الأحد, 02 يناير 2011
في العام 2010 أنتجت السينما العالمية فيلم «شبكة إجتماعية» Social Network (للمخرج ديفيد فينشر)، فوُصِف بأنه أول فيلم عن الإنترنت. ولاقتها السينما المصرية، من بعيد وبمستوى أقل كثيراً، بفيلم «اللمبي 8 جيجا» (إخراج أشرف فايق). وعالمياً، هزّت الإنترنت عوالم السياسة والاقتصاد بفضل مئات آلاف الوثائق المُسربّة من وزارة الخارجية الأميركية، عبر موقع «ويكيليكس» WikiLeaks. وفي مصر، لم تُحدِث الإنترنت أثراً مُشابهاً، ولكنها عاشت 2010 باعتبارها سنة من الإنجازات والإخفاقات والسقطات أيضاً. وحقّقت الشبكة الإلكترونية العنكبوتية في مصر إنجازاً عددياً، إذ وصل عديد جمهور الإنترنت مصرياً إلى 22 مليون مستخدم (بحلول نهاية آب/ أغسطس الماضي)، بزيادة نسبتها 42 في المئة عن الفترة نفسها من 2009. وبحسب إحصاءات وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فإن عدد مستخدمي الشبكة العنكبوتية يزيد بنحو نصف مليون مستخدم جديد شهرياً في مصر.
وعلى رغم تفاؤل هذه الأرقام، هناك إنطباع بأن توسّع الإنترنت ما زال حكراً على فئات بعينها، خصوصاً التي تتمتع بمستوى جيّد من الدخل. وثمة من يرى أن الزخم الإلكتروني يتركز في أبناء الطبقة المتوسطة وهي الأشدّ إلتصاقاً بالواقع المصري، والأكثر إهتماماً ببذل الجهد من أجل التغيير. ويُذكّر ذلك بأن تغيير الأوضاع كان عنوان حملة الدكتور محمد البرادعي، المدير العام السابق لـ»وكالة الطاقة الذرية». ولمع نجمه فجأة في مطلع عام 2010، إذ رآه البعض عاملاً مساعداً على إنجاز معادلة التغيير الإجتماعي سلمياً. وإلتقطت الإنترنت زخم الحراك الذي أحدثه البرادعي وأنصاره، الذين لم يتركوا أداة إلكترونية إلا واستخدموها، خصوصاً «تويتر» و»فايسبوك» وساحات الدردشة وغيرها. وأطلقوا حملة جمع التوقيعات، فإنتقلت بسرعة من الساحة الإلكترونية إلى الشوارع وأبواب البيوت. وأظهر الحراك العنكبوتي تأييداً لافتاً للبرادعي.
وكان من الطبيعي أن يستيقظ النظام والحزب الوطني الحاكم على هذا «الكابوس» الداعي إلى التغيير. وجرى السعي لردٍ مفحم، فإنطلقت مواجهة عنكبوتية، شارك فيها الشارع ووزارة الداخلية.
وظهرت حملات مضادة على «فايسبوك» تدعم جمال مبارك مرشحاً للرئاسة. وطالبت بجمع خمسة ملايين توقيع، في ردٍ ضمني على توصّل حملة البرادعي لجمع مليون توقيع. واختارت الحملات لنفسها أسماء شديدة الشبه بحملات تأييد البرادعي. فعلى وزن «الحملة الشعبية لدعم البرادعي ومطالب التغيير» ظهرت «الجبهة الشعبية لتأييد جمال مبارك» و»الحملة الشعبية لحماية مصر من البرادعي» وغيرهما.
وعلى رغم أن الحملات المضادة لم تحظ بتأييد واسع من الجمهور الإلكتروني، نجح بعضها في تقليص شعبية البرادعي، كما ألحق بعض الضرر بسمعته. وباختصار، خفت الصوت الإلكتروني للبرادعي تدريجاً.
«يوتيوب» يعادي البلطجة
أشعلت انتخابات مجلس الشعب منتديات الإنترنت ومواقعها، بطريقة شكلية تماماً. وحتى جماعة «الإخوان المسلمين» التي تمتلك مقدارا كبيراً من التنظيم في عملها على الإنترنت، تاهت في الجدل الفوضوي حول الانتخابات.
وشهد عام 2010 إنسحاباً لافتاً للمُدوّنات الإلكترونية التي ظن البعض أنها ستكون إحدى أهم آلات تحقيق الديموقراطية، عند بزوغ فجرها قبل قرابة 5 سنوات. تشتت إنتباه بعضها إلى قضايا أخرى غير التغيير إجتماعياً. واختفى البعض الآخر. وأثبت «قرصات الأذن» المتتالية من قِبل الأمن أنها تؤدي الى نوع من الرقابة الذاتية عند أصحاب المُدوّنات الإلكترونية.
فمثلاً مُدوّنة «الوعي المصري» الشهيرة لصاحبها المُدوّن وائل عباس، التي ترفع شعار «إللي على مزاج صاحبها إللي مش بيشتغل عند حد»، أصبحت شبه متفرّغة لتغطية أخبار صاحبها، والكلمات التي يلقيها في بعض المؤتمرات والندوات.
ويمكن القول ان «فايسبوك» قد حل محل المُدوّنات الإلكترونية في قائمة إهتمام جمهور الانترنت في مصر، خصوصاًً الشباب المهتمّ بالسياسة الذي رأى في الموقع ملاذاً آمناً نسبياً عن أذرع الأمن وآذان النظام. وعلى رغم أن عدد مستخدمي «فايسبوك» لا يتعدى خمسة في المئة من المصريين، أثبت قدرته الفائقة على تنظيم جهودهم، إضافة إلى منحهم مساحة للحوار الحرّ.
وفي ما يشبه رد الفعل رسمياً على هذا الأمر، نقلت أقنية التلفزة الرسمية مطالب بـ»إغلاق» موقع «فايسبوك» الذي وصفته تلك الأقنية بأنه لا يحمل سوى المساوئ وتشويه السمعة وإلحاق الضرر بالدولة.
في المقابل، أدى الهجوم الرسمي الضاري إلى إفراز كمية كبيرة من الطرائف والنكت التي سرت عبر الإنترنت بين الملايين في ساعات قليلة، وانتقلت منها إلى ساحات إعلامية غربية. وأشّر هذا الأمر الى أن التقنيات الإلكترونية وعصر السموات المفتوحة والحرية العنكبوتية غير المحدودة، تحمل كثيراً من التهديد لأمن النظام السياسي، بالمفهوم الضيّق لهذا الأمر.
وخلال العام المنصرم، أظهرت الإنترنت قوتها عندما حملت قضية مقتل الشاب خالد سعيد على أيدي أفراد من الشرطة في الإسكندرية، وحوّلتها بنجاح إلى قضية رأي عام.
كما نجحت الإنترنت في تنظيم حراك ساهم في إتّخاذ المحكمة الإدارية العليا قراراً بإلغاء دور حرس الجامعة. فقد لعبت أدوات الإنترنت المختلفة، لا سيما موقع «يوتيوب» دوراً «بطولياً» في بثّ المصادمات التي جرت بين أساتذة جامعيين توجهوا إلى جامعة عين شمس لتوعية الطلاب بقرار المحكمة، وبين «بلطجية» اعتدوا عليهم. وأوضحت اللقطات المصورة التي حُمّلت على هذا الموقع، دور «البلطجية» في التهجّم على الأساتذة، ما دحض إدعاءات مسؤولي الجامعة عن قيام الأساتذة النشطاء المطالبين بتنفيذ قرار إلغاء الحرس بالتعدي على «البلطجية». وقبلها، نقل «يوتيوب» لقطات فيديو لاعتداء ضباط الحرس في جامعة الأزهر في الزقازيق، بالضرب على إحدى الطالبات.
وبرزت أهمية دور الإنترنت في توثيق هذه الأحداث، عِبر تبني عدد من المطبوعات الصحافية لفكرة التوثيق المرئي والصوتي للأخبار. وعمدت صحيفة «المصري اليوم» إلى تخصيص قسم من موقعها الإلكتروني لـ»صحافة الفيديو» حيث يمكن للمتصفح الاطلاع على الحدث بالصوت والصورة.
وكذلك أعطت الشبكة العنكبوتية للآلاف من المصرين أداة للبحث عن العمل، عِبر نشر السير الذاتية أو التقدم لوظائف معلن عنها عبر الشبكة. ولم يخل هذا الأمر من بعض المفارقات.
فالمصري طارق عبدالعزيز الذي أُلقي القبض عليه بتهمة التجسس لمصلحة الموساد الإسرائيلي، حصل على «وظيفته» تلك من خلال رسلة إلكترونية أرسلها إلى موقع الموساد يعلمهم فيها بأنه مصري مقيم في الصين ويبحث عن عمل، بحسب إعترافاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات