يقول عادل ذكرى: «البداية كانت فى المدرسة الابتدائية حين كنّا نأخذ حصة الدين المسيحى على السُّلم، وكان سؤال يطاردنى، كيف يذل وطن أبناءه بهذه الطريقة؟!، ظللت لسنوات طويلة أقاوم صراعاً فى نفسى حول فكرة هل التعصب فى مصر له طبيعة فردية لأشخاص مريضة ومعقدة؟ مازلت يا صديقى أؤمن بمصر، مازلت أؤمن بالوطن الذى يحمى فى حضنه كل من وُلدوا على أرضه، الموقف التالى كان بالمدرسة الإعدادية حين حرمنى أستاذى من حق الدفاع عن نفسى عندما اتهمنى بعض زملائى بأننى أتحدث فى الدين، مع أنى كنت الضحية، بعدها تلقنت درساً مهماً وهو ألا أتحدث عن الدين أبداً، بل أسمح للآخرين بأن يتكلموا عن دينى كيفما يشاؤون، وليس لى أن أعترض، قاومت نفسى لئلا أصبح متطرفاً أو ساخطاً يوماً ما، أو حتى متعصباً، أو منزوياً عن المجتمع، تأمل كيف استهلك هذا من طاقتى، وقيدنى وأنا فى سنوات التحصيل الدراسى؟! فى المرحلة الجامعية التحقت بكلية الصيدلة واضطررت أن أعمل أثناء الدراسة فى صيدلية مؤجرة فى بيت الحاج محمد. وكنا نقوم بالواجب مع الحاج محمد وأولاده بقدر ما نستطيع وأكثر، كان له من الأولاد ثلاثة ملتحون غير متعلمين، كانوا يأتون إلىّ لأجرى لهم عملية حسابية بسيطة، أو أقرأ لهم عنواناً، أو أكتب لهم رقم تليفون، ولكننا كنا نعرف مدى كراهيتهم لنا، ونظرتهم لنا باستعلاء.
بالأمس تأتى زوجتى لتحكى لى عن طفل فى المدرسة التى تعمل بها صُدم لما عرف أنها مسيحية، أو أطفال مسلمين فى المرحلة الابتدائية لا يريدون الجلوس بجوار أقرانهم من المسيحيين، هل رضعوا التعصب من والديهم؟ معذورون، لم يجدوا من يعلمهم عكس ذلك، أشار علىّ البعض بالهجرة.. رفضت، لم تكن تعوزنى متطلبات الهجرة، وإنما الحماس للفكرة ذاتها.
نحن الآن يا عزيزى أمام مواطن غير مصرى يعيش على أرض مصر، مصر لم تعد مصر، والزمن لم يعد الزمن، نحن فى زمن المسخ، كما أننى أجزم أن غالبية الشعب المصرى لا يشعرون بمصريتهم، بل يلعبون دور البلياتشو، نضع مساحيق من ماركات مختلفة على وجوهنا، فنظهر أفارقة فى المهرجانات الرياضية، ثم سرعان ما نرتدى عباءة بيضاء وعقالاً ونترحم على عبدالناصر والحلم العربى وذلك عندما نتحدث عن فلسطين، ولكن الموضة السائدة هذه الأيام هى المساحيق الدينية، وقليلاً ما تظهر المساحيق مصرية الصنع فى مجالات السياحة فقط. سمعت بأذنى أثناء زيارتى لمعبد الكرنك بالأقصر مصريين يقولون: من أشار علينا بأن نأتى إلى هنا حيث هذه الأصنام، أرأيت؟ نسخر من تاريخنا، ونسخر ممن يتحدث كلمتين بالفصحى، أصبحنا ممزقين لا تُعرف لنا هوية.
مسؤولية من؟ بالطبع النظام، لا يستطيع النظام أن يتنصل من المسؤولية، يملأون الدنيا صخباً عن توفير فرص عمل، استثمار، رغيف العيش، العلاج، إنهم يعملون وفقًا لعقلية رجل الأعمال، مواردنا.. مصروفاتنا.. أرباحنا وبقاؤنا لأطول فترة فى السلطة، ليس لديهم حس وطنى حقيقى، وإلا تفتحت عيونهم على السرطانات الخبيثة التى تنهش فى كبد الوطن، ولا عجب أن يشعر الناس بأن حكوماتهم تستغلهم وتتاجر بهم، لقد مات مصطفى كامل وسعد زغلول ومكرم عبيد، ولم يتركوا خلفاً أو وريثاً، مازلت متعلقًا بالأمل، مترجياً فجراً جديداً تشرق فيه الحرية والعدل والمساواة هنا فى أرض الله، فى مصر، وأرجو الله أن يمنحنى الصبر عندما أرى مذلة الحق الضعيف وعزة الظلم القدير».
info@khaledmontaser.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات