September 25th, 2012 9:42 am
يحاول الرئيس مرسى أن يقول لنا إنه رجل متدين، يصلى أمامنا فى خشوع
ويدعو ربه ولا يكف عن إلقاء الخطب فى أى جامع يذهب إليه يعظ الناس، ويصلى
إمامًا فى قصر الرئاسة بأىٍّ من ضيوفه وزائريه.
وهذا شىء طيب لو لم يكن رئاء الناس، لكن يبقى أن هذه التصرفات المتدينة لا تعنى أننا أمام حاكم صالح.
قد يكون الرئيس مرسى عند الله أتقى رجل فى التسعين مليون مصرى، لكن هذا كذلك لا يعنى أننا أمام رئيس ناجح أو صالح.
أستند فى هذه الحقيقة التى لا تحتاج لسند إلى الطبرى حين يحكى عن المنصور:
أما الطبرى فهو إمام المفسرين والمؤرخين، فهو المفسر والمؤرخ الأقدم والأهم للقرآن الكريم وللأحداث والوقائع الإسلامية حتى نهاية القرن الثالث الهجرى.
أما المنصور فهو الخليفة العباسى الأشهر.. فماذا قال الطبرى فى كتابه عن «تاريخ الرسل والملوك»، ذكر لنا أن الخليفة المنصور فى حقيقته رجل تقى، محافظ على صلاته، ويرفض أن تُقدم الخمرة على مائدته.
ولم يكن ممن يستمعون إلى الموسيقى، فقد حكى أحد خدمه المقربين وهو حماد التركى، أنه سمع ضجة عندما كان مع الخليفة فى الجانب الآخر من القصر، فأمر بأن تُكسر آلة العزف على رأس عازفه، وأن يباع فى سوق النخاسين العام.
وكان المنصور واعظا وخطيبا مفوها، فكان الخليفة العباسى الوحيد الذى اكتسب شهرة عظيمة فى فن الخطابة عند العامة، واعتاد أن يحض الناس وهو يخطب فى صلاة الجمعة بالمسجد الجامع على التقوى، ويطلب من المصلين نُصح الخليفة وتذكيره، إن هو أخطأ!
يوم الخليفة المنصور كما يصوره الطبرى فى كتابه يبدأ قبل الفجر حين يذهب إلى مصلاه الخاص، وقبل أن تشرق الشمس يجتمع بأهل بيته للصلاة قبل ذهابه إلى الإيوان لينظر فى أمور الدولة فى مجلسه الصباحى، ثم يقضى فترة ما بعد الظهر (القيلولة) فى محادثات هادئة مع أفراد عائلته، وبعد انتهائه من صلاة العشاء يجلس للنظر فى مراسلاته، ومناقشة الأمور مع مستشاريه، بعد ذلك يخلد إلى الراحة فى حوالى الساعة العاشرة مساء.
تعالَ نشوف بقى النقىَّ التقىَّ الذى لا يترك فرضا والذى يعظ الناس بمناصحته لو أخطأ، ماذا فعل؟
قبل أن يغادر المنصور إلى مكة لأداء فريضة الحج فى السنة التى توفى فيها، أعطى تعليمات من نوع خاص جدا لريطة زوجة ابنه وولى عهده «المهدى»، الذى كان فى ذلك الوقت فى إيران، كما سلمها مفاتيح جميع غرف ومخازن القصر، ولكنه أوصاها فى الوقت نفسه بعدم فتح غرفة واحدة من هذه الغرف إلا إذا تأكدت من موته، وأن لا يدخلها أحد سواها وزوجها، وعندما وصل خبر وفاة المنصور فعلا فى الحجاز إلى سمْع ابنه وولى عهده المهدى، عاد فورا إلى بغداد لأخذ البيعة، فأخبرته زوجته ريطة عن المفتاح الذى تركه لها أمانة الخليفة والد زوجها، وحكت له عن أمره بأن لا ينفتح باب ذلك المخزن الخاص إلا فى حضورهما، ذهب ابن الخليفة المنصور مع زوجته وهما مشغولان تماما بالمفاجأة التى أعدها لهما والده، ما سر هذه القاعة؟ وما طبيعة هذا المخزن؟ وما الشىء الغامض الموجود فيه الذى كان الخليفة يمنع أى إنسان من الاقتراب منه حتى إنه بعد مماته لم يسمح بأن يفتح هذا الباب إلا ابنه وزوجته؟
أدار المهدى المفتاح فى قفل الباب الكبير العريض المزركش بالنقوش، وثمة رعشة تجتاح بدنه ويد زوجته تلامس كتفيه معلقة بنظراتها على خشب الباب حين ينفتح بصريره المفزع ليكشف عن قاعة كبيرة مقببة معتمة ومقبضة، دخلا من الباب ووقفا عند مدخل القاعة، فوقعت عيون المهدى وزوجته على منظر يقتلع القلوب ويشل العقول، جثث ملقاة على الأرض لجميع الأعمار من الرُّضَّع إلى المسنين لكل المعارضين الذين قتلهم والده الخليفة المنصور، كانت الجثة كاملة الأعضاء ومحنطة بطريقة متقنة ومحترفة، وقد وضع فى أذن كل جثة بطاقة نُقش عليها بدقة اسم ونسب الضحية.
كانت الجثث معرَّفة بالبطاقات ومصنّفة حسب السن وموضوعة حسب التاريخ، قاعة جثث محنطة للمخالفين والمعارضين للخليفة فى متحف مذهل فى كسره لكل قواعد الإنسانية وتحطيمه لكل تعليمات الإسلام، متناقضا مع مظاهر تدين الخليفة التى كان يلح عليها طيلة الوقت.
احتار المهدى وهو يرث حكم أبيه وجثث معارضيه المحنطة بالأختام المنقوشة عليها أسماء الضحايا، لماذا احتفظ الخليفة بالمجموعة المتنوعة البشعة من الجثث؟ إنه أمر محير، ربما أراد تذكير نفسه بأنه الأقوى والأخطر، ربما قساوة قلب وغلظة روح، قد تكون أفضل طريقة لدفنهم دون أن تصبح مقابرهم مقصدًا لمؤيديهم، أو شاهدًا على جرائم الخليفة أمام العامة.
كان المهدى مفجوعا بما شاهد وشهد، فما كان منه إلا أن أمر بنقل هذه الجثث بطريقة سرية، كى تدفن فى مقبرة بعيدة مجهولة.
عدْلُ الحاكم ليس بصلاته أمام الناس وخُطبته أمام المصلين.. بل بالمفتاح الذى يتركه لمن يَخلُفه!
وهذا شىء طيب لو لم يكن رئاء الناس، لكن يبقى أن هذه التصرفات المتدينة لا تعنى أننا أمام حاكم صالح.
قد يكون الرئيس مرسى عند الله أتقى رجل فى التسعين مليون مصرى، لكن هذا كذلك لا يعنى أننا أمام رئيس ناجح أو صالح.
أستند فى هذه الحقيقة التى لا تحتاج لسند إلى الطبرى حين يحكى عن المنصور:
أما الطبرى فهو إمام المفسرين والمؤرخين، فهو المفسر والمؤرخ الأقدم والأهم للقرآن الكريم وللأحداث والوقائع الإسلامية حتى نهاية القرن الثالث الهجرى.
أما المنصور فهو الخليفة العباسى الأشهر.. فماذا قال الطبرى فى كتابه عن «تاريخ الرسل والملوك»، ذكر لنا أن الخليفة المنصور فى حقيقته رجل تقى، محافظ على صلاته، ويرفض أن تُقدم الخمرة على مائدته.
ولم يكن ممن يستمعون إلى الموسيقى، فقد حكى أحد خدمه المقربين وهو حماد التركى، أنه سمع ضجة عندما كان مع الخليفة فى الجانب الآخر من القصر، فأمر بأن تُكسر آلة العزف على رأس عازفه، وأن يباع فى سوق النخاسين العام.
وكان المنصور واعظا وخطيبا مفوها، فكان الخليفة العباسى الوحيد الذى اكتسب شهرة عظيمة فى فن الخطابة عند العامة، واعتاد أن يحض الناس وهو يخطب فى صلاة الجمعة بالمسجد الجامع على التقوى، ويطلب من المصلين نُصح الخليفة وتذكيره، إن هو أخطأ!
يوم الخليفة المنصور كما يصوره الطبرى فى كتابه يبدأ قبل الفجر حين يذهب إلى مصلاه الخاص، وقبل أن تشرق الشمس يجتمع بأهل بيته للصلاة قبل ذهابه إلى الإيوان لينظر فى أمور الدولة فى مجلسه الصباحى، ثم يقضى فترة ما بعد الظهر (القيلولة) فى محادثات هادئة مع أفراد عائلته، وبعد انتهائه من صلاة العشاء يجلس للنظر فى مراسلاته، ومناقشة الأمور مع مستشاريه، بعد ذلك يخلد إلى الراحة فى حوالى الساعة العاشرة مساء.
تعالَ نشوف بقى النقىَّ التقىَّ الذى لا يترك فرضا والذى يعظ الناس بمناصحته لو أخطأ، ماذا فعل؟
قبل أن يغادر المنصور إلى مكة لأداء فريضة الحج فى السنة التى توفى فيها، أعطى تعليمات من نوع خاص جدا لريطة زوجة ابنه وولى عهده «المهدى»، الذى كان فى ذلك الوقت فى إيران، كما سلمها مفاتيح جميع غرف ومخازن القصر، ولكنه أوصاها فى الوقت نفسه بعدم فتح غرفة واحدة من هذه الغرف إلا إذا تأكدت من موته، وأن لا يدخلها أحد سواها وزوجها، وعندما وصل خبر وفاة المنصور فعلا فى الحجاز إلى سمْع ابنه وولى عهده المهدى، عاد فورا إلى بغداد لأخذ البيعة، فأخبرته زوجته ريطة عن المفتاح الذى تركه لها أمانة الخليفة والد زوجها، وحكت له عن أمره بأن لا ينفتح باب ذلك المخزن الخاص إلا فى حضورهما، ذهب ابن الخليفة المنصور مع زوجته وهما مشغولان تماما بالمفاجأة التى أعدها لهما والده، ما سر هذه القاعة؟ وما طبيعة هذا المخزن؟ وما الشىء الغامض الموجود فيه الذى كان الخليفة يمنع أى إنسان من الاقتراب منه حتى إنه بعد مماته لم يسمح بأن يفتح هذا الباب إلا ابنه وزوجته؟
أدار المهدى المفتاح فى قفل الباب الكبير العريض المزركش بالنقوش، وثمة رعشة تجتاح بدنه ويد زوجته تلامس كتفيه معلقة بنظراتها على خشب الباب حين ينفتح بصريره المفزع ليكشف عن قاعة كبيرة مقببة معتمة ومقبضة، دخلا من الباب ووقفا عند مدخل القاعة، فوقعت عيون المهدى وزوجته على منظر يقتلع القلوب ويشل العقول، جثث ملقاة على الأرض لجميع الأعمار من الرُّضَّع إلى المسنين لكل المعارضين الذين قتلهم والده الخليفة المنصور، كانت الجثة كاملة الأعضاء ومحنطة بطريقة متقنة ومحترفة، وقد وضع فى أذن كل جثة بطاقة نُقش عليها بدقة اسم ونسب الضحية.
كانت الجثث معرَّفة بالبطاقات ومصنّفة حسب السن وموضوعة حسب التاريخ، قاعة جثث محنطة للمخالفين والمعارضين للخليفة فى متحف مذهل فى كسره لكل قواعد الإنسانية وتحطيمه لكل تعليمات الإسلام، متناقضا مع مظاهر تدين الخليفة التى كان يلح عليها طيلة الوقت.
احتار المهدى وهو يرث حكم أبيه وجثث معارضيه المحنطة بالأختام المنقوشة عليها أسماء الضحايا، لماذا احتفظ الخليفة بالمجموعة المتنوعة البشعة من الجثث؟ إنه أمر محير، ربما أراد تذكير نفسه بأنه الأقوى والأخطر، ربما قساوة قلب وغلظة روح، قد تكون أفضل طريقة لدفنهم دون أن تصبح مقابرهم مقصدًا لمؤيديهم، أو شاهدًا على جرائم الخليفة أمام العامة.
كان المهدى مفجوعا بما شاهد وشهد، فما كان منه إلا أن أمر بنقل هذه الجثث بطريقة سرية، كى تدفن فى مقبرة بعيدة مجهولة.
عدْلُ الحاكم ليس بصلاته أمام الناس وخُطبته أمام المصلين.. بل بالمفتاح الذى يتركه لمن يَخلُفه!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات