فى وقت من الأوقات، كانت «الوحدة» أملا ومطمحا تناضل الشعوب من أجله وتضحى فى سبيله. وفى الخمسينيات من القرن الماضى ارتفع شعار الوحدة بين مصر والسودان كهدف وطنى. ثم وقع الانفصال بينهما. ونجحت الواقعية السياسية والجغرافية فى الإبقاء على علاقات الأخوة بحكم أواصر القربى والجوار والمصلحة المشتركة. ثم ولدت «الوحدة العربية» من رحم الحرب العالمية الثانية والأخطار التى تهدد الدول العربية حديثة الاستقلال. ووجدت «الوحدة» غطاءها فى الجامعة العربية. التى حافظت على مفهوم الوحدة دون أن تتقدم به فى الواقع العملى.
وبينما مضت تجارب «الوحدة» نحو قدر كبير من النجاح على مستوى العالم ــ كما فى الاتحاد الأوروبى فقد بقيت مجرد رمز يتطلع العرب إلى تحقيقه دون تقدم يذكر. حتى انتهى بنا الوضع إلى «الحالة السودانية» الراهنة التى أصبح فيها «الخلاص من الوحدة» هو الحل، لحقن الدماء بعد عقود من التمرد والحروب راح ضحيتها نحو مليون نسمة!!
لم يكن انفصال الجنوب عن الشمال ــ الذى جرى الاستفتاء عليه أخيرا ولن تظهر نتائجه النهائية إلا فى يوليو القادم ــ عملية سهلة. ولكنه على الأرجح أشبه بعملية جراحية معقدة غير مأمونة العواقب لفصل توأمين ملتصقين فى أجزاء مختلفة من الجسم، تشرف عليها وتنفذها وتستفيد منها بالدرجة الأولى الولايات المتحدة الأمريكية. التى استثمرت فيها أموالا ومساعدات ضخمة وبعثت فريقا من الدبلوماسيين والخبراء على رأسهم السناتور جون كيرى رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس، لتذليل العقبات وتطويع حكومة البشير فى الشمال لإتمام الاستفتاء والحيلولة دون انفجار الموقف إلى نشوب قتال جديد بين الشمال والجنوب، يعرقل النهاية المحتومة لـ55 عاما من الوحدة القاتلة.
وقد كان واضحا منذ البداية أن سياسات البشير الذى استغل تطبيق الشريعة كسلاح للضغط على سكان الجنوب الذى يتشكل من قبائل وأعراق وأديان مختلفة لا يمثل فيها المسلمون غير 18٪ من مجموع أهلها البالغ عددهم 8 ملايين نسمة، هى التى عجلت بهروب الجنوبيين إلى خيار الانفصال. وبلغ من قصر نظر هذه السياسات تهديدها العلنى بأنها لن تسمح لأبناء الجنوب بالإقامة فى الشمال دون تصريح. ولا باكتساب جنسية مزدوجة. وهو ما قد يخلق مشكلات جديدة تدفع حكومة الجنوب إلى المعاملة بالمثل وطرد الشماليين الذين استقروا فيها. ويولد حزازات سوف تعيق حاجة الطرفين لإقامة علاقات ودية تحافظ على مصالحهما.
غير أن سلوك كل طرف إزاء الآخر بعد الانفصال، سوف يتوقف إلى حد كبير على حل حزمة من المشكلات المعقدة، من بينها رسم الحدود بين الدولتين، والاتفاق على تقسيم عائدات النفط فى منطقة أبيى، والتوصل إلى إدارة مشتركة لها بحكم موقعها الحساس فی منطقة الحدود بين الشمال والجنوب.
وبينما تمضى عملية الاقتراع إلى نهايتها بسهولة وبدعم أمريكى واضح، يزداد قلق المعارضة السودانية فى الشمال بزعامة حزب الأمة الذى يرأسه الصادق المهدى، والذى يتهم نظام الإنقاذ بقيادة البشير بالمسئولية عن انفصال الجنوب. وهو يطالب حكومة البشير بتسهيل عملية الانفصال دون مشاكل، والالتفات إلى الأخطار المحدقة بالسودان الشمالى فى ضوء التطورات المرتقبة لمشكلة دارفور. ويقترح المهدى تشكيل حكومة وطنية ووضع دستور جديد يضمن التعددية ويرسى قواعد المواطنة ويحترم تنوع الثقافات.. والتعامل مع الأوضاع الدولية بمزيد من الحنكة والمرونة!
لا أحد يريد أن تتحقق النبوءات التى أنذرت بأن الانفصال سوف يؤدى إلى تسميم العلاقات بين الشمال والجنوب، وإثارة العديد من المشاكل الإقليمية، وتشجيع أجزاء أخرى من السودان على المطالبة بالانفصال. ولكن الخسارة الحقيقية ستكون فى قيام دولتى استبداد إحداهما فى الشمال بين يدى حزب البشير، والثانية فى الجنوب برياسة سيلفاكير إيذانا بنهاية التعددية فى السودان والدخول فى نفق مظلم. ولكن الدرس الذى يجب أن نتعلمه هو أن الوحدة حين تصبح عبئا ثقيلا على الشعوب يصعب احتماله، فقد يكون الانفصال هو حبل النجاة للإنقاذ كما حدث فى السودان!!
وبينما مضت تجارب «الوحدة» نحو قدر كبير من النجاح على مستوى العالم ــ كما فى الاتحاد الأوروبى فقد بقيت مجرد رمز يتطلع العرب إلى تحقيقه دون تقدم يذكر. حتى انتهى بنا الوضع إلى «الحالة السودانية» الراهنة التى أصبح فيها «الخلاص من الوحدة» هو الحل، لحقن الدماء بعد عقود من التمرد والحروب راح ضحيتها نحو مليون نسمة!!
لم يكن انفصال الجنوب عن الشمال ــ الذى جرى الاستفتاء عليه أخيرا ولن تظهر نتائجه النهائية إلا فى يوليو القادم ــ عملية سهلة. ولكنه على الأرجح أشبه بعملية جراحية معقدة غير مأمونة العواقب لفصل توأمين ملتصقين فى أجزاء مختلفة من الجسم، تشرف عليها وتنفذها وتستفيد منها بالدرجة الأولى الولايات المتحدة الأمريكية. التى استثمرت فيها أموالا ومساعدات ضخمة وبعثت فريقا من الدبلوماسيين والخبراء على رأسهم السناتور جون كيرى رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس، لتذليل العقبات وتطويع حكومة البشير فى الشمال لإتمام الاستفتاء والحيلولة دون انفجار الموقف إلى نشوب قتال جديد بين الشمال والجنوب، يعرقل النهاية المحتومة لـ55 عاما من الوحدة القاتلة.
وقد كان واضحا منذ البداية أن سياسات البشير الذى استغل تطبيق الشريعة كسلاح للضغط على سكان الجنوب الذى يتشكل من قبائل وأعراق وأديان مختلفة لا يمثل فيها المسلمون غير 18٪ من مجموع أهلها البالغ عددهم 8 ملايين نسمة، هى التى عجلت بهروب الجنوبيين إلى خيار الانفصال. وبلغ من قصر نظر هذه السياسات تهديدها العلنى بأنها لن تسمح لأبناء الجنوب بالإقامة فى الشمال دون تصريح. ولا باكتساب جنسية مزدوجة. وهو ما قد يخلق مشكلات جديدة تدفع حكومة الجنوب إلى المعاملة بالمثل وطرد الشماليين الذين استقروا فيها. ويولد حزازات سوف تعيق حاجة الطرفين لإقامة علاقات ودية تحافظ على مصالحهما.
غير أن سلوك كل طرف إزاء الآخر بعد الانفصال، سوف يتوقف إلى حد كبير على حل حزمة من المشكلات المعقدة، من بينها رسم الحدود بين الدولتين، والاتفاق على تقسيم عائدات النفط فى منطقة أبيى، والتوصل إلى إدارة مشتركة لها بحكم موقعها الحساس فی منطقة الحدود بين الشمال والجنوب.
وبينما تمضى عملية الاقتراع إلى نهايتها بسهولة وبدعم أمريكى واضح، يزداد قلق المعارضة السودانية فى الشمال بزعامة حزب الأمة الذى يرأسه الصادق المهدى، والذى يتهم نظام الإنقاذ بقيادة البشير بالمسئولية عن انفصال الجنوب. وهو يطالب حكومة البشير بتسهيل عملية الانفصال دون مشاكل، والالتفات إلى الأخطار المحدقة بالسودان الشمالى فى ضوء التطورات المرتقبة لمشكلة دارفور. ويقترح المهدى تشكيل حكومة وطنية ووضع دستور جديد يضمن التعددية ويرسى قواعد المواطنة ويحترم تنوع الثقافات.. والتعامل مع الأوضاع الدولية بمزيد من الحنكة والمرونة!
لا أحد يريد أن تتحقق النبوءات التى أنذرت بأن الانفصال سوف يؤدى إلى تسميم العلاقات بين الشمال والجنوب، وإثارة العديد من المشاكل الإقليمية، وتشجيع أجزاء أخرى من السودان على المطالبة بالانفصال. ولكن الخسارة الحقيقية ستكون فى قيام دولتى استبداد إحداهما فى الشمال بين يدى حزب البشير، والثانية فى الجنوب برياسة سيلفاكير إيذانا بنهاية التعددية فى السودان والدخول فى نفق مظلم. ولكن الدرس الذى يجب أن نتعلمه هو أن الوحدة حين تصبح عبئا ثقيلا على الشعوب يصعب احتماله، فقد يكون الانفصال هو حبل النجاة للإنقاذ كما حدث فى السودان!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات