لقد نقلت القيادة السعودية هذا التوتر إلى مرحلة المواجهة
المطلقة وربما المباشرة، بين مشروعين متناقضين ومتحاربين بالواسطة منذ
سنوات .
لقد تلاقى عاملان أساسيان في بلوغ مستوى التأزم الحالي في
العلاقات بين البلدين إذ اقترن تصعيد إيران لتدخلاتها في الشؤون الداخلية
لجيرانها، مع قرار سعودي بالتخلي نهائيا عما كان يعرف ب"الصبر الدبلوماسي"
الذي كان سائدًا في التعامل مع إيران، ومحاولات تمدد نفوذها الإقليمي
بواسطة أحزاب منبثقة من عقيدتها مثل حزب الله أو أنظمة متحالفة معها مثل
النظام السوري أو مع من تجمعهم بها روابط الدين ،مثل الشيعة في البحرين
وشرق المملكة السعودية واليمن، أو مع من تعتبرانه امتداد طبيعي لها مثل
العراق .
في الظاهر يبدو العامل المذهبي كأنه المحرك الأساسي لهذا
الصراع انطلاقا من فكرة تصدير الثورة بعدما جعلت إيران نفسها حامية لكل
شيعة العالم ومدافعة عن حقوقهم. ولكن الطابع المذهبي للصراع، يخفي أيضا
صراعا جيوسياسيا على النفوذ يستخدم الطائفية أداةً له.
سعت المملكة العربية السعودية للحصول على إجماع حول موقفها
وأرسلت إشارات حازمة بهذا الشأن باتخاذها إجراءات بحق لبنان، الذي خرج عن
هذا الإجماع في مؤتمر القاهرة الأخير .
تتلخص عناصر الصراع في العلاقة بين السعودية وإيران في
أربعة عوامل، أولها البعد الديني الذي ترى السعودية في نطاقه نفسها مركزًا
للعالم الإسلامي في حين ترى إيران أنّ للعالم الإسلامي جناحين تمثل هي
المركز الشيعي فيهما. والثاني، طبيعة نظام الحكم المتناقضة بين الجهتين:
نظام ملكي في السعودية وجمهورية إسلامية في إيران، والثالث، اختلاف
السياسات المالية والاقتصادية وخصوصا النفطية بين اثنين من اكبر منتجي
الذهب الأسود وتقاسم الحصص داخل الاوبيك والرابع، أمن الخليج الذي تعتمد
فيه السعودية ودول الخليج الأخرى على الغطاء الأمريكي الذي شعرت المملكة
بأنها فقدته إلى حد بعيد بعد الاتفاق النووي ، فيما ترى إيران أنها القوة
الكفيلة بضمان هذا الأمن بقدراتها الذاتية التي استطاعت تطويرها إلى حد
الاقتراب من إنتاج الطاقة النووية على الرغم من الحظر الدولي لمدة 3 عقود.
لقد انقلبت مساعي السعودية لتحقيق إجماع عربي حول موقفها
إلى التفاف حول حزب الله ،فالتحقت الجزائر وتونس والعراق بلبنان بالخروج عن
هذا الإجماع في اجتماع وزراء الداخلية العربي في تونس يوم الأربعاء الماضي
.
ما تطلبه السعودية عن حق أو غير حق قد يبدو مستحيلا نظرا
لموازين القوى . فحلفاء المملكة في لبنان إذا جاز التعبير، زايدوا في
الولاء وفي انتقاد خصومهم ممثلين بوزير الخارجية جبران باسيل وأطلقوا حملات
حشد الدعم للمملكة ولكنهم اجتهدوا في تبرير موقف ممثلهم وزير الداخلية
نهاد المشنوق الذي سار على خطى باسيل بمعارضة المس بحزب الله متحججين
بالحفاظ على الاستقرار الداخلي . تناست الدول العربية المعترضة أيضا على
وضع الحزب على لائحة الإرهاب انغماسه في حروب مذهبية اعتبرها كل سنة العالم
موجهة ضدهم .
لا يمكن للبنانيين ولا للعرب الآخرين أن يعتمدوا سياسة
مزدوجة بعدما أعلنت المملكة صراحة مرحلة المواجهة المباشرة. واضح أن الصراع
يأتي في سياق مرحلة انتقالية بين انهيار نظام إقليمي سابق وعملية جارية
لتشكيل نظام جديد، مع بروز سيناريوهات إعادة رسم الحدود الجغرافية
والسياسية لدول المنطقة وطرح فكرة الفدرالية في العراق وسوريا وانحسار
أحادية الدور الأمريكي ودخول قوى أخرى وفي مقدمتها روسيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات