October 3rd, 2012 9:32 am
لم أكن واثقًا ما إذا كان الأمريكيون غير مدركين أن ما قاموا به يمثل
إحراجا لليبيا، أو ما إذا كانوا غير مهتمين بهذا الأمر من الأساس. لكن
بالنسبة إلى اليبيين كان من الضرورى أن يكون واضحًا للإعلام أن قرار
طرابلس التخلص من الأسلحة النووية كان قرارًا متفقًا عليه بين الطرفين،
وأنه تم تنفيذه بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد مناقشة طويلة،
وفى ضوء قوانين دولية، وتحت إشراف منظمة دولية. ولم تكن للولايات المتحدة
الأمريكية الكثير من الشعبية فى العالم العربى فى هذه السنوات، وبالتالى
فإن آخر ما كانت تريده ليبيا أن تبدو أنها قد خضعت لضغوط أمريكية عنيفة.
وفى اليوم التالى التقيت «بوش»، وعندما تطرق الحديث إلى ليبيا أعرب لى عن شكره للتعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ومن جانبى أشرت إلى الحساسيات التى تحيط بالتعامل فى هذا الملف، وأشرت على وجه الخصوص إلى الاستياء الليبى جراء الطريقة التى تم بها عرض المعدات الليبية أمام وسائل الإعلام. وأضفت أنه ينبغى على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتوخى الحذر فى أن لا تصور القذافى أمام العالم العربى على أنه الرجل الذى خان أمته من أجل العلاقات مع الغرب، مشيرًا إلى أن القذافى لا يحتاج إلى المزيد من النقد فى هذه اللحظة، وأن استمرار أمريكا وبريطانيا فى تصويره على أنه رجل مهزوم لن يخدم على الإطلاق مستقبل العلاقات بين ليبيا وكل من أمريكا وبريطانيا.
ولقد تفهم «بوش» الأمر على الفور وقرر إلغاء استعراض آخر لوصول المعدات الليبية إلى أمريكا بناءً على أوامره. وقال لى «بوش» إنه سيرسل «بيل بيرنز» مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط إلى ليبيا ليعرب لطرابلس عن التقدير لقرارها التخلى عن برامج أسلحة الدمار الشامل. كما أكد لى «بوش» «الالتزام بتطبيع العلاقات مع ليبيا»، وطلب منى إذا ما سنحت الفرصة أن أنقل مودته إلى القذافى.
لكن التعقيدات المحيطة بتعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع ليبيا لم تنته، ففى مايو 2004 أخبرنى معتوق أن «جون بولتون» يلح على ليبيا لتوقيع اتفاقية ثنائية بشأن أسلحة الدمار الشامل مع الولايات المتحدة الأمريكية. وبموجب الاتفاقية المقترحة من «بولتون» فإن واشنطن سيكون لها الحق فى اتخاذ تدابير، تشمل أعمال التفتيش، فى حال ما قامت ليبيا بخرق التزاماتها المقررة فى الاتفاقية أو فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. كما أخبرنى معتوق كذلك أن واشنطن تريد من طرابلس رفع شرط السرية المفروضة على سجلات الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخاصة بليبيا حتى تتمكن الولايات المتحدة من الاطلاع عليها.
ونصحت معتوق بأن لا يستجيب إلى أى من المطلبَيْن، وأننى لا أوافق على أن يطَّلع أى شخص على ملفاتنا. فشرط السرية إجراء اعتيادى فى كل ما يتعلق بنظام الضمانات فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أن ليبيا لا تحتاج إلى التوقيع على ضمانات إضافية، لأن الضمانات التى تلتزم بها ليبيا مع الوكالة كافية، وبالتالى فإن مثل هذا التوقيع لا يمكن فهمه إلا على أنه رخصة غير مبررة من ليبيا للأمريكيين للتدخل فى أى وقت. وبالطبع لم يكن من الصعب إقناع معتوق بذلك.
وفى يونية التقيت شكرى غانم، رئيس وزراء ليبيا الذى أصبح فى ما بعد وزيرا للبترول فى مؤتمر فى فرنسا. وكانت تربطنى بغانم صداقة منذ السنوات التى عمل فيها مديرا للدراسات فى منظمة الأوبك بڤيينا. وأراد غانم أن يُعرفنى بأحدهم: سيف الإسلام القذافى، ثانى أبناء العقيد القذافى، والمسؤول عن التوصل للاتفاقية بين ليبيا وأمريكا وبريطانيا حول برنامج ليبيا للأسلحة النووية.
وعندما وصلا إلى منزلى قام غانم بتقديم سيف الإسلام ثم انصرف، وكان واضحًا أن سيف الإسلام كان يسعى للحصول على النصح حول جملة من القضايا، وبدأ بطرح أسئلة حول صورة ليبيا فى الولايات المتحدة الأمريكية وفى الغرب عموما. ولم أجد هناك داعيا لمحاولة إخفاء الحقيقة أو تجميلها، فقلت له إن «الغرب لا يثق فى ليبيا، وإنه سيكون عليكم بناء الثقة معهم، وهذا الأمر سيستغرق وقتا». ثم أضفت أنه من الناحية الأخرى فإن ليبيا تثبت الآن أنها تريد أن تأخذ منحى جديدًا بوصفها عضوًا مسؤولا فى المجتمع الدولى، وهو ما يعنى أنه يحق لليبيين طلب المساعدة فى مجالات مثل التعليم والإدارة المالية وغيرها من الاحتياجات الوطنية.
وتحدث سيف الإسلام عن افتقار ليبيا للكفاءات الإدارية الرفيعة فى الحكومة، فكان اقتراحى له اعتماد آلية للتدريب تقوم على إرسال بعض من الإداريين الليبيين إلى الخارج للتدريب والاستعانة فى نفس الوقت ببعض الكفاءات الخارجية لتقديم دورات تدريبية لليبيين فى بلادهم. فى الوقت نفسه كان على ليبيا أن تعمل على تطوير بنيتها التحتية فى أسرع وقت ممكن.
ولقد لاحظت أن عزلة ليبيا عن العالم خلال العقود الماضية كانت لها أثر سلبى كبير على البلاد، ففى عام 1964 كان هناك خط طيران مباشر بين نيويورك وطرابلس، التى كانت تعد فى ذلك الوقت واحدة من المدن المزدهرة على ساحل المتوسط. وفى عام 1970 لجأ الشيخ زايد آل نهيان حاكم الإمارات إلى ليبيا ليحصل على قرض وليجرى عملية جراحية، وبالطبع منذ ذلك الحين تحولت الإمارات العربية المتحدة إلى قوة اقتصادية صاعدة، بينما تراجع حال ليبيا كثيرًا عامًا بعد آخر.
إن أسلوب القذافى فى الحكم يمكن أن يوصف على أقل تقدير بأنه مختلف، ففى أحد الأعوام قرر القذافى وقف مهنة الحلاقة لأنه لم يكن يعتقد أنها مهنة منتجة، وهو ما دفع الليبيين خلال تلك الفترة إلى أن يعتمدوا على أنفسهم فى تهذيب شعرهم، أو للحلاقة فى الخفاء.
كما كان للقذافى أيضا طريقة غريبة فى التعامل مع الشخصيات الدولية، بما فى ذلك قراره لقاء «كوفى أنان» فى خيمة فى وسط الصحراء فى منتصف الليل خلال زيارة الأمين العام للأمم المتحدة لليبيا، لأن القذافى كان مستاءً من قيام الأمم المتحدة بفرض بعض العقوبات على ليبيا مؤخرًا. وإضافة إلى ذلك فإن وصول «أنان» إلى خيمة القذافى استغرق ساعتين مر خلالهما فى دوائر عبر الصحراء فى عتمة الليل مع اختراق صمت الصحراء المطبق لأصوات حيوانات كان «أنان» لا يراها أو يعرف ماهيتها بالضبط.
وفى عام 2004 قام الرئيس الفرنسى «شيراك» لأول مرة بزيارة إلى ليبيا فأحضره القذافى أيضا إلى خيمته، وفى أثناء المباحثات دخل عمال النظافة لتنظيف الخيمة، وبعد أن انصرفوا دخلت عنزة تتجول فى الخيمة.
وإذا ما صدقت مثل هذه الروايات فلا يمكن بسهولة معرفة السبب وراء مثل هذه التصرفات غير المألوفة، وعما إذا كان السبب هو إبداء عدم رضا القذافى عن بعض السياسات التى تتبعها الأمم المتحدة أو فرنسا، أو التأكيد على أن القذافى لا يلتزم بالقواعد البروتوكولية المتعارف عليها فى التعامل مع الشخصيات الدولية الرفيعة.
وفى كل الأحوال فإن آثار عدم الخبرة الناجمة عن سنوات العزلة الطويلة على ليبيا كانت بادية فى الأوجه، سواء فى ذلك نقص الكفاءات الإدارية أم البنية التحتية المتدهورة أم السياسات الداخلية والخارجية «الفريدة» من نوعها، وذلك كله بينما ممثلو الشركات الدولية يتوافدون على ليبيا للحصول على صفقات لاستغلال الموارد الليبية.
ولا بد من القول إننى مع ذلك كنت مندهشا بأن ليبيا، على الرغم من كل العزلة التى تعرضت لها، وعلى الرغم من العقوبات الدولية التى فرضت عليها، فإنها تمكنت بسهولة من تطوير برنامج لأسلحة الدمار الشامل بما فى ذلك برنامج بدائى لتطوير السلاح النووى.
وفى الحقيقة فإننى كنت قلقا من رغبة الكثيرين فى التعامل بسرعة مع هذا الوضع، دون النظر بعمق إلى الدواعى وراء مثل هذا البرنامج النووى السرى، سواء فى ليبيا أم غيرها، والذى تم تطويره عبر عدة عقود من الزمن. فمثل هذه الدواعى لا تستأصل بتوقيع اتفاق واحد أو بعقوبات تفرض على عجل أو بحملة قصف خاطفة أو حتى بخطوات دبلوماسية متفرقة، فتفكيك المعدات والمواد الخطرة هو خطوة أولية فقط فى عملية معقدة. والتغيير الحقيقى فى مثل هذه الحالات يتطلب التزاما طويل الأجل بإقامة علاقات قائمة على الاحترام والثقة المتبادلة. والنجاح النسبى الذى يمكن أن تحققه ليبيا فى إقامة مثل هذه العلاقات مع شركائها الدوليين سيتضح فقط بمرور الوقت.
وقد كنت دائما، وما زلت، منزعجا لرغبة بعض الدول فى ممارسة الخداع وحجب المعلومات بالمخالفة لالتزاماتها الدولية: فليبيا خرقت التزاماتها المقررة حسب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وكلٌّ من أمريكا وبريطانيا حجبت عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية معلومات استخباراتية كشفت عن برنامج ليبى سرى للتسلح النووى إلى أن قررت الكشف عن هذه المعلومات فى الوقت الذى يناسبها هى، ثم قامت بعد ذلك بنشر أحاديث مبالغ فيها عن هذا البرنامج لتحقق أهدافا دعائية.
تساءلت كثيرا وما زلت: إلى أى مدى يمكن أن يتسامح المجتمع الدولى مع مثل هذه الممارسات؟ وإلى أى مدى يمكن أن تستمر قبل أن تأخذ فى النَّيل من مصداقية نظام منع التسلح النووى بكامله؟
وفى اليوم التالى التقيت «بوش»، وعندما تطرق الحديث إلى ليبيا أعرب لى عن شكره للتعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ومن جانبى أشرت إلى الحساسيات التى تحيط بالتعامل فى هذا الملف، وأشرت على وجه الخصوص إلى الاستياء الليبى جراء الطريقة التى تم بها عرض المعدات الليبية أمام وسائل الإعلام. وأضفت أنه ينبغى على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتوخى الحذر فى أن لا تصور القذافى أمام العالم العربى على أنه الرجل الذى خان أمته من أجل العلاقات مع الغرب، مشيرًا إلى أن القذافى لا يحتاج إلى المزيد من النقد فى هذه اللحظة، وأن استمرار أمريكا وبريطانيا فى تصويره على أنه رجل مهزوم لن يخدم على الإطلاق مستقبل العلاقات بين ليبيا وكل من أمريكا وبريطانيا.
ولقد تفهم «بوش» الأمر على الفور وقرر إلغاء استعراض آخر لوصول المعدات الليبية إلى أمريكا بناءً على أوامره. وقال لى «بوش» إنه سيرسل «بيل بيرنز» مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط إلى ليبيا ليعرب لطرابلس عن التقدير لقرارها التخلى عن برامج أسلحة الدمار الشامل. كما أكد لى «بوش» «الالتزام بتطبيع العلاقات مع ليبيا»، وطلب منى إذا ما سنحت الفرصة أن أنقل مودته إلى القذافى.
لكن التعقيدات المحيطة بتعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع ليبيا لم تنته، ففى مايو 2004 أخبرنى معتوق أن «جون بولتون» يلح على ليبيا لتوقيع اتفاقية ثنائية بشأن أسلحة الدمار الشامل مع الولايات المتحدة الأمريكية. وبموجب الاتفاقية المقترحة من «بولتون» فإن واشنطن سيكون لها الحق فى اتخاذ تدابير، تشمل أعمال التفتيش، فى حال ما قامت ليبيا بخرق التزاماتها المقررة فى الاتفاقية أو فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. كما أخبرنى معتوق كذلك أن واشنطن تريد من طرابلس رفع شرط السرية المفروضة على سجلات الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخاصة بليبيا حتى تتمكن الولايات المتحدة من الاطلاع عليها.
ونصحت معتوق بأن لا يستجيب إلى أى من المطلبَيْن، وأننى لا أوافق على أن يطَّلع أى شخص على ملفاتنا. فشرط السرية إجراء اعتيادى فى كل ما يتعلق بنظام الضمانات فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أن ليبيا لا تحتاج إلى التوقيع على ضمانات إضافية، لأن الضمانات التى تلتزم بها ليبيا مع الوكالة كافية، وبالتالى فإن مثل هذا التوقيع لا يمكن فهمه إلا على أنه رخصة غير مبررة من ليبيا للأمريكيين للتدخل فى أى وقت. وبالطبع لم يكن من الصعب إقناع معتوق بذلك.
وفى يونية التقيت شكرى غانم، رئيس وزراء ليبيا الذى أصبح فى ما بعد وزيرا للبترول فى مؤتمر فى فرنسا. وكانت تربطنى بغانم صداقة منذ السنوات التى عمل فيها مديرا للدراسات فى منظمة الأوبك بڤيينا. وأراد غانم أن يُعرفنى بأحدهم: سيف الإسلام القذافى، ثانى أبناء العقيد القذافى، والمسؤول عن التوصل للاتفاقية بين ليبيا وأمريكا وبريطانيا حول برنامج ليبيا للأسلحة النووية.
وعندما وصلا إلى منزلى قام غانم بتقديم سيف الإسلام ثم انصرف، وكان واضحًا أن سيف الإسلام كان يسعى للحصول على النصح حول جملة من القضايا، وبدأ بطرح أسئلة حول صورة ليبيا فى الولايات المتحدة الأمريكية وفى الغرب عموما. ولم أجد هناك داعيا لمحاولة إخفاء الحقيقة أو تجميلها، فقلت له إن «الغرب لا يثق فى ليبيا، وإنه سيكون عليكم بناء الثقة معهم، وهذا الأمر سيستغرق وقتا». ثم أضفت أنه من الناحية الأخرى فإن ليبيا تثبت الآن أنها تريد أن تأخذ منحى جديدًا بوصفها عضوًا مسؤولا فى المجتمع الدولى، وهو ما يعنى أنه يحق لليبيين طلب المساعدة فى مجالات مثل التعليم والإدارة المالية وغيرها من الاحتياجات الوطنية.
وتحدث سيف الإسلام عن افتقار ليبيا للكفاءات الإدارية الرفيعة فى الحكومة، فكان اقتراحى له اعتماد آلية للتدريب تقوم على إرسال بعض من الإداريين الليبيين إلى الخارج للتدريب والاستعانة فى نفس الوقت ببعض الكفاءات الخارجية لتقديم دورات تدريبية لليبيين فى بلادهم. فى الوقت نفسه كان على ليبيا أن تعمل على تطوير بنيتها التحتية فى أسرع وقت ممكن.
ولقد لاحظت أن عزلة ليبيا عن العالم خلال العقود الماضية كانت لها أثر سلبى كبير على البلاد، ففى عام 1964 كان هناك خط طيران مباشر بين نيويورك وطرابلس، التى كانت تعد فى ذلك الوقت واحدة من المدن المزدهرة على ساحل المتوسط. وفى عام 1970 لجأ الشيخ زايد آل نهيان حاكم الإمارات إلى ليبيا ليحصل على قرض وليجرى عملية جراحية، وبالطبع منذ ذلك الحين تحولت الإمارات العربية المتحدة إلى قوة اقتصادية صاعدة، بينما تراجع حال ليبيا كثيرًا عامًا بعد آخر.
إن أسلوب القذافى فى الحكم يمكن أن يوصف على أقل تقدير بأنه مختلف، ففى أحد الأعوام قرر القذافى وقف مهنة الحلاقة لأنه لم يكن يعتقد أنها مهنة منتجة، وهو ما دفع الليبيين خلال تلك الفترة إلى أن يعتمدوا على أنفسهم فى تهذيب شعرهم، أو للحلاقة فى الخفاء.
كما كان للقذافى أيضا طريقة غريبة فى التعامل مع الشخصيات الدولية، بما فى ذلك قراره لقاء «كوفى أنان» فى خيمة فى وسط الصحراء فى منتصف الليل خلال زيارة الأمين العام للأمم المتحدة لليبيا، لأن القذافى كان مستاءً من قيام الأمم المتحدة بفرض بعض العقوبات على ليبيا مؤخرًا. وإضافة إلى ذلك فإن وصول «أنان» إلى خيمة القذافى استغرق ساعتين مر خلالهما فى دوائر عبر الصحراء فى عتمة الليل مع اختراق صمت الصحراء المطبق لأصوات حيوانات كان «أنان» لا يراها أو يعرف ماهيتها بالضبط.
وفى عام 2004 قام الرئيس الفرنسى «شيراك» لأول مرة بزيارة إلى ليبيا فأحضره القذافى أيضا إلى خيمته، وفى أثناء المباحثات دخل عمال النظافة لتنظيف الخيمة، وبعد أن انصرفوا دخلت عنزة تتجول فى الخيمة.
وإذا ما صدقت مثل هذه الروايات فلا يمكن بسهولة معرفة السبب وراء مثل هذه التصرفات غير المألوفة، وعما إذا كان السبب هو إبداء عدم رضا القذافى عن بعض السياسات التى تتبعها الأمم المتحدة أو فرنسا، أو التأكيد على أن القذافى لا يلتزم بالقواعد البروتوكولية المتعارف عليها فى التعامل مع الشخصيات الدولية الرفيعة.
وفى كل الأحوال فإن آثار عدم الخبرة الناجمة عن سنوات العزلة الطويلة على ليبيا كانت بادية فى الأوجه، سواء فى ذلك نقص الكفاءات الإدارية أم البنية التحتية المتدهورة أم السياسات الداخلية والخارجية «الفريدة» من نوعها، وذلك كله بينما ممثلو الشركات الدولية يتوافدون على ليبيا للحصول على صفقات لاستغلال الموارد الليبية.
ولا بد من القول إننى مع ذلك كنت مندهشا بأن ليبيا، على الرغم من كل العزلة التى تعرضت لها، وعلى الرغم من العقوبات الدولية التى فرضت عليها، فإنها تمكنت بسهولة من تطوير برنامج لأسلحة الدمار الشامل بما فى ذلك برنامج بدائى لتطوير السلاح النووى.
وفى الحقيقة فإننى كنت قلقا من رغبة الكثيرين فى التعامل بسرعة مع هذا الوضع، دون النظر بعمق إلى الدواعى وراء مثل هذا البرنامج النووى السرى، سواء فى ليبيا أم غيرها، والذى تم تطويره عبر عدة عقود من الزمن. فمثل هذه الدواعى لا تستأصل بتوقيع اتفاق واحد أو بعقوبات تفرض على عجل أو بحملة قصف خاطفة أو حتى بخطوات دبلوماسية متفرقة، فتفكيك المعدات والمواد الخطرة هو خطوة أولية فقط فى عملية معقدة. والتغيير الحقيقى فى مثل هذه الحالات يتطلب التزاما طويل الأجل بإقامة علاقات قائمة على الاحترام والثقة المتبادلة. والنجاح النسبى الذى يمكن أن تحققه ليبيا فى إقامة مثل هذه العلاقات مع شركائها الدوليين سيتضح فقط بمرور الوقت.
وقد كنت دائما، وما زلت، منزعجا لرغبة بعض الدول فى ممارسة الخداع وحجب المعلومات بالمخالفة لالتزاماتها الدولية: فليبيا خرقت التزاماتها المقررة حسب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وكلٌّ من أمريكا وبريطانيا حجبت عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية معلومات استخباراتية كشفت عن برنامج ليبى سرى للتسلح النووى إلى أن قررت الكشف عن هذه المعلومات فى الوقت الذى يناسبها هى، ثم قامت بعد ذلك بنشر أحاديث مبالغ فيها عن هذا البرنامج لتحقق أهدافا دعائية.
تساءلت كثيرا وما زلت: إلى أى مدى يمكن أن يتسامح المجتمع الدولى مع مثل هذه الممارسات؟ وإلى أى مدى يمكن أن تستمر قبل أن تأخذ فى النَّيل من مصداقية نظام منع التسلح النووى بكامله؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات