الأقسام الرئيسية

الهجوم على المسيحيين في العراق.. لماذا؟

. . ليست هناك تعليقات:

كتب: محمد عبد الحميد عبد الرحمن- إذاعة هولندا العالمية/ الهجوم الدموي على كنسية سيدة النجاة في بغداد والذي اوقع اكثر من خمسين قتيلا وستين جريحاً ليس أول عمل يستهدف مسيحيي العراق وكنائسهم منذ الغزو الامريكي للعراق عام 2003. فقد استهدفت نفس الكنيسة، وهي اكبر كنيسة في بغداد تتبع طائفة الكاثوليك السريان، في هجوم مماثل شمل خمس كنائس في بغداد والموصل عام 2004.
تبنت مسئولية الهجوم الدامي في كلتا الحالين تنظيمات اسلامية جهادية متطرفة من قبيل تنظيم القاعدة.

بداهة لا يمكن ادراج مثل هذا الهجوم الذي وقع على كنيسة سيدة النجاة ضمن العنف الطائفي الذي يجتاح العراق منذ سنوات، لأن الاقلية المسيحية المهمشة في العراق ليست ضمن القوى الطائفية ذات الصلة بالصراع السياسي الطائفي على السلطة في العراق. فالمسيحيون لم يحظوا إلا بتمثيل رمزي في المسرح السياسي العراقي طوال العقود الثلاثة الماضية.

من الواضح أن استهداف المسيحيين ودور عبادتهم والتضييق عليهم اصبح مظهرا مرتبطا بصعود الإسلام السياسي بأطيافه المتفاوتة وهيمنته على مسرح الحراك السياسي في العراق وعدد اخر من الدول العربية خلال العقود القليلةالماضية.
ومع ذلك تبقى هنالك ضرورة لمحاولة الاجابة على السؤآل لماذا يتكرر استهداف المسيحيين العراقيين الذي عاشوا بسلام في هذا البلد لقرون؟

تحاول التنظيمات الجهادية الاسلامية المتطرفة ارسال عدة رسائل سياسية وايدولوجية عبر قتل العشرات البرياء من المصلين في الكنيسة، اولها أن الحكومة التي يدعمها الأمريكان في العراق عاجزة عن الدفاع عن نفسها وتحقيق الأمن حتى في قلب العاصمة بغداد.
والرسالة الثانية هي أن القاعدة موجودة وحية وقادرة على إيقاع الأذى بالرغم من كل جهود الحكومة العراقية والقوات الامريكية لقصقصة مخالبها.

اما الهدف الكثر اهمية فهو الأضواء الإعلامية المهولة التي تسلط على القاعدة بعد هجوم كهذا بسبب التغطية الاستثنائية التي تحظى بها وقائع الهجمات على الكنائس في الاعلام الغربي البالغ السطوة. ومن المعروف أن القاعدة تشن نصف حربها على "الطاغوت" في الجبهة الاعلامية وتوليها اهتماما كبيرا.

علاوة على كل ذلك يستبطن الهجوم على الكنائس طابعا رمزيا وايديولوجيا لا يخفيه ستار الصمت المسدل عليه من قبل الكثيرين. ترافق صعود الاسلاميين والظروف التي اعقبت حربي الخليج وهجمات الحادي عشر من سبتمبر مع تكريس أجواء سياسية ومفاهيم ايدلوجية تنظر للاقليات المسيحية في الدول العربية باعتبارهم مشروع "طابور خامس" مستعد للتعاون مع الأجنبي ضد الوطن، او تمثيلا من نوع ما للاجنبي غير المسلم بحكم العقيدة المشتركة. نتج عن ذلك اشاعة قدر غير يسير من التوتر في المجتمعات المتعددة الديانات والثقافات، وتفاقم الهواجس والشكوك حيال غير المسلمين من شركاء المواطنة.

ومن المفارق أن يحدث ذلك في العراق تحديدا الذي عاش عصورا مديدة من التعايش السلمي بين الديانات وحيث لعب المسيحيون بل واليهود أيضا ادوارا مشهودة في التيارات العراقية القومية واليسارية حتى منتصف القرن العشرين.

ليس من المستغرب، وإن كان غير مقبول، أن يحد تمدد نفوذ الاسلاميين في الحياة العامة من الهوامش المتاحة لغير المسلمين في مجتمعات لم يتأسس فيها بعد مفهوم المواطنة المتساوية، لكن التوجس من المواطنين المسحيين، وتحاشيهم ثم استبعادهم سينتهي حتما بتوفير المناخات التي تعتبرهم نبتا غريبا اجنبي الولاء وبالتالي تقبل بفكرة الاعتداء عليهم ردا على اعتداءات الغرب.

لا شك أن المسلمين العاديين في شوارع بغداد وغيرها لا صلة لهم بالاعتداء على المسيحيين ودور العبادة التابعة لهم وانهم صدموا مثل جميع الاخرين بهول الهجوم الاجرامي على كنيسة سيدة النجاة.

يبدو بكل أسف أن وقتا طويلا سيمضي قبل ينتهي عصر استهداف الناس على اساس الهوية العرقية والدينية والطائفية في الشرق الأوسط وتصبح المواطنة المتساوية هي القاعدة العادية والوحيدة المقبولة للتعامل بين الناس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer