تجددت الدعوة فى أعقاب ثورة 25 يناير إلى الاحتكام لنصوص ومواد قانون الغدر، الذى صدر فى أعقاب ثورة 23 يوليو سنة 1952، لمحاكمة رموز نظام الرئيس السابق حسنى مبارك، وعارض البعض ذلك، مؤكدين إلغاء القانون، بما لا يمكن العمل به. ولكن خرج عدد من المحامين، الذين قالوا إن هذا القانون لم يلغ بعد، ولم تصدر قوانين أخرى تجبه.
وفق ما طرأ على هذا القانون من تعديل عام 1953، نجد المادة الأولى تتحدث عن أن كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة ارتكب، بعد أول سبتمبر 1939، فعلا من الأفعال الواردة بالقانون، يعد مرتكبا لجريمة الغدر. ومن بين الأفعال المشار إليها بتلك المادة: إفساد الحياة السياسية، واستغلال النفوذ من جانب الموظف العام والمكلف بخدمة عامة للحصول على فائدة أو ميزة ذاتية لنفسه أو لأحد أقربائه أو أصهاره، وكل عمل أو تصرف يقصد منه التأثير فى القضاة أو التدخل فى شؤون العدالة.
وكان قانون الغدر قد صدر عقب ثورة يوليو عام 1952 لظروف خاصة، بهدف تحجيم معارضى الثورة ومنعهم من العمل السياسى، ولتأكيد هذا المسعى صدر القانون رقم 34 لسنة 1971 بتنظيم فرض الحراسة وتأمين سلامة الشعب، ثم صدر القانون رقم 95 لسنة 1980 الخاص بحماية القيم من العيب، وأسند الصلاحيات والمحاكمات الواردة بالقانون 34 لسنة 1971 للمدعى الاشتراكى ومحكمة القيم. وظلت هذه القوانين جميعها مطبقة إلى أن تم تعديل الدستور السابق فى عام 2007، وصدر القانون رقم 194 لسنة 2008، الذى ألغى نصوص القانون رقم 34 لسنة 1971 الخاص بتنظيم فرض الحراسة، والقانون رقم 95 لسنة 1980 الخاص بالمدعى الاشتراكى ومحكمة القيم، والتى كانت تعاقب على تهمة إفساد الحياة السياسية أمام محكمة القيم، ليعود الأمر برمته إلى القاضى الطبيعى والمحاكم العادية عن الأفعال التى تشكل جرائم فى قانون العقوبات والقوانين الجنائية المكملة له.
وفى ظل قانون الغدر، فى أعقاب ثورة يوليو، أجريت عدد من المحاكمات الاستثنائية أمام محاكم مشكلة تشكيلا خاصا، يغلب عليها الطابع العسكرى عن الطابع المدنى للقضاء الطبيعى. ويرى البعض أن ما ارتكبه النظام السابق من جرائم جديدة فى نوعها يستدعى وضع قانون جديد، مثل جريمة إفساد الحياة السياسية على مدار 30 عاما، ومشروع الثوريث، وتفصيل القوانين، والتعديلات الدستورية المشبوهة، التى وضعها النظام السابق، وانتشار البطالة، وسوء الحالة الصحية وانتشار الأمراض، والسياسات التعليمية الفاشلة، وبيع أراضى الدولة بثمن بخس لأنصار النظام، وبيع القطاع العام وخصخصته، وتصدير الغاز لإسرائيل بثمن بخس. كما أن محكمة الغدر محكمة سياسية استثنائية، كانت مرهونة بفترة زمنية محددة مستمدة من ظروف إنشائها وطبيعة الجرائم التى تختص بنظرها، بالإضافة إلى أن قانون الغدر لا يطبق إلا على الجرائم التى وقعت فى الماضى، فى الفترة من أول سبتمبر 1939 وحتى 22 ديسمبر 1952 تاريخ العمل بالقانون رقم 344 لسنة 1952، ويمتنع استمرار تطبيقه على الجرائم التى ترتكب بعد العمل به.
وكان من عادة الثورات فى مختلف أنحاء العالم أن تصدر التشريعات والإجراءات التى تستمد شرعيتها من الثورة، وتحمى بها نفسها من الثورة المضادة، وهى موقوتة دائمًا بزوال أسبابها ودواعيها. فعقب ثورة 23 يوليو 1952 أصدر مجلس قيادة الثورة عدة تشريعات لحماية الثورة من عناصر الثورة المضادة، منها القانون رقم 46 لسنة 1952 فى شأن تطهير الإدارة الحكومية، الذى ألغى وحل محله القانون 130 لسنة 1952 بشأن تطهير الأداة الحكومية المعدل بالقانون رقم 209 لسنة 1952.
وتتشكل محاكم الغدر وفقا للقانون برئاسة مستشار من محكمة النقض، وعضوية مستشارين من محكمة استئناف القاهرة يعينهم وزير العدل، وأربعة ضباط يعينهم القائد العام للقوات المسلحة.
وخضع لمحاكمات الغدر عدد من رموز الحياة السياسية فى مصر قبل ثورة يوليو 1952، كان أشهرهم فؤاد سراج الدين، زعيم حزب الوفد، وكريم ثابت، المستشار الصحفى للملك فاروق.
نص قانون الغدر رقم 344 لسنة 1952 المعدل بالقانون 173 لسنة 1953
مادة 1
فى تطبيق أحكام هذا القانون يعد مرتكبا لجريمة الغدر كل من كان موظفا عاما وزيراً أو غيره، وكل من كان عضوا فى أحد مجلسى البرلمان، أو أحد المجالس البلدية أو القروية، أو مجالس المديريات، وعلى العموم كل شخص كان مكلفا بخدمة عامة، أو له صفة نيابية عامة، وارتكب بعد أول سبتمبر سنة 1939 فعلا من الأفعال الآتية:
( أ) عملاً من شأنه إفساد الحكم أو الحياة السياسية بطريق الإضرار بمصلحة البلاد أو التعاون فيها أو مخالفة القوانين.
(ب) استغلال النفوذ، ولو بطريق الإيهام، للحصول على فائدة أو ميزة ذاتية لنفسه أو لغيره من أية سلطة عامة أو أية هيئة أو شركة أو مؤسسة.
(ج) استغلال النفوذ للحصول لنفسه أو لغيره على وظيفة فى الدولة أو وظيفة أو منصب فى الهيئات العامة أو أية هيئة أو شركة أو مؤسسة خاصة أو للحصول على ميزة أو فائدة بالاستثناء من القواعد السارية فى هذه الهيئات.
(د) استغلال النفوذ بإجراء تصرف أو فعل من شأنه التأثير بالزيادة أو النقص بطريق مباشر أو غير مباشر فى أثمان العقارات والبضائع والمحاصيل وغيرها أو أسعار أوراق الحكومة المالية أو الأوراق المالية المقيدة فى البورصة أو القابلة للتداول فى الأسواق بقصد الحصول على فائدة ذاتية لنفسه أو للغير.
(هـ) كل عمل أو تصرف يقصد منه التأثير فى القضاة أو فى أعضاء أي هيئة خولها القانون اختصاصا فى القضاء أو الإفتاء.
(و) التدخل الضار بالمصلحة العامة فى أعمال الوظيفة ممن لا اختصاص له فى ذلك أو قبول ذلك التدخل.
ويعتبر التدخل من غير المذكورين فى هذه المادة فى حكم الغدر إذا كان المتدخل قد استغل صلته بأية سلطة عامة.
مادة 2
مع عدم الإخلال بالعقوبات الجنائية أو التأديبية يجازى على الغدر بالجزاءات الآتية:
( أ) العزل من الوظائف العامة.
(ب) سقوط العضوية فى مجلسى البرلمان أو المجالس البلدية أو القروية أو مجالس المديريات.
(ج) الحرمان من حق الانتخاب أو الترشيح لأى مجلس من المجالس سالفة الذكر لمدة أقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم.
(د) الحرمان من تولى الوظائف العامة لمدة أقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم.
(هـ) الحرمان من الانتماء إلى أى حزب سياسى مدة أقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم.
(و) الحرمان من عضوية مجالس إدارة الهيئات أو الشركات أو المؤسسات التى تخضع لإشراف السلطات العامة ومن أية وظيفة بهذه الهيئات لمدة أقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم.
(ز) الحرمان من الاشتغال بالمهن الحرة المنظمة بقوانين أو المهن ذات التأثير فى تكوين الرأى أو تربية الناشئة أو المهن ذات التأثير فى الاقتصاد القومى مدة أقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم.
(ح) الحرمان من المعاش كله أو بعضه.
ويجوز الحكم أيضا بإسقاط الجنسية المصرية عن الغادر كما يجوز الحكم برد ما أفاده من غدره وتقدر المحكمة مقدار ما يرد.
ويحكم بالجزاءات ذاتها على كل من اشترك بطريق التحريض أو الإنفاق أو المساعدة فى ارتكاب الجريمة سالفة الذكر، ولو لم يكن من الأشخاص المذكورين فى المادة الأولى.
مادة 3
يحكم على كل من ارتكب فعلا من أفعال الغدر من محكمة خاصة تؤلف برئاسة مستشار من محكمة النقض وعضوية مستشارين من محكمة استئناف القاهرة يعينهم وزير العدل وأربعة ضباط عظام لا تقل رتبة كل منهم عن «الصاغ» يعينهم القائد العام للقوات المسلحة.
ويكون مقر هذه المحكمة بمدينة القاهرة ويشمل اختصاصها كل أنحاء المملكة المصرية.
وتتولى النيابة العامة مباشرة الدعوى أمام المحكمة.
ويجوز للمحكمة أن تحكم على الغادر وشركائه بتعويض ما حدث من ضرر لأى شخص من الأشخاص الاعتبارية العامة.
مادة 4
ترفع الدعوى إلى المحكمة من لجنة مكونة من اثنين يختارهما المؤتمر المنصوص عليه فى المادة 11 من الإعلان الدستورى المشار إليه بقرار يصدر باتفاقهما، مشتملا على بيان بالواقعة والمواد المطلوب تطبيقها، ويكون للجنة فى أداء مهمتها أو لأحد عضويها أو لمن تندبه من رجال القضاء أو النيابة العامة جميع السلطات المخولة فى قانون الإجراءات الجنائية للنيابة العامة ولقاضى التحقيق بغير القيود الواردة فى المواد 51 و52 و53 و54 و55 و57 و91 و97 من القانون المذكور.
ويحدد رئيس المحكمة اليوم، الذى تنظر فيه الدعوى على أن يكون خلال خمسة عشر يوما من تاريخ رفعها.
ويكون تكليف المدعى عليه بالحضور أمام المحكمة قبل الجلسة بثمانية أيام كاملة على الأقل.
ويجوز له الاستعانة بمحام واحد.
ولا يجوز تأجيل نظر الدعوى أكثر من مرتين ولمدة لا تزيد فى كل مرة على أسبوع وينطق بالحكم مشفوعا بأسبابه.
مادة 5
إذا لم يحضر المدعى عليه رغم تكليفه بالحضور ولم يرسل محاميا ينوب عنه تنظر المحكمة الدعوى وتحكم فيها فى غيبته.
ويجوز للمحكمة أن تلزم المدعى عليه بالحضور أمامها وله فى سبيل ذلك أن تأمر بضبطه وإحضاره.
مادة 6
لا يجوز الطعن فى الحكم الصادر فى الدعوى بأى طريق من طرق الطعن العادية أو غير العادية.
وينشر الحكم فى الجريدة الرسمية وفى صحيفتين من صحف واسعة الانتشار خلال أسبوع من تاريخ صدوره.
مادة 7
فيما عدا الأحكام السابقة يتبع فى حفظ النظام فى الجلسة وفى تنحى القضاة وردهم.
وفى نظر الدعوى وفى الشهود والأدلة الأخرى الأحكام المقررة. لذلك فى قانون الإجراءات الجنائية لمحاكم الجنح على أن تختص المحكمة ذاتها بالفصل فى الرد.
مادة 8
يعاقب المحكوم عليه على كل مخالفة لأحكام المادة الثانية تقع باستعمال الحقوق التى حرم منها بالحبس وبغرامة لا تقل عن مائتى جنيه ولا تزيد على ألفين أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ويعاقب بالعقوبة ذاتها من اشترك فى المخالفة بأى طريق من طرق الاشتراك.
مادة 9
على الوزراء كل فيما يخصه تنفيذ هذا القانون، ويعمل به من تاريخ نشره فى الجريدة الرسمية
صدر بقصر عابدين فى 5 ربيع الثانى سنة 1372 (22 ديسمبر سنة 1952)
قانون الغدر 2011
وافق مجلس الوزراء، برئاسة الدكتور عصام شرف، من حيث المبدأ على مشروع مرسوم بقانون بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 344 لسنة 1952 فى شأن جريمة الغدر، والمعدل بالمرسوم بقانون رقم 1973 لسنة 1953. ووجه الدكتور عصام شرف، رئيس مجلس الوزراء، بطرح القانون للحوار المجتمعى، وموافاة وزارة العدل بأى ملاحظات عليه خلال أسبوع من تاريخه حتى يتسنى الانتهاء منه، وإحالته للمجلس الأعلى للقوات المسلحة لاتخاذ إجراءات الاستصدار.
وفيما يلى نص التعديل:
المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. مرسوم بقانون رقم ( ) لسنة 2011.. بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 344 لسنة 1952 فى شأن جريمة الغدر والمعدل.. بالمرسوم بقانون رقم 1973 لسنة 1953.. رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة:
بعد الاطلاع على الإعلان الدستورى الصادر بتاريخ 13 فبراير 2011، وعلى الإعلان الدستورى الصادر بتاريخ 30 مارس 2011، وعلى قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1973 وعلى قانون الإجراءات الجنائية، وعلى المرسوم بقانون رقم 344 لسنة 1952 فى شأن جريمة الغدر المعدل بالمرسوم بقانون رقم 173 لسنة 1953 وبعد موافقة مجلس الوزراء، قرر المرسوم بقانون الآتى نصه وقد أصدرناه:
المادة الأولى:-
يستبدل بنصوص المواد 2، 3، 4 من المرسوم بقانون رقم 344 لسنة 1952 فى شأن جريمة الغدر المعدل بالقانون رقم 173 لسنة 1953 النصوص الآتية:
مادة 2:
مع عدم الإخلال بالعقوبات الجنائية أو التأديبية يجازى على الغدر بالجزاءات الآتية أو بأحدها:-
أ- العزل من الوظائف العامة القيادية.
ب–سقوط العضوية فى مجلسى الشعب أو الشورى أو المجالس الشعبية المحلية.
ج- الحرمان من حق الانتخاب أو الترشيح لأى مجلس من المجالس المنصوص عليها فى الفقرة «ب» من هذه المادة لمدة خمس سنوات من تاريخ الحكم.
د- الحرمان من تولى الوظائف العامة القيادية لمدة خمس سنوات من تاريخ الحكم.
هـ–الحرمان من الانتماء إلى أى حزب سياسى لمدة خمس سنوات من تاريخ الحكم.
و- الحرمان من عضوية مجالس إدارة الهيئات أو الشركات أو المؤسسات التى تخضع لإشراف السلطات العامة لمدة خمس سنوات من تاريخ الحكم.
ويحكم بالجزاءات ذاتها أو بأحدها على كل من اشترك بطريق التحريض أو الاتفاق أو المساعدة فى ارتكاب الجريمة، سالفة الذكر، ولو لم يكن من الأشخاص المذكورين فى المادة الأولى من هذا القانون.
ويجوز الحكم برد ما أفاده الغادر من غدره وشركائه وتقدر المحكمة مقدار ما يرد، كما يجوز للمحكمة أن تحكم على الغادر وشركائه بتعويض ما حدث من ضرر لأى شخص من الأشخاص الاعتبارية العامة.
مادة 3:
تختص محكمة الجنايات دون غيرها بالنظر فى دعاوى الغدر والفصل فيها. ويحدد رئيس محكمة الاستئناف بعد موافقة الجمعية العمومية للمحكمة دائرة أو أكثر للاختصاص بنظر هذه الدعاوى والجلسة المحددة لنظرها.
ويتم إعلان المتهم بالجلسة المحددة واتباع إجراءات المحاكمة، وفقا للقواعد العامة بقانون الإجراءات الجنائية.
مادة 4:
ترفع دعاوى الغدر، بناء على طلب النيابة العامة من تلقاء ذاتها أو بناء على بلاغ يقدم إليها متى توافرت بشأن المتهم أدلة جدية على ارتكابه أحد الأفعال المبينة بالمادة رقم 1 من المرسوم بقانون رقم 344 لسنة 1952 فى شأن جريمة الغدر المعدل بالقانون رقم 173 لسنة 1953، وذلك بعد تحقيق قضائى تجريه النيابة العامة وتكون لها جميع الصلاحيات المقررة قانونا بشأن سلطتى التحقيق والاتهام ومباشرة الدعوى أمام المحكمة.
المادة الثانية :
يلغى كل حكم يخالف أحكام هذا المرسوم بقانون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات