الأقسام الرئيسية

البرادعي والمصريون في الخارج

. . ليست هناك تعليقات:

مصر

عمر عاشور 29 سبتمبر/أيلول، 2010

"الجالية المصرية عملاق لازم يصحى عشان ينقذ البلد... بصّوا الجاليات التانية بتعمل إيه..." بهذه الكلمات علّق مشارك متحمِّس على وضع الجالية المصرية في مؤتمرٍ عقدته الجمعية الوطنية المصرية للتغيير في لندن مؤخراً. يندرج هذا المؤتمر في إطار سلسلةٍ من الفاعليات والإجتماعات العامّة التي تهدف إلى تعزيز الروابط وتنسيق الجهود لدعم الديمقراطية بين الدكتور محمد البرادعي وبين المغتربين المصريين ، في تحولٍ واضحٍ عن ظاهرة عدم الاهتمام و الخوف من السياسة لدى المصريين بالخارج. وكان الحدث الأخير في هذه السلسلة مؤتمراً عقده تحالف المصريين الأمريكيين في واشنطن بين 17 و20 سبتمبر/أيلول ، و ذلك بعد تنظيم مناسبات أخرى في نيويورك وبوسطن. وسرعان ما وجدت الجمعية الوطنية للتغيير دعماً قوياً في أوساط المصريين في أكثر من عشرة بلدان، بما في ذلك بعض أكبر الجاليات بما فيها، وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، السعودية (مليون مصرياً) ، والولايات المتحدة (320,000) ، والأردن (230,000) ، وكندا (110,000) ، وإيطاليا (90,000) ، والمملكة المتحدة (35,000).

لم يكن المغتربون المصريون - الذين يُقدَّر عددهم فيما بين ثلاثة و ثمانية ملايين مواطن - عاملاً مؤثِّراً في السياسة الداخلية المصرية حتى الآن، و ذلك خلافاً للأدوار الفاعلة التي تلعبها الجاليات الأخرى كالجالية الأرمنية ، والإيرلندية ، والكوبية. ففي فتراتٍ سابقة سيطر الفتور السياسي على سلوك معظم المغتربين المصريين. فأبدى الكثير منهم اهتماماً أكبر بأوضاعهم الاقتصادية و بتحسين ظروف المعيشة. كما كان عامل "الرعب" – أو الرغبة في العودة إلى الديار دون التعرّض لبطش النظام الحاكم – سبباً أساسياً في الابتعاد عن المطالبة بالإصلاح السياسي. بلإضافة لذلك كانت مشاعر القومية العربية قوياً – خاصةً في حقبة الستينيات - و هو ما جعل انتقاد الأنظمة الحاكمة من الخارج أمراً معيباً. "فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة" ظل شعاراً يَحكم ضمائر و بصائر أجيال. وبالتالي شوشت هذه الشعارات على أسئلة هامة مثل" "أية معركة؟" "ومن هو الأصلح لإدارة المعركة؟" و "من سيحاسبه و يعزله إن فَشلَ و هُزِمَ؟" فحينئذٍ لم يكن هناك فرق بين الدولة و النظام السياسي المستولي عليها.

و لكن الستينيات و شعاراتها قد ولت. و أصبح المصريون على واقعٍ مغايرٍ يلخصه حصار يفرضه النظام الحاكم قي مصر على غزة - المحاصرة أيضاً من قبل إسرائيل ، و أزمة مشجعي كرة قدم ساءت إدارتها فتحولت لشبه قطيعة بين مصر والجزائر بغض النظر عن اللغة و الدين و الهوية و العرق والتاريخ و الكفاح المشترك، و جريمة تعذيب على الملأ أدت لمقتل الشاب خالد سعيد. و هذه فقط أمثلة قليلة تلخص حالةً عامةً بلغ فيها الحرمان الاقتصادي والظلم الاجتماعي والقمع السياسي مبلغاً لا يحتمله أغلبية المصريين. وأقنعت تلك الحالة الكثير من المغتربين المصريين بأنّ مصلحة البلاد ومصلحة النظام الحاكم هما مسألتان مختلفتان كلياً.

ثم دخل د. البرادعي والجمعية الوطنية للتغيير معركة المطالبة بالإصلاح السياسي ، و من ضمن جهودهما تعبئة و تحريك المصريين المغتربين ، و هم كانوا و لايزالوا منقسمين على أسسٍ سياسيةٍ وأيديولوجيةٍ ودينيةٍ و طبقيةٍ. ولكن المؤتمرات الأخيرة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عكست تطوّراً جديداً. فقد تجمّع المصريون للمطالبة بالحرية و الديمقراطية ووضع حدٍ للسلطوية ، بغض النظر عن الأيديولوجيا والدين والطبقة الاجتماعية. فعلى سبيل المثال جمع مؤتمر لندن الإخوان المسلمين مع ناشطين الأقباط، و ليبراليين مع ناصريين، و رجال أعمال أثرياء وأساتذة جامعيين مع عمال و عاملات بسطاء. و تمثلت اللهجات المصرية المختلفة في المؤتمر، بما فيها الصعيدية والقاهرية والسكندرية والسينائية و النوبية. وتكرّرت الظاهرة نفسها في المؤتمرات التي عُقِدت في الولايات المتحدة.

وأسباب هذا التطور مهمة. فهوية قادة المطالبة بالتغيير بمثل أهمية الظروف القاسية التي تدفع دعوات االتغيير دفعاً. فالمظالم الاجتماعية والسياسية التي تعبر عنها الجاليات المصرية الآن كانت بارزةً منذ أوائل التسعينيات على الأقل. و لكن ظهور ناطقٍ يتمتّع بالنزاهة و الثقة ، ويتحلّى بالقدرة على التعبير عن تلك المظالم ، و عنده الشجاعة الكافية للمطالبة بالإصلاح السياسي قد أحدث فارقاً عند الجاليات المصرية. فالدكتورالبرادعي والمغتربون المصريون يفهمون بعضهم البعض جيداً. فمثلاً عندما يتحدّث د. البرادعي عن "الديمقراطية الاشتراكية" لا يخلطها المغتربون المصريون باشتراكية عبد الناصر (التي قد ترتبط في ذهن البعض بالديماغوجية والقمع الديكتاتوري و الهزائم العسكرية والفشل الاقتصادي). بل يفهمها المصريون الذين عاشوا في المملكة المتحدة وكندا والنمسا واسكندينافيا كما يعنيها د. البرادعي: ديمقراطية تمثيلية ، ونظام عدالة اجتماعية ، ودولة رعاية (welfare) متطوِّرة.

أما عن ماذا يستطيع المصريون الذين يعيشون في الخارج أن يفعلوا لدعم الإصلاح السياسي في مصر، فيدرك البرادعي وقادة الجمعية الوطنية للتغيير أنّ قوة المصريين المغتربين تكمن في أعدادهم. و كان ذلك وراء مطلب السماح للمصريين في الخارج بالتصويت في الانتخابات عن طريق القنصليات والسفارات (كما يفعل العراقيون والجزائريون و غيرهم) - هو أحد المطالب السبعة للجمعية الوطنية للتغيير، و التي تقترب عريضتها الآن من جمع مليون توقيعٍ مؤيدٍ لها. و يجادل نشطاء الجمعية بأنه من غير المقبول حرمان ثمانية ملايين مصري - يساهمون بنحو ثمانية مليارات دولار في إجمالي الناتج المحلي المصري سنوياً - من حق التصويت (وفقاً للبنك الدولي تحصل مصر على أكبر قدر من التحويلات المالية في بلدان الشرق الأوسط) ، أي أن المصريين المغتربين يساهمون سنوياً بأربعة أضعاف معونة الإدارة الأمريكية ، والتي بالطبع تؤخذ مطالبها بمنتهى الجدية.

و مطلب منح المغتربين حق التصويت مطلب ملح للجمعية ، ليس فقط لأنّه يعطي فرصة المشاركة للجاليات المصرية و يربطها بهموم الوطن الأم ، و لكنه أيضاً قد يؤثر فعلياً على نتائج الانتخابات في حال تبنّيه. فلا مكان لقوات الأمن المركزي في شوارع لندن و واشنطن ومونتريال لإغلاق مداخل القنصليات وترهيب الناخبين و اعتقال النشطاء و التحرش بالصحفيين الذين يسجلون الانتهاكات. و إذا سُمِح بوجود مراقبة مستقلّة ودولية – وهذا مطلب آخر من المطالب السبعة للجمعية الوطنية – وإذا أُعلِنت النتائج على الفور عقب فرز أصوات خاضع للمراقبة في السفارات ، يمكن أن يتقلّص احتمال التزويرعلى نطاق واسع.

و لكن المصريين في الخارج لازالوا يواجهون عوائق أمام تأدية هذا الدور. فالنظام الحاكم يتجاهل حتى الآن المطالبة بمنحهم حق التصويت. وفي حين يستطيع المصريون في البلدان الغربية أن يتكلموا و يتحركوا بحرّية ، يواجه المصريون الموجودون في البلدان العربية آفاقاً أكثرَ قتامةً. خير مثال على ذلك هو ما حدث في الكويت من ترحيل لأنصار البرادعي في أبريل/نيسان الماضي. و رغم أنه من غير المرجَّح أن يتكرّر هذا الحادث المؤلم ، إلا أن الحكومات العربية تملك أدواتاً كثيرةً لمنع المطالبة بالإصلاح السياسي في مصر، إن قرروا ذلك المنع.

يضاف إلى هذا كلّه واقع ضبابي لايزال المصريون المغتربون فيه بعيدين عن حسم قرارهم بشأن الاستراتيجية التي سيتّبعونها: هل سيدفعون جدّياً نحو الحصول على حق التصويت؟ هل سيعملون من أجل التأثير في السياسات الخارجية التي تنتهجها أوطانهم الجديدة حيال النظام الحاكم في مصر؟ هل سيجمعون المال لدعم قضاياهم؟ كما يواجه المصريون في الخارج تحدّياً آخر يتعلّق بتجاوز خلافاتهم ، و إنشاء منظّمات كبيرة و قوية لدعم مطالب الإصلاح السياسي. و رغم هذه التحديات يتجاوب كثير من المصريين المغتربين بحماسٍ مع الرسالة التي يوجّهها إليهم د.البرادعي: "إذا لم تتحرّكوا وتشاركوا الآن فلا تشتكواغداً!"

عمر عاشور أستاذ محاضر في العلوم السياسية ومدير برنامج الدراسات العليا في سياسة الشرق الأوسط في جامعة إكستر البريطانية. مؤلف كتاب " تحولات الحركات الإسلامية المسلّحة" (لندن، نيويورك: روتليدج، 2009)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer