بقلم سليمان جودة ٩/ ١٢/ ٢٠١٠
سمعت من دبلوماسى فى سفارة أجنبية بالقاهرة، أن سفارات كثيرة تطلب من العاملين فيها، أن يقضوا عطلة نهاية الأسبوع، خارج القاهرة، وإلا فلن يستفيدوا من نظام التأمين الصحى عليهم، كما يجب! ولم أفهم المقصود، حين روى الرجل هذه المعلومة، إلى أن زاد كلامه توضيحاً، فقال ما معناه، إن البقاء فى القاهرة، بتلوثها الحالى، لفترة طويلة، دون الخروج منها، ضار جداً بالصحة، فإذا كان العاملون فى تلك السفارات، خصوصاً الأجنبية منها، قادمين من عواصم نظيفة وآدمية، كان الضرر بالصحة بالنسبة لهم، مضاعفاً وربما قاتلاً! ولا أحد، حتى الآن، قادر على أن يفسر لنا، معنى هذه الطبقة السوداء من الهباب التى تغلف القاهرة، من كل اتجاه، فى كل مساء.. فلا هى شبورة خالصة، ولا هى دخان مجرد، ولا هى عوادم فقط، ولا هى تراب بمفرده، ولا.. ولا.. وإنما هى خليط قاتم من ذلك كله، ليبقى سعداء الحظ بيننا حقاً، هم الذين يكتب الله لهم أن يكونوا خارج هذه المدينة، لأطول فترة ممكنة، وإلا.. فإن الإنسان الذى ترغمه ظروف عمله، أو حياته، على البقاء فيها طويلاً، يظل يجاهد وهو يتنفس، ويجد مشقة بالغة فى عملية التنفس ذاتها، وكأن جبلاً يستقر فوق صدره! وحين نعرف أن العاصمة البريطانية لندن، كانت قد واجهت ظروفاً مشابهة، فى وقت من الأوقات، سوف نكتشف حجم الفجوة التى تفصل عاصمتنا عن العصر الذى نعيش فيه! فمنذ ٣٠٠ سنة تقريباً، كان كل شىء فى لندن يعمل ويدار بالفحم، ولم يكن الفحم فى المصانع فقط، كوقود، ولكنه كان أيضاً فى البيوت، للتدفئة، وكان الضباب بطبيعته يلف العاصمة الإنجليزية كالعادة، وكان يتلاقى مع العادم المتصاعد من استخدامات الفحم، لتتشكل فى النهاية حالة فى سماء لندن مشابهة لهذه الحالة التى نحياها فى القرن الحادى والعشرين! والغريب أن الإنجليز وقتها، قد نحتوا كلمة جديدة، ليعبروا بها عن التقاء الضباب واختلاطه بعادم الفحم! فكلمة ضباب تعنى بالإنجليزية Fog، وأما دخان أو عادم فتعنى Smoke، وكان أن نتجت عنهما كلمة جديدة، تضمهما معاً هى Smog، ولا معنى لها على وجه التحديد، ولكنها تعبر عن اختلاط الضباب، بكل معانيه وأشكاله، مع العوادم والملوثات بكل صورها! وحين يتطلع الواحد منا إلى القاهرة، من نافذة الطائرة - مثلاً - فإنه لا يكاد يصدق أن مدينة بحجمها، توجد فى هذا الموقع، ولولا انعكاس أضوائها ليلاً، فى فضائها، ما كان لأحد أن يتمكن من رؤيتها أصلاً، من شدة تراكم الخليط إياه فوق بناياتها! وإذا جاز أن تكون كلمة «زفت» ترجمة عربية لكلمة Smog، فإن أحداً لم يكن يأتى على باله، أن يودع الإنجليز هذا «الزفت» الذى كانوا يتنفسونه، فى عصر الفحم، لنتنفس نحن «الزفت» ذاته، بل وبكميات وأشكال مضاعفة، فى العام العاشر، من القرن الحادى والعشرين! |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات