وهى تعبر بعمق عن عدم الحسم على المستوى الفكرى، وتخلق إرباكاً مقصوداً يتم استغلاله على مستوى التطبيق. ثلاثة عقود مضت على قول الرئيس السادات هذه الجملة، عقود تزلزل العالم خلالها وتحول، وبقيت السياسة المصرية بقاموسها لا تتحرك قيد أنملة، «فمصر دولة مدنية، ولا تخلط الدين بالسياسة»، جملة تحولت إلى شعار المرحلة الآنية، فإذا سُئل أى مسؤول عن العنف فى الشارع المصرى أو غلاء الأسعار والانقطاع الدائم للماء والكهرباء أو عن السحابة السوداء، فالإجابة هى: مصر دولة مدنية لا تخلط بين السياسة والدين، وبالطبع للمسؤولين منطقهم! أما إذا بدأنا بتحرير المصطلحات، فإن مدنية مصر لا شك فيها ولا خلاف حولها، فمنذ دخول مصر العصر الحديث والمعاصر لم تعرف يوما حكما للمشايخ أو للقساوسة، ولم يتولّها من يتحدث باسم الإله أو من ينوب عنه، والأهم أن تعبير «الدولة المدنية» لا ينفى ولا يؤكد قطيعة بين الدولة والدين، فهو نفسه المصطلح المستخدم من تيار الإسلام السياسى عند حديثهم عن طبيعة الدولة المنشودة، والإسلاميون يُـتبعونها بـ«ذات مرجعية إسلامية»، وهذه المرجعية عند الإخوان- طبقا لبرنامجهم السياسى المقترح لتأسيس حزب- تتجسد فى هيئة العلماء التى يرجع لها إقرار القوانين طبقا للشريعة، أما المرجعية عند حزب الوسط فتتمثل فى إعمال المبادئ العامة للشريعة من شورى ملزمة، وعدل ومساواة بين المواطنين، وحرية اعتقاد ورفع الظلم، ورد الحقوق إلى أهلها، فى الدستور والقوانين. أما تعبير «دولة لا تخلط بين الدين والسياسة»، فهو كلام يتكرر على لسان المسؤولين المصريين، وهو تكرار لا يحسم جدلا، سواء على مستوى نهج النظام أو على مستوى أيديولوجية الدولة، ومع أن هذا التعبير، منفردا، يقول بعلمانية النظام السياسى، فإنه لا وجود لأى أساس رسمى نظرى أو تطبيقى يمكن الاستناد إليه للجزم بعلمانية مصر، فمواد الدستور القائم لا تتعارض وإنما تصطدم بهذا الكلام، أما نصوص القوانين فلا تدعمه من قريب أو بعيد، وسلوكيات الدولة لا تمت بصلة للعلمانية وما آلت إليه فى الغرب. فمع سيادة النموذج الغربى، أصبحت العلمانية السياسية عند المنادين بها تعنى مؤسسات ونظماً تنتج تداول السلطة وأشكال الحكم الديمقراطى وحرية الأفراد، وهى مرادفة لقانون وضعى قوى يحمى ما وصل إليه التطور الإنسانى من منجزات قيمية، قانون يتساوى أمامه الجميع من غير تمييز بين ابن رئيس أو ابن خفير، قانون مع قوته يتمتع بمرونة ليستوعب المتغيرات، فيصير المتغير جزءا من القانون لا عبئا عليه. وفيها مواطنة وحقوق إنسان وشفافية وحرية تعبير ومحاربة الفساد وحكم رشيد وإعانة بطالة وحد الكفاف، فماذا تملك مصر من كل هذا؟، لا شىء على الإطلاق. وبهذا لا تتمثل الإشكالية عند النظام المصرى فى ضرورة الفصل بين الدين والدولة، أو فى وجوب الربط بينهما، ولا فى أى النظريتين أولى بالتطبيق، ومن يدعم ومن يرفض، بقدر ما هى مضامين كل مصطلح وما يختزله من قيم نموذجية ينشدها البلد، سواء أكانت سماوية أم وضعية، ومصر التى تحتاج للحسم، تموج بكل معوقات هذا الحسم، ليبقى الوضع على ما هو عليه، من ارتباك وعدم تحديد لحين تغيير قواعد اللعبة السياسية وتغيير اللاعبين، واستيعاب اللاعبين الجدد حاجة المجتمع الماسة للحسم، وحاجته لنظام يتمتع بالحيوية والفاعلية، نظام يملك من المشروعية ما يمكنه من إعادة بناء الوطن وترميم الشخصية المصرية، نظام يتحرك نحو الأغلبية الصامتة، نظام يجد كل مواطن مكانا له على أجندة اهتمام مسؤوليه اليومية، عندها فقط يمكن الحديث عن توجهات للدولة المصرية، وتصبح العبارات متسقة مع ذاتها، والمصطلحات تحتوى على مضمون ومعنى، ولن نسمع آنذاك أن «مصر سمك، لبن، تمر هندى». |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات