أعلان الهيدر

16‏/01‏/2011

الرئيسية الاقتصاد الأخضر حلّ لأزمات المال... والبيئة

الاقتصاد الأخضر حلّ لأزمات المال... والبيئة


الأحد, 16 يناير 2011
القاهرة - مي الشافعي

اختُتم العام المنصرم على مشهد خطير بيئياً، إذ فشل مؤتمر المناخ في كانكون (المكسيك) في إنقاذ بروتوكول «كيوتو» المتصل بخفض انبعاث الغازات المُلوِّثة للغلاف الجوي والمسؤولة عن ظاهرة الاحتباس الحراري. ولا يشكّل التلوّث سوى رأس جبل الجليد في مشاكل بيئة الأرض التي تتفاقم باستمرار. هل الحلّ فعلاً هو أن يستمع قادة السياسة الى آراء أهل العِلم؟ ذلك ما أكّده عالم البيئة الدكتور محمد عبد الفتاح القصّاص، في حديث الى «الحياة»، التي التقته في مكتبه في كلية العلوم- جامعة القاهرة، وقُدّمت له تهنئة على اختياره عضواً في مجمع اللغة العربية.

بالعلِم لا بالسياسة

استهلّ القصّاص حديثة بالإشارة إلى إن التغيّرات المناخية من أخطر قضايا البيئة، لأنها تتصل بالتنمية، مبيّناً أن هناك مشكلة تتعلق بالعدل في تحمّل مسؤوليتها عالمياً. وأوضح أن العالم المتقدّم يُطالب دولاً ناشئة، مثل الصين والبرازيل والهند، بأن تخفض انبعاث غازات التلوّث بالقدر نفسه الذي تلتزم به الدول الصناعية، ما يمثّل مطلباً غير معقول.

وقال: «الدول الصناعية لوثت العالم أكثر من قرن، واستخدمت أشكال الوقود الأحفوري (وهو مصدر غازات التلوّث كلها). وتعتبر الولايات المتحدة المُلوّث الأول على الكوكب. إذاً، لا يمكن أن تكون المعاملة بالمثل. لا حل لهذه المشكلة إلا بصدق النيات، وأن يستمع قادة السياسة إلى أهل العلم، فغالباً ما تكون السياسة قصيرة النظر وترتبط بمصالح وتوازنات عدّة، ولذا فإن تسييس البيئة يضرّ بها».

وتحدّث القصّاص عن الاقتصاد، قائلاً: «العالم مقبل على زمن صعب جداً، ولا بد من التفكير بطريقة مختلفة. يعكف المفكرون في أوروبا الغربية على البحث في إنشاء علم اقتصاد جديد، إذ يعيش العالم خللاً اقتصادياً كبيراً، وأزمات مالية حادة، مع تفاقم البطالة وتدهور الموارد الطبيعية. إذاً، لا بد من نظرية اقتصادية جديدة تعتمد على فكرة التكامل، وليس التنافس. هناك بلاد بزغت عالمياً، ويجب أن تتفاهم الدول المتقدمة معها. نتحدث عن العولمة، فأي عولمة هي؟ أن تعيش بعض البلدان وتموت البقية؟ إن فكرة القطب الاقتصادي الأوحد والهيمنة لا تصلح الآن. لا بد من أن يتحوّل العالم إلى خيار التعاون وفكر الاقتصاد الأخضر الذي يتيح الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية لفائدة البشرية كلها».

ورأى القصّاص ضرورة أن يتنبّه العالم العربي إلى مسألة الطاقات الجديدة المتجددة، مع تركيز خاص على طاقة الشمس.

وقال: «يجب الاهتمام عربياً بطاقة الشمس، لأننا نملك إحدى أكبر مناطق السطوع الشمسي عالمياً. يمكن أن نستغل هذه الطاقة عربياً، بل ونُصدّرها إلى الآخرين. إذ تُشكّل الشمس مصدراً لا ينفد للطاقة. أُذكّر بأن 2010 شهد إنجازاً في تكنولوجيا خطوط نقل طاقة الكهرباء، إذ انخفض ما تفقده من 30 في المئة الى 3 في المئة، حتى لو سارت الخطوط آلاف الكيلومترات. ولنلاحظ أن التجربة على هذه التكنولوجيا جرت في محطات أميركية للطاقة الشمسية في ولاية نيفادا، وقد نُقِلَت كهرباؤها إلى شيكاغو، على بعد آلاف الكيلومترات.

وتعتزم الحكومة الأميركية استخدام هذه التقنية الجديدة، وتغيير الشبكات كلها من أجل توفير الطاقة».

وأشار القصّاص إلى اهتمام ألمانيا بفكرة الطاقة الشمسية في شمال أفريقيا. ثم تناول الطاقة البيولوجية والوقود الحيوي واستعمال بعض المحاصيل الغـذائـيـة في إنـتـاج الطـاقـة، مشدّداً على خطورة هذا الاتجاه إذا استُخدمت محاصيل مثل الذرة والـقـمح، وهي مـن غـذاء الإنسـان. واعتبر أن من المـمـكن اسـتـخدام أنـواع أخرى من المزروعات، مـثـل نباتات الجيتروفا، التي استـُعـمل زيـتـهـا وقـوداً في تـجـربـة جـرت في الـظـهـير الصحراوي في مصر.

وتحدّث القصّاص عن تجارب البرازيل في إنتاج الطاقة من قصب السكر بعد تحويله إلى إيثانول، وقال: «قرّر الرئيس السابق جورج بوش أن يحوّل ثلث المحصول الأميركي من الحبوب إلى إنتاج الوقود الحيوي. لكن هذا خطأ كبير. في حال قصب السكر، يلزم طاقة لتحويله إلى كحول، وكل وحدة طاقة من قصب السكر تعطي 8 وحدات طاقة. وفي الحبوب، كالذرة والقمح، كل وحدة طاقة تعطي 1.3 وحدة طاقة، مع إهدار غذاء الإنسان. وأعتقد أن قرار بوش لا يحلّ مشكلة الطاقة، بل مشكلة سوق الحبوب لدى الفلاح الأميركي».

حصيلة بائسة للتنوّع الحيوي

وتحدّث القصّاص عن قضية التنوّع البيولوجي، الذي كُرّس عام 2010 له، وقال: «لا يزال العالم يفقد الكثير من الأنواع، ولا يعرف الناس أهمية التنوّع الحيوي، الذي يشمل التنوّع الوراثي الثري في الأنواع الحيّة، وتنوّع نُظُم البيئة مثل النظُم في البحر والمراعي والغابات والزراعة والري. إنها نُظُم بيئية تخدمنا وتقدم لنا سلعاً وخدمات أيضاً. ومثلاً، تعطي النحلة العسل وفي الوقت نفسه تنقل حبوب اللقاح اللازم لتكاثر النباتات. ولكن للأسف، لا يحافظ الناس على هذه النظُم، ما يهدد مباشرة حياتهم وخططهم للتنمية. نحن حتى الآن لم نعرف كل الكائنات على كوكبنا، ولكن قد تستطيع أجيال مقبلة التعرّف عليها. هناك كائنات كنا لا نلتفت إليها البتة، لكنها مهمة، كبعض كائنات البحر الأحمر، التي ثبت أنها تعالج السرطان. وقد قادتنا بحوث التنقيب في دواخل الكائنات الحيّة للتعرّف على الجينات الوراثية التي قد تعيننا على استزراع محاصيل تتحمل ظروفاً مناخية مختلفة، ما يساهم في إيجاد حلّ لمشكلة الغذاء. ولذا، أعلنت الأمم المتحدة العقد المقبل (من 2011 إلى 2021) عقداً للتنوّع الحيوي».

وتحدّث القصّاص عن توقعاته بالنسبة لأزمة مياه النيل، والخلاف بين دول المصبّ والمنابع، وأعرب عن اعتقاده بإمكان التوصل إلى اتفاق لتوقيع الإطار القانوني لمبادرة حوض نهر النيل لتتحول منظمةً دائمة، «إذا صدقت النيات». وشدد على ضرورة ان يحرص كل بلد في حوض النيل «على تحقيق أعلى كفاءة في استخدام المياه، واحترام العلم، والبحث معاً في طُرُق زيادة موارد نهر النيل، وهو هدف يمكن تحقيقه بالعلم. ويحتوي حوض النيل من الموارد المائية ما يكفي الجميع، وباستخدام العلم يمكن تقليل المفقود والمهدور.

ويــضاف إلى ذلك أن موارد الطاقة المستغلة في حوض النيل لا تزيد على العُشر، وتبقى تسعة أعشار يمكن استغلالها بتعاون الدول، وصدق النيات، واستخدام التكنولوجيا الحديثة».

وحذّر القصّاص من تفاقم مشكلة المياه العذبة في العالم العربي، على غرار ما يجري عالمياً. وأشار إلى «العشوائية التي تجعلنا نبني حمامات سباحة وأراضٍ للـعـب الغولف، ما يؤدي إلى هدر كميات كبيرة من الماء العذب في بلاد تحتاج إلى كل نقطة ماء».

وقال: «لا أمل لنا إلا بالاستماع إلى صوت العلم والعلماء. يجب إنشاء مـؤسـسات يطلق عليها مجمّعات الفكر، كي تجمع العلماء والخبراء وممثلي المجتمع المدني والأهلي وغيرهم. تؤمن مجمّعات الفكر هذه لهؤلاء أن يأتوا بتفكير مستقل في حل المشاكل ومجابهة التحديات. كما يجب أن تُحترم النتائج التي تصل إليها هذه المجمّعات، وألا توضع خطة أو مشروع إلا بعد المناقشة المستفيضة في مجمّعات الفكر، كما يحدث في دول العالم المتقدم. كذلك أرى بعض الخطوات المشجّعة في عدد من الجامعات العربية، وفي وجود بعض المؤسسات العلمية.

ويحدوني الأمل بألا تتحوّل هذه الإيجابيات إلى مجرد استعراض مظهري له شكل حضاري. لا بد من أن يكون لها خطط وسياسات واضحة، كي توضع في خدمة التنمية. ويجب التركيز كثيراً على التعاون العربي- العربي، وكذلك التعاون العربي- الإفريقي في زمن انتشار التكتلات الإقليمية عالمياً».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.