وزير: الحكومة واثقة من تصويت الأغلبية لصالحها
الأربعاء 23 محرم 1432هـ - 29 ديسمبر 2010مصورة ضبابية تلف المشهد السياسي في الكويت، تأتي على وقع جلسة استجواب ماراثونية عقدت أمس واستمرت نحو 11 ساعة لرئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ ناصر المحمد الصباح، قدمه ثلاثة نواب هم: مسلم البراك ود.جمعان الحربش وصالح الملا، وذلك على خلفية أحداث ديوانية الحربش، التي شهدت مواجهات بين قوات الأمن وعدد من المواطنين والنواب.
ساعات الاستجواب الطويلة تبعها موجة من الشائعات تارة تصب في صالح فريق وتارة أخرى لحساب فريق آخر، إلا أنها انتهت إلى نتيجة غير واضحة، خصوصاً مع تسارع الأحداث وتغير المواقف لدى بعض النواب باتجاه المعارضة ولاسيما النواب القبليين منهم.
استقالة من البرلمان
الحراك السياسي الذي زادت وتيرته منذ مساء أمس وصباح اليوم الأربعاء 29-12-2010 كان عنوانه واحداً هو الوصول إلى سقف الـ25 صوتاً هذا بالنسبة لنواب المعارضة ليحسم الموقف لصالحهم في جلسة طلب عدم التعاون المزمع عقدها في 5 يناير المقبل.
وعبّر النائب حسين القلاف الموالي للحكومة عن ذلك بالإعلان عن التفكير بتقديم استقالته، عندما قال: "أفكر بتقديم الاستقالة من عضوية مجلس الأمة"، مبرراً ذلك بالقول: "الوضع هالأيام ضبابي، والأمور مقلوبة".
والتناقضات السياسية التي حملها المشهد السياسي الكويتي أخيراً كانت كثيرة وبخلاف التحول البارز في نهج النواب القبليين، فقد صوت اليوم نواب ليبراليين في مشروع يخدم الأجندة الإسلامية في المجلس.
وقال القلاف عن إقرار قانون إعفاء لحى العسكريين بمداولته الثانية من قبل مجلس الأمة: إن الأمور مقلوبة، مرزوق الغانم وصالح الملا، وعبدالرحمن العنجري يوافقون على قانون إعفاء اللحى، هذه نكتة، مع أن هذا شغل محمد هايف ووليد الطبطبائي!" وهما نائبان إسلاميان.
إلى ذلك نفى وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء روضان الروضان أن تكون الحكومة قد قدمت استقالتها، وذلك على خلفية أنباء تواردت بهذا الشأن بعد انقضاء جلسة الاستجواب مساء أمس.
كما قال وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة د. محمد البصيري: "لو لم نكن على ثقة بأن سمو رئيس مجلس الوزراء لن يحصل على الأغلبية النيابية في جلسة التصويت على عدم التعاون لما أعلنت الحكومة حضورها الجلسة المقبلة".
خيار الحكومة الشعبية
من جانبه، أصدر حزب الأمة في الكويت بياناً صحافياً دعا فيه إلى خيار الحكومة الشعبية، مشيراً إلى أن الوضع السياسي في الكويت قد وصل إلى طريق مسدود بالسياسات والممارسات الحكومية غير الدستورية، على حد وصف البيان.
وبالنظر إلى ما تسرّب إلى وسائل الإعلام الكويتية من معلومات وأحاديث في جلسة الاستجواب أمس، فقد عرض النائب مسلم البراك فيديو لما قال إنه مشاهد لضرب القوات الخاصة للدكتور عبيد الوسمي. وشبه البراك الحكومة بعلي الكيماوي مثلما كان يضرب العراقيين بالأقدام.
أما رئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ ناصر المحمد، فنقل عنه قوله: إن قلة من النواب تضع العراقيل أمام الحكومة بهدف تسجيل موقف أمام ناخبيهم والخروج للشارع ومخالفة القوانين وتوزيع اتهامت دون سند، مشدداً على أن الاستجواب غير دستوري وأن الصعود للمنصة جاء بغرض تفنيده.
الباحث في الشؤون السياسية والإعلامية عبدالرحمن المسفر العجمي فنّد المشهد السياسي لـ"العربية نت"، قائلاً: لقد سجل الاستجواب مفاجأة كبيرة ممكن ان تنذر عن مفاجآت مقبلة وهي توقيع النائب حسين مزيد على كتاب عدم التعاون رغم موقفه السابق الذي فهم منه مؤازرته للحكومة ودفعه باتجاه الإبقاء على رئيس مجلس الوزراء.
وأضاف: هناك من يميل وأنا منهم إلى أن تأخير الإفراج عن أستاذ القانون والناشط السياسي عبيد الوسمي أدى إلى هذا التحول في موقف النائب مزيد لاسيما بعد توالي الضغوط الجماهيرية الكبيرة واللقاء الذي اجتمع فيه نواب قبيلة المطران عند أكبر وجهائها وهو الشيخ فيصل الدويش وما تضمن من حث النائب مزيد على اتخاذ موقف مناصر للحريات ومنسجم مع رغبات وإلحاحات ناخبيه. لافتاً إلى أن تأخير الإفراج عن الوسمي أوجد مبرراً سياسياً مختلف كلياً.
وأردف أن المفاجأة الأخرى أيضاً وكانت متوقعة تكمن في تصريح النائب خالد السلطان (سلفي) القائل: إن ردود الحكومة كانت ضعيفة وإن الفيلم الذي عرضته (خلال الاستجواب) كان مدبلجاً وهو ما يعطي ايحاءً سياسياً شديد الوضوح بإمكانية توقيعه على كتاب عدم التعاون في جلسة الأسبوع المقبل.
وعلى الرغم من هذين التحولين المهمين - والكلام للعجمي - إلا أنه في الجهة المقابلة بات جلياً أن الحكومة مازلت مطمئنة على عدم تجاوز رقم عدم التعاون سقف الـ22، وهو ما يجعل الحكومة برئيسها بمنأى عن الإطاحة وفقاً لنصوص ومقتضيات الدستور في شأن الأغلبية النيابية التي تؤدي إلى إما حل مجلس الأمة وإما اللجوء إلى استقالة الحكومة برئيسها. هذا طبعا يضع كلا الطرفين بورطة سياسية كبيرة في الجانب النيابي وهو ما يعتقده المتضررون على نحو خاص وهم النواب الذين اجتمعوا في ديوان الحربش في حادثة مهاجمة القوات الخاصة لهم وبالدرجة الثانية من يناصرهم في سألة الحفاظ على النصوص الدستورية والحريات بصفة عامة.
واعتبر العجمي أن وجه الحرج يتعلق في مأزق قواعدهم الانتخابية والرأي العام وأيضاً في القواعد اللعبة السياسية وهو ينحصر في عدم مقدرتهم سياسياً ودستورياً على إزاحة رئيس مجلس الوزراء وهذا يجعلهم في خيارات أكثر صعوبة، وهي بدائل سياسية طرحوها تتوزع ما بين استقالة جماعية أو مقاطعة جلسات أو العودة مرة أخرى إلى الشارع وكل هذه الخيارات المطروحة ليست مضمونة النتائج، حيث إن الاستقالة الجماعية ستضعف موقف المستجوبين الثلاثة ومن يقف وراءهم من مناصرين للاستجواب، إذ إن العزم منعقد لإجراء انتخابات تكميلية، وهو أمر تم استشفافه من تصريحات للأمير بأن المجلس الحالي سوف يكمل مدته القانونية. والسؤال المهم هنا: "أي فعل سياسي يمكن أن يجنى من هذه الخطوة؟".
ويتابع العجمي: السيناريو الآخر هو مقاطعة الجلسات وهو خيار طرح وقد يعترض عليه الكثيرون لاسيما الدستوريون والقانونيون ونشطاء في الشأن السياسي على اعتبار أن أسلوب تعطيل الجلسات هو محاولة وإن كان ظاهرها احتجاجي لكنها تفريغ لبعض جوانب الدستور من مضامينه، وهي أيضاً دعوة وسلوك مردود عليه حيث إن بعض النواب رفضوه عندما اقدمت الحكومة عليه سابقاً، إذ إنهم انتقدوا الحكومة في تقاعسها في عدم حضور الجلسات الخاصة بالتصويت على رفع الحصانة عن النائب فيصل المسلم فكيف يكون منطقياً قبولهم عدم حضور النواب للجلسات.
ويستطرد: الأمر الثالث وهو العودة إلى الشارع، إن هذه الفكرة على الرغم من أنها أداة من أدوات العمل السياسي لكنها مرت عبر تجربة ديوان الحربش في منعطف خطر تمثل في حالة استثنائية ومرفوظة في استخدام الأدوات الأمنية في معالجة الملفات السياسية. وهو ما خلق حالة من الخوف على تكرار هذه التجارب بشكل واسع النطاق، وهو ما أثبتت استطلاعات الرأي العام الكويتي رفضه أو رفض وجود مناسبة أو فرصة لحدوثة مستقبلاً.
مؤشر خطير
أما على الجانب الحكومي فيرى الباحث العجمي أن المشكلة تكمن في أن رقم عدم التعاون في حال صدق التوقعات سوف يصل إلى 22 فإن هذا مؤشر خطير، حيث كان عدم التعاون الذي قدمه النائب فيصل المسلم في وقت سابق قد وقف عند 13 صوتاً، وهذا التطور وهذه الأرقام لها مدلولات سياسية يجب أن تقرأها السلطة التنفيذية قراءة دقيقة، فالاستجواب هذا اختلف عن سابقه لأنه جمع ثلاث كتل سياسية في المجلس على استحقاق هذا الاستجواب واستحقاق عدم التعاون، وهم: كتلة العمل الشعبي وكتلة التنمية والإصلاح وكتلة العمل الوطني. إضافة إلى بعض الإسلاميين المنتمين إلى بعض التيارات الإسلامية السياسية وبعض النواب القبيلين المستقلين.
وأفاد بأنه من اللافت للنظر أن هذا الاستجواب التزم فيه نواب، جزء منهم شيعة، الصمت في حين قام الطرف الثاني بالاندفاع نحو الرفض في صحيفة الاستجواب، وهي سابقة مهمة يجب أن تقرأ من 3 زوايا من قبل الجانب الحكومة والنيابي والرأي العام الكويتي.
وعلى صعيد السيناريوهات المستقبلية والافتراضات، أشار العجمي إلى أن هناك من يرى أن حالة التصعيد بعد هذا الاستجواب سوف تستمر على قضايا آتية في الطريق منها على سبيل المثال قضايا الحريات وتفسير الاجتماع والتجمعات وهو منشأ لخلاف نيابي حكومي قادم، الأمر الآخر هو الوقوف عند إنجاز خطة التنمية، إضافة إلى قضايا قانون المرأي والمسموع ومسألة تقليظ العقوبات المالية وصولاً إلى حد السجن وأيضاً ملف التجنيس وازدواج الجنسية وقضية البدون، إلى غير ذلك من الملفات الساخنة.
ويرى العجمي أنه من وجهة نظر أطراف النخبة السياسية في البلاد، والتي تقف موقف الوسط حيال الأزمات المتوالدة ما بين السلطتين فإن ثمة مطالبات بإجراء تعديل وزاري واسع النطاق وإعادة النوايا الحسنة من الجانب الحكومي على صعيد المواقف والسلوك أما على الجهة النيابية فثمة مطالبات من الطبقة نفسها بإعادة ترشيد الخطاب السياسي وتغليب المصلحة العامة وتكريس ثقافة المحاسبة الشعبية للسلوك النيابي. وأيضاً ثمة مطالبة بوجود إعلام حر مسؤول يقوم بأدواره المهنية على الحياد دون أن يخضع أو يرضح لمتعلقات العمل السياسي وظروفه ومصالحه وشخوصه والمتنفذين فيه. وثمة دعوة رابعة بإطلاق حوار وطني بين الطرفين الحكومي والنيابي على مسألة التعاون لتلافي مسائل التأزيم القديمة وتلك المستجدة، ورسم خطوات عملية تنطلق أولاً وأخيراً من الدستور وهوية المجتمع وفي التعامل السياسي والمواقف السياسية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات