يجمع محللون وخبراء فلسطينيون أن الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة ووجود الاحتلال الإسرائيلي قاد لإيجاد شباب فلسطيني يعيش رهناً للضغوطات من كل اتجاه، بل ليس لديهم حتى جبهة يثورا ضدها.
غزة: بين الرغبة الملّحة بالخروج عن الوضع القائم من حالة تشطُّر وانقسام وبين الإحباط والخوف، يراوح الشباب الفلسطيني مكانه، ولم يقدم حلولا لإنهاء المعضلة الكبرى فلسطينياً، وهي أزمة الانقسام، في حين تسمّر الشباب الفلسطيني المتابع والمتضامن والثائر أمام صفحات موقع فايسبوك والتلفاز بكل كيانه أمام الهبّات الجماهيرية في مصر وتونس ليفرّغ من خلالها تمنياته ورغباته الغير المتاحة. فهل توقّف الأمر بالشباب الفلسطيني على مسألة التفريغ والتضامن خارجياً لا داخلياً؟
إنّ التفريغ حالة طبيعية، وليس لها بديلاً، في حال الشباب الفلسطيني المحاصر بحزمة من المشكلات لا حل لها في ظل انعدام الحلول، فبشار مصلح 25 عاماً، وعدد من أصدقائه مازالوا يتابعون بشغف أحداث موجة الثورات في الوطن العربي بدءاً من تونس وحتى مصر إضافة لكل التغييرات المتلاحقة على المستوى العربي والعالمي تأثراً بالأحداث.
حيث عبر مصلح بألم عن دوافعه لمتابعة التظاهرات قائلاً: "شعبنا من أكثر شعوب العالم التي تعرضت للظلم والاضطهاد بسبب الاحتلال، وعندما نرى أي شعب يحاول نيل حريته من نظام مستبد، نشاركه ونسانده ونتفاعل معه، وتابع بشار: "المتابعة تعني لنا أننا قادرين أن ننتصر لحق من الحقوق، ولسنا عاجزين كما هو الواقع"، وتابع: "ليس لدينا الكثير سوى التضامن معهم بما لدينا، ربما هذا كل ما لدينا!!.
فيما أوضح د.إياد السرّاج أنّ ما حصل للشباب والمجتمع الفلسطيني عموما عدا عن خصوصية أحداث مصر وتأثيرها المباشر على القضية الفلسطينية، هو وجود قضية وطنية وطريق مسدود إضافة إلى خوف في ظل وجود قضية قريبة من قلبه، وبالتالي أصبح يعبر عن تضامنه مع الشعب المصري ليعبر عن مصيبته الخاصة.
على من نثور؟
ولكن حالة التشتت التي أكلت عقل الشاب الفلسطيني أوجدت نفسها لتكون عقبة أولى أمام أي حركة تغيير حقيقية، فلم يجد وليد عيسى طالب جامعي 21 عاما ملجأ سوى الحياد أمام عجزه في إحراز تغيير لواقعه الفلسطيني، وقال: "نحن الشباب مللنا كل شيء، ولو حصل وخرجنا للمطالبة بكل ما نريد من حقوق، فمطالبنا لن تنفذ من قبل أي طرف". وتابع: "من الغباء أن ننتظر مصالحة وطنية، ومن الغباء، وفي الوقت ذاته تأييد مظاهرة ضد الواقع".
فيما أوضح المحلل السياسي حسن عبده أن الحالة الفلسطينية مركبّة ومربكة"، وقال: "النظام السياسي الفلسطيني مركب من منظمة التحرير وسلطة رام الله وحكومة غزة، أما حالة الإرباك فأرجعها للأطر المختلفة التي خلقت نظام سياسي مشتت إضافة للمعضلة الكبيرة، وهي حالة الانقسام وسط وجود الاحتلال، وبالتالي خلقت شباب مشتت يعيش رهناً للضغوطات من كل اتجاه، بل ليس لديهم حتى جبهة يثورا ضدها، وهذا يخلق تساؤل مهم لديهم: ضد من يثور الشباب؟ في حين لا يجد هذا التساؤل إجابة بسبب التشتت!
العقبة الأساسية هي الفصائل
في حين أرجع المحلل السياسي عبد الستّار قاسم هذه الحالة المربكة إلى تجيير الحركة الفلسطينية موضحاً: "هناك شلل في الحركة الشبابية، في السابق كانت هناك حركة شبابية فاعلة، ولم يكن هناك بعد سياسي داخلي يحكم تصرفات الشباب". وتابع: "كل ما يحدث الآن هو أن كل مجموعة شبابية تتبع روزنامة معينة للفصيل التي تنتمي إليه، وتخرج برأي الفصيل وليس رأيها!"
فيما رأى قاسم أن وجود الفصائل عامل أساسي ومحوري في حالة خلق الإرباك في القضية الفلسطينية عموماً، وقال: عامة الناس باتوا غير مستعدين للخروج والتمرد على واقع لا يعجبهم، لأنّ الفصائل علمتهم أن كل جهودهم تذهب سدى".
غياب الثقة والقيادة الجماهيرية
فيما أرجع العامل الأساسي الآخر في عدم وجود هبة تغيير حقيقية لعدم وجود قيادة يلتف حولها الشباب موضحاً: "الفصائل فاشلة تماماً في تحقيق أي شيء، ولم تحقق شيئاً أصلاً، والأدهى أنها لا تسمح أن تظهر عوراتها عبر قيادة جماهيرية"
كما أسف قاسم للحقيقة الصعبة، وهي أنّ الفصائل لا تتمحور حول قضية فلسطين، بل أنّ كل فصيل يعتبر نفسه نعمة الله والفصيل الآخر نقمة الله التي تمنعه عن الإنجاز"، وأوضح: "بالتالي لم يعد هناك وعي بعمومية القضية الفلسطينية، بل أصبح الوعي مقولب ضد الفصائل، وهذا جعل الناس تفقد الثقة بالعمل الجماهيري!".
الحجارة الفلسطينية علّمت التمرد
وفيما يتعلق بتحليل بنية الشباب الفلسطيني رأى الأخصائي الاجتماعي والنفسي د.سمير قوتة أن اختلاف المجتمع الفلسطيني عن المجتمعات العربية التي تملك دولة يتواصل فيها المجتمع سياسيًا وجغرافياً وعاطفيا وبأكثر من طريقة فيما بين أفراده، عامل مهم في منع وجود هبة تغيير جماهيرية شبابية فلسطينية تشكل ثورة تطالب بإنهاء حالة الانقسام.
ولم ينس قوتة أن يلفت الانتباه إلى أن الشعب الفلسطيني بالحجارة ووسائل تظاهره علّم الشعوب التمرد، وقال: "نعم .. الشباب الفلسطيني الحالي لديه كل عوامل القهر والظلم الموجودة لدى الشعوب العربية التي تؤهله لهبة كبيرة، بل أكثر من ذلك، ولكن مع اختلاف العوامل المساعدة لذلك، في حين استدرك قوتة قائلاً: "لا يوجد قاعدة حقيقية لتمرد شعبي للوضع الفلسطيني المشتت عن قضيته"، مشيراً لثورة الكرامة التي أعلن عن إطلاقها عبر برنامج فايسبوك مجموعة من الشباب اثر أحداث مصر، وقال: "مايحدث عبر فايسبوك من مطالبات بإنهاء الانقسام الفلسطيني فقط له علاقة بالتفريغ وأقرب للتقليد المعاش وليس لها أبعاداً مدروسة وواعية".
دور مؤسسات المجتمع المدني..مهم
مشيراً أن التظاهر الحقيقي ضد الانقسام لا يجدر أن ينحصر في حيز قطاع غزة كما تم توجيه التظاهرة المعلنة التي أطلق عليها ثورة الكرامة، وتابع: "بل يجب أن تخرج تظاهرة في كل المناطق الفلسطينية تضم كل أطياف الشعب الفلسطيني لتطالب بإنهاء الانقسام لا تكريسه".
فيما نوّه قوتة إلى أهمية دور مؤسسات المجتمع المدني في لعب دور هام في تجنيد الشباب للقيام بمهامهم في تغييب الصدع الناجم عن الانقسام.
توجيهات للشباب
وحول وجود أي توجيهات خاصة للشباب أفاد د.اياد السراج أنّ الشباب ليسوا بحاجة لتوجيهات، ولكن هم بحاجة لنوع من الهدوء النقي والانسجام مع المحيط بدون أنانية، بالإضافة إلى محاولة خلق نوع من التوازن بين احتياجاته الخاصة واحتياجاته المجتمعية.
ملفتاً الانتباه إلى ضرورة أن يتجاوز الشباب عملية جلد الذات ،تلك العملية التي ينساق لها الإنسان بدون وعي ، والأهم أنها تجرده من كرامته، واستعرض مثالاً لجلد الذات مثل قول أحدهم: لا نستحق هذا الوطن، أو نحن السبب فيما حصل، أو توجيه الاتهامات واللوم الشديد للذات بسبب تقصير.
وقال: الخوف له مسببات كثيرة ومتعددة،ولكن سيأتي يوم ما حتماً يُكشف فيه عن هذا الخوف.
في الحقيقة نعم هناك خوف وعقبات كثيرة تقف أمام حركة شبابية فاعلة من المفترض أن تقوم بدور التغيير على المستوى الفلسطيني، في حين أنّ كل العقبات مهما وصلت صعوبة تجاوزها لن تقف أمام شرارة غير متوقعة، تماماً مثلما حدث في تونس، فمن توقّع أن تتفجر ثورة شعب تونس بسبب عربة خضار؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات