الأقسام الرئيسية

الغرب اللاديني يريد حماية المسيحيين: هل عادت المسالة الشرقية للسياسة الغربية؟

. . ليست هناك تعليقات:


الموزاييك الأقلوي لم يغب عن ذهنية الغرب الذي نصب نفسه قيما على الشرق. ومثالا العراق والسودان الراهنان لا يختلفان كثيرا عما جرى قبل قرن من تقطيع لجسد 'الرجل المريض' العثماني.

ميدل ايست أونلاين


بقلم: د سليم نزال


التصريحات الفرنسية الاخيرة التي طالبت بتدخل اوروبي لحماية المسيحيين في الشرق وتصريح وزير الخارجية الايطالي الذي طالب فيه بربط المعونات الاوروبية بموضوع حماية مسيحيي الشرق تعيد إلى الاذهان مرحلة ما بات يعرف بالمسالة الشرقية التي برزت في القرن التاسع عشر واستمرت حتى الحرب العالمية الاولى حسب التحقيب التاريخي على الاقل.

ولذا فاني اسعي بما يتسع به المقال لابرهن ان المسالة الشرقية لم تعد الان لانها لم تغب تماما في السياسة الاوروبية. والسبب في رأيي يعود اساسا إلى تعامل الغرب للمنطقة العربية كموازييك اقلوي وطائفي.

على المستوى التاريخي تعني المسالة الشرقية التدخل الاوروبي المنهجي في الدولة العثمانية التي تم اعتبارها رجل اوروبا المريض. واستتباعا بدأت الدول الاوروبية القوية كبروسيا والنمسا وانجلترا وفرنسا تنظر إلى نفسها كوريث "للرجل المريض" الامر الذي سوغ لتلك الدول بالتدخل في كافة مناحي الحياة في الدولة العثمانية التي باتت عاجزة تماما عن ايقافها.

في تلك الفترة وصلت اوروبا إلى ذروة المد الاستعماري في كافة انحاء العالم في ظل مناخ فكري اوروبي بات ينظر للحضارة الاوروبية على انها الحضارة الكونية التي ينبغي ان تفرض على العالم كله وحتى ماركس نفسه لم يتورع عن دعم فكرة احتلال بريطانية للهند من منظور تلك المناخات التي تمت في اثناءها صياغة الغرب كما يريده الأوروبيون على حد ادوارد سعيد.

و قد اشار لهذا الامر المؤرخ الانكليزي ارنولد توينبي بقوله ان المسالة الشرقية سارت على ثلاثة افتراضات ليست صحيحة وهي اوروبا مقابل اسيا، اسلام مقابل مسيحية، وحضارة مقابل تخلف. وهو طرح تم تكراره بصورة او باخرى عبر برنارد لويس في مسالة صراع الاديان ثم مع هنتينغتون في مسالة صراع الحضارات.

وخطورة المسالة الشرقية انها لم تقتصر على التدخل في شؤون الدولة العثمانية بل تجاوزت الامر إلى صياغة هويات طائفية جديدة للمنطقة تنسجم تماما مع توجه تلك الدول.

من هذا المنطلق انطلقت فكرة حماية ما يعرف بالاقليات الدينية في جبل لبنان فاعلنت روسا انها حامية للروم الارثوذوكس وفرنسا حامية للموارنة والنمسا للكاثوليك وبريطانيا للدروز. وتقسيمات سايكس بيكو التي قسمت المشرق العربي إلى خمسة كيانات سياسية اضافة لمحاولات فرنسة لتقسيم سوريا المقسمة اصلا عبر خلق دول طائفية ومن ثم زرع الكيان الصهيوني في فلسطين او سورية الجنوبية.

ولذا فان تداعيات المسالة الشرقية لم تزل مستمرة حتى الان لانها انتهت بنتائج مدمرة للمنطقة العربية والكثير من الاحداث التي حصلت وتحصل وستحصل ليست سوى افرازات لسياسة المسالة الشرقية.

فالكيان الصهيوني في نهاية المطاف هو احد ثمار المسالة الشرقية وكذلك ثمرة للفكر الاستشراقي الذي اخترع تاريخا وهميا وضخم وبالغ من مسالة الموازييك الديني لاجل تفتيت المنطقة وزرع كيان لا علاقة له من قريب او بعيد بثقافة المنطقة العربية التي بنت حضارتها عبر تراكم عصور ممتدة عبر التاريخ.

ولذا فان قول بن غوريون مؤسس الكيان الصهيوني حول تفتتيت سوريا والعراق ولبنان إلى كيانات طائفية يستمد من ذات الفكر الاستشراقي الذي كان يقف خلف المسالة الشرقية.

ومن المهم التركيز هنا ان التفتيت والعبث بمنظومة القيم وخلق هويات صغيرة على حساب الهوية الجامعة كانت لها ولم تزل اثار اجتماعية وثقافية واقتصادية مدمرة.

ونحن حين نتحدث عن منظومة القيم العربية فاننا نعني كما اشار المرحوم الجابري بتلك العناصر المكونه للهوية العربية. وهي عناصر متعددة المصادر لكننا في نهاية المطاف كما يقول الجابري يمكننا التمييز في كل حضارة على القيم المركزية التي تكون عادة حصيلة تراكمات تاريخية ونتيجة لتجارب وخبرات وتفاعلات حضارية الخ.

و لذا فاني اعتقد ان سياسة المسالة الشرقية لم تغب تماما من الفكر الاوروبي بانتهاء المرحلة التاريخية الماضية والتي نجحت فيها من ايجاد شرق يتناسب مع الانثروبولوجيا الاوروبية التي نظرت للشرق نظرة رومانسية في البداية ثم للشرق كرمز للحريم او التخلف او الشرق كرمز معادي للغرب او للشرق كمجموعات عرقية ودينية متصارعة او للشرق كمصدر لللارهاب.

ولدينا في الوقت الحاضر النموذجان العراقي والسوداني وهما يدللان بصوره لا لبس فيها على استمرارية سياسة المسالة الشرقية.

فمنذ الايام الاولى للاحتلال الاميركي للعراق بدانا نسمع لاول مرة عن مصطلحات جديدة مثل المثلث السني وشاهدنا ضخا اعلاميا غير مسبوق يركز على شيعية الجنوب وسنية الوسط وكردية الشمال حتى وصلنا لمرحلة بات فيها الحديث عن عراق موحد وكانه ينتمي للماضي.

اما السودان فقد كان مختبرا حقيقيا لتطبيقات الفكر الاستشراقي (المولع بالتركيز على الثقافات الجانبية!)

وكذلك نشير إلى الاعمال التبشيرية التي تستمد ثقافتها ليس من تعاليم المسيح الشرقي بل من صياغة غربية لمسيحوية تتناسب مع ما اسماه ادوارد سعيد صناعة الشرق. اضف إلى تداخلات صهيونية وامبريالية تلتقي كلها على تفتيت الوحدة الترابية والمجتمعية للسودان. وهنا لا يمكن اغفال فشل النخب العربية السودانية التي ساعدت هذه المشاريع من غير ان تدري وذلك عبر فشلها تاريخيا من تقديم نموذج سياسي يعبر عن التعددية العرقية والدينية والقبائلية السودانية لكن مسالة فشل التطبيقات السياسية للفكر القومي العربي يحتاج لنقاش اخر.

و لذا فاني اعتقد ان المسالة الشرقية لم تختفي من الفكر الغربي الرسمي وشبه الرسمي بقدر ما انها اتخذت اشكالا متعددة مرة باسم تحقيق الديموقراطية والحرب العالمية على الارهاب إلى ما هناك من مصطلحات تمت صياغتها من انثروبولوجيا غربية لم تزل اسيرة لفكرة مركزية الحضارة الغربية.

اما الان فقد بدا الحديث عن حماية المسيحيين الشرقيين وكان الغرب اللاديني بات حامي حمى المسيحيين الشرقيين. بينما الحقيقة التاريخية تقول ان المسيحيين مكون اساسي من حضارة المنطقة العربية ومسالة وجود بعض المتطرفين في الجانب الاسلامي هو الاستثناء وهؤلاء كما اكدت الاحداث لا يملكون اي سند ديني اسلامي او غطاء شعبي وهم مثل كل حركات التطرف في التاريخ ليس لهم اي مستقبل. ولذا فان مسالة النهوض بمجتمعاتنا لاجل الحرية والديموقراطية والمشارك السياسية وحقوق الجميع تظل مسؤولية اهل المنطقة اللذين عاشوا لقرون طويلة وهم يستمعون معا لصوت الاذان من المساجد وصوت قرع أجراس الكنائس.

د سليم نزال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer