من تونس: كورت لينداير- إذاعة هولندا العالمية/ احتضنت مدينة تونس العاصمة مؤخراً مؤتمر الاقتصادات الإفريقية. وساد المؤتمر جو من التفاؤل والشعور بالثقة المستعادة عبر عنه رئيس البنك الإفريقي للتنمية، دونالد كابروكا بالقول: "لم اشعر أبداً بمثل هذا التفاؤل".
النمو الاقتصادي في القارة السمراء لم ينتج فقط عن تزايد التبادل التجاري مع آسيا، وخصوصا الصين. "إنه نتيجة الإصلاحات التي قمنا بها" يقول نائب رئيس البنك الإفريقي للتنمية، مثولي نكوبه. التقرير الصادر من صندوق النقد الدولي زاد من درجة التفاؤل. فقد توقع التقرير أن تخرج إفريقيا بأقل الأضرار من الأزمة المالية العالمية. كان معدل النمو الاقتصادي فيالبلدان الأفريقية منذ عام 2000 هو 5% سنوياً. وبعد أن تراجع العام الماضي إلى 2,5% فإنه عاد إلى النسبة السابقة هذا العام، ويتوقع أن تزداد نسبة النمو العام القادم.
شكوك الغرب
تباحث خبراء الاقتصاد ورؤساء البنوك المركزية في تونس حول سبل المحافظة على النهوض الاقتصادي الحالي، وعن سبل تجنب أن يكون هذا النمو حالة مؤقتة تعود بعدها البلدان الإفريقية إلى أزماتها السابقة. فقد حذر أحد كبار الضيوف، باسكال لامي، رئيس منظمة التجارة العالمية من خطر الاعتماد الكبير على تصدير المواد الخام. بتعبير آخر: على أفريقيا أن لا تغتر بالطلب الصيني المتزايد على المواد الخام.
لكن الكثير من المتحدثين أكدوا مرة بعد أخرى أن هذه الشكوك حول الدور الصيني لا وجود لها إلا في بلدان الغرب. الدول الآسيوية، مثل الصين والهند وماليزيا، تعول على الديناميكية الأفريقية، والإمكانيات التي تختزنها القارة، وترى فيها شبها بالتجارب الناجحة للبلدان الآسيوية نفسها، مما يبدد شكوك الغرب.
استعمار جديد
لكن الشكوك قائمة هناك أيضاً. البعض تحدث عن قرب نهاية "شهر العسل" مع الصين. مئات الآلاف من العمال الصينيين يعملون في مشاريع البنية التحتية في البلدان الأفريقية، وعشرات الآلاف في التجارة، مما يهدد بسرقة فرص العمل من الأفارقة أنفسهم. المجسمات التذكارية للمباني الأثرية التونسية مثلاً، أصبحت تـُصنع في الصين وتباع على السواح. في نيجيريا يبيع الصينيون حتى النعال التقليدية، وفي الكونغو يديرون المقاهي الشعبية. "إذا لم ننتبه جيداً، فسوف نتعرض للاستعمار مجدداً، هذه المرة من قبل الصين وبطلب منا" يقول الخبير الاقتصادي الإثيوبي فانتو تشيرو.
تنفذ الصين مشاريع تنموية مقابل المواد الخام. هل هذا أسلوب جديد في التعاون التنموي؟ هل هو بديل عن التدخل الغربي في أفريقيا؟ أحد المعوقات الرئيسية التي ذكرها المتحدثون أمام استمرار النمو، هو تداعي البنية التحتية والنقص المستمر في الطاقة الكهربائية. لتشجيع التجارة والقطاع الزراعي المتخلف هناك حاجة للاستثمار بقيمة عشرين مليار سنوياً. الصين مستعدة لتوفير هذه المليارات لتمويل مشاريع مد الطرق المسفلتة والسكك الحديد، وبناء المحطات المائية لتوليد الطاقة، والاستثمار في شبكات الاتصال.
المهاجرون الأفارقة
للتقليل من الاعتماد على الصين أو على الغرب، يتعين على أفريقيا أن تبحث عن مصادر للمال داخل أراضيها. يجب تحسين الأنظمة الضرائبية، ووقف تحويل الأموال إلى الخارج بطرق غير قانونية. هناك مصدر كبير للدخل يأتي من الأفارقة الذين يعيشون خارج بلدانهم، والبالغ عددهم حوالي 29 مليوناً. في عام 2008 حول هؤلاء مبالغ قدرها 21 مليار دولار أمريكي إلى بلدانهم الأصلية. وهو ما يزيد على الأموال القادمة من المانحين الدوليين، حسب تقديرات بعض الخبراء.
لكن الدعم الدولي لا يزال بالغ الأهمية بالنسبة للبلدان الأكثر فقراً في القارة. لذلك أكد الخبراء المشاركون في المؤتمر على ضرورة استمرار الدعم الدولي. ووصف الخبراء توجهات بعض الدول الغربية، مثل هولندا، نحو تقليص الميزانية المخصصة للتعاون التنموي بأنها تعبر "قصر النظر"، قائلين أن تقليص الدعم سيؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي في القارة الإفريقية، وبالتالي تراجعه عالمياً.
بالرغم من أن أرقام الاقتصاد الكلي تـُظهر أن أفريقيا تسير بالاتجاه الصحيح، لكنها لا تزال القارة الأفقر. حسب الخبراء المشاركين في مؤتمر تونس فإن القضاء على الفقر في القارة الأفريقية يحتاج إلى نمو سنوي بنسبة 10 بالمئة، وهي ضعف نسبة النمو الحالية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات