الأقسام الرئيسية

الأحزاب الكارتونية واستخدام الضد النوعي.. صناعة من ولماذا؟

. . ليست هناك تعليقات:


تتكاثر الأحزاب بشكل عبثي ما أن تواجه البلاد أزمات سياسية طاحنة. لعل من مفارقات هذا التكاثر هو عبثيته ليكون المسيحي عضوا في حزب اسلامي والكردي عضوا في حزب قومي عربي.

ميدل ايست أونلاين


بقلم: عبدالغني علي يحيى


أثار اكثر من علامة تعجب واستفهام، تعيين حزب الحرية والعدالة المصري المصنف على الاسلام السياسي وتيار الاخوان المسلمين بالذات، للمفكر القبطي د. رفيق حبيب نائباً لرئيس الحزب مع مشاركة نحو93 قبطياً في هيئة التأسيسية، كل ذلك للايحاء بتمثيل الحزب لكل المصريين بمن فيهم الأقباط الذين لايستهان بثقلهم في الحياة السياسیة والاجتماعية والثقافية المصرية. غير مبال، أي الحزب، بالحرج الذي من شأنه ان يحدثه لنفسه وللأقباط المنضمين اليه في أن معاً.. مسيحي في حزب اسلامي! ومن غير أن يأخذ بالبال أيضاً خرافة وبؤس الحزب المعبر عن الجميع أو الممثل الوحيد للشعب الذي يعني الشمولية المدانة والتي غالباً ما تلجأ اليها الأحزاب السلطوية ذات النزعات الدكتاتورية في بلدان العالم الثالث في مسعى منها لقهر المكونات الاجتماعية المغلوبة على أمرها والتي تنشد صيغاً من الحكم تكفل لها الحرية مثل: الحكم الذاتي والفدرالية والكونفيدرالية والاستقلال، فهيهات أن يكون اسناد المناصب الحزبية أو الحكومية الى الافراد من تلك المكونات بديلاً عن تلك الصيغ.

والأصح في الحالة المصرية أو أيه حالة مماثله لها، الأقرار بحق الأقباط في تأسيس أحزاب خاصة بهم وحقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم في حال توفر شروط القومية المتعارف عليها فيهم لغرض بناء دولتهم المستقلة وبعكسه يجب اطلاق أوسع الحريات لهم، والذي لن يتحقق اطلاقاً في دولة تستمد قوانينها واحكامها من الدين، أي دين، فالصواب هوفصل الدين عن الدولة،وتجنب تزييف الأرادة الحرة للأخر أو البحث عن واجهات وكيانات حزبية مصطنعة لخداع الرأي العام، ويتبين ان الاخوان المسلمين في مصر قد ضمنوا الفوز بالسلطة، ويريدون ان يكون 100% أو 99% بكسبهم للأقباط الى جانبهم، وهوطموح غير مشروع البته لأنه يشكل تجاوزاً على حقوقهم في ممارستهم للحرية.

دع جانباً القول، ان الواجهات الحزبية (حزب الحرية والعدالة مثالاً)، ماهي الا ضد نوعي يستخدم ضد الاقليات الدينية والقومية. والذي أى الضد النوعي طبق في العراق باشكال مختلفة وفي عهود مختلفة سادتها الدكتاتورية. فعند اندلاع الثورة الكردية في عام 1961 ضد حكومة عبدالكريم قاسم فأن تلك الحكومة، شكلت ميليشيات كردية (الجاش) لمحاربة الكرد بالكرد. وبعد أستئناف القتال عام 1974 بين تلك الثورة وحكومة البعث فأن الأخيرة وسعت من مبدأ الضد النوعي فأسست ثلاثة احزاب اصطلح على تسميتها بـ"الكارتوني" وهي: الحزب الديموقراطي الكردستاني والحزب الثوري الكردستاني وحركة القوميين الاكراد. ولم تتوقف عند هذا الحد بل زجت عنوة بألا لاف من الكرد والتركمان والمسيحيين والشيعة في حزب البعث على الضد من ارادتهم ورغبتهم طبعاً. كل هذا من غير أن يجعل منه حزباً لكل العراقيين وفي أي يوم من الأيام بل ظل حزباً طائفياً شوفينياً عنصرياً في نظر العراقيين كافة وبقي منبوذاً الى يومنا هذا.

ان لفكرة الأحزاب الكارتونية والضد النوعي تأريخ في الحياة الحزبية والسياسية العراقية، مثال ذلك قيام حكومة عبدالكريم قاسم بتأسيس "مجلس السيادة" بعد انقلاب 14 تموز 1958 من سني وشيعي وكردي ورغم ذلك ظل الشيعة والكرد مضطهدين وبقي النظام سنياً طائفياً. وعندما تقدم الحزب الشوعي العراقي في عهده بطلب ممارسة النشاط العلني، فان قاسم رد عليه بتأسيس حزب شيوعي عميل له. أصدر صحيفة "المبدأ" وذلك لمعارضة الحزب الشيوعي العراقي وصحيفته "اتحاد الشعب" به مع سقوط قاسم ونظامه عام 1963 فقد أختفى ذلك الحزب ولم يعد له ذكر مثلما اختفت الأحزاب الكردية الكارتونية الثلاثة التي شكلها حزب البعث اثر سقوطه ونظامه عام 2003. وبعد زوال حكومة البعث في ذلك العام وفي أجواء التحولات الثورية والاندفاعات الجماهيرية. فأن ظاهرة الأحزاب الكارتونية والرموز من النوع الذي يرتضي لنفسه لعب دور الضد النوعي لم تختفي، بل بقيت وتجلت بشكل صارخ في أئتلاف "العراقية" الذي احتضن رموزاً كردية وتركمانية ومسيحية وشيعية وما يزال للتدليل على أنه يمثل العراقيين كافة. الا أنه في حقيقة الأمر يمثل السنة العرب فقط، وفي الموصل وهذا على سبيل المثال لم تتورع قائمة الحدباء الوطنية الانتخابية المنضوية تحت لواء ائتلاف العراقية من محاربة قائمة "نينوى المتأخية" الأنتخابية الكردستانية، برموز كردية معظمها ان لم نقل جميعها كانت محسوبة على نظام البعث السابق في وقت تمثل فيه "نينوى المتأخية" اكثر من مليون مواطن في محافظة نينوى وتسيطر على 16 وحدة ادارية.

في السابق، سيما في العهدين الملكي والجمهوري الأول والى نحو منتصف السبعينات من القرن الماضي، لم تكن للاقليات الدينية والقومية والمذهبية العراقية، حتى المكون الأجتماعي الشيعي الاكبر، احزابها وكانت تتوزع بدرجة أولى على ثلاثة أحزاب رئيسية: الحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث والحزب الديموقراطي الكردستاني، وبعد تعقد الحياة السياسية وتطورها وانتهاج حزب البعث للسياسات العنصرية والطائفية والممارسات الفاشية فقد ظهرت احزاب شيعية ومسيحية وتركمانية جنباً الى جنب الاحزاب الثلاثة المذكورة، وكان ذلك منها خطوة على الطريق الصحيح، وما على الاحزاب الكبيرة الممثلة للمكونات الكبيرة، الا أن تحترم ارادة المكونات الصغيرة من قومية ودينية في تأسيس احزاب ومنظمات خاصة بها تمثلها. مع تحاشي وتجنب احياء ظاهرة الاحزاب الكارتونية أو تطبيق "الضد النوعي" والكف عنها، اذ مما يؤسف له ان هذه الظاهرة مازالت قائمة، ولا يغيب عن البال أن أحزاب المكونات الصغيرة مهما كانت سلبية وحتى سيئة فأنها أفضل لها من احزاب المكونات الاجتماعية الكبيرة الراعية للظاهرة المدانة موضوع البحث.

حبذا لو الغيت وقبرت الى الأبد ظاهرة الاحزاب الكارتونية في الحياة السياسية والحزبية بالمرة أسواء في العراق او مصر او اي بلد اخر وكذلك النهج السيء الصيت (الضد النوعي). ومن المتوقع ان تنتعش الظاهرة في أجواء الثورات والانتفاضات وسقوط الدكتاتوريات، فعندما مات فرانكو شهدت اسبانيا ميلاد 184 حزباً ومنظمة سياسية، وفي تونس وبعد سقوط نظام بن علي طالب اكثر من 81 حزباً سياسياً بتراخيص عمل وقل الشئ ذاته عن مصر. ولا أغالي اذا قلت ان اكثرية الاحزاب التي تظهر بعد سقوط الانظمة الدكتاتورية، هي كارتونية من صنع الاحزاب الكبيرة او القوى الخارجية، تعترض المسيرة الديمقراطية وتعيق تقدمها. وفي خدمة تحقيق اهداف احزاب كبيرة.

عبدالغني علي يحيى

al_botani2008@yahoo.com

رئيس تحرير صحيفة "راية الموصل" الموصلية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer