طالبت دراسة حديثة بضرورة إنشاء صندوق طوارئ عالمي لإدارة السيولة يمكِّن المصارف الإسلامية المشاركة فيه للحصول على نسبة من السيولة حال الإعسار، مؤكدة على أهمية المبادرة إلى تأسيس نظام آلي يسهل للمصارف الإسلامية تداول فائض السيولة على الصعيد الدولي وبطرق فعالة، وعلى ضرورة تعاون المصارف الإسلامية على الصعيد المحلي والدولي ومن خلال إشراك علماء الشريعة والمتخصصين في المصرفية الإسلامية لابتكار أدوات مالية نقدية لإدارة السيولة في المصارف الإسلامية، وضرورة تطوير أطر قانونية وتنظيمية لإدارة السيولة تستوعب المصارف الإسلامية على الصعيد العالمي.
وأكدت الدراسة التي قدمها البروفسور أكرم لآل الدين، المدير التنفيذي للأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية في المالية الإسلامية في ماليزيا، للمجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، أن السوق الإسلامية تعاني شح الأدوات النقدية المالية لإدارة السيولة، وأن الضوابط التي وضعها مجمع الفقه الإسلامي الدولي وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية لتداول الصكوك وفت بالمطلوب من الجانب النظري، غير أن أهم عائق واجه إعمال الصكوك كأداة لإدارة السيولة تمثل في فحص الشروط والضوابط وحسن تنزيلها على المنتجات المعروضة في السوق.
وقال لآل الدين: ''إن السيولة هي القدرة على تمويل الزيادة في الموجودات، والوفاء بالالتزامات عند مواعيد استحقاقها دون تكبد خسائر غير مقبولة، وإدارة هذه السيولة تعني احتفاظ المصرف بتدفقات نقدية كافية لمواجهة سحوبات كبيرة وبشكل فجائي أو غير معتاد، كما أن حسن إدارة السيولة تكمن في الموازنة بين الإبقاء على نسبة من السيولة للوفاء بالتزامات المتعاملين، واستثمار جزء منها لتحقيق الربحية لهم''.
وتابع لآل الدين: ''شهدت المصرفية الإسلامية تطورا متسارعاً وقبولاً تجاوز الحدود الجغرافية للدول الإسلامية إلى دول غربية متقدمة مثل بريطانيا وفرنسا، ومثلت المصرفية الإسلامية على أعقاب الأزمة المالية العالمية عند كثير من المحللين بديلا حقيقيا للمصرفية الوضعية، غير أن هذا الزخم الذي شهدته هذه المصرفية من حيث الانطباع العام والإقبال المتزايد قابلته انشغالات أثيرت حول بعض مشكلاتها، لا سيما فيما يتعلق بإدارتها للسيولة سواء في فوائضها الضخمة أو في بعض أوقات إعسارها، وقد أظهرت الأزمة العالمية ضعف بعض الأطر التنظيمية والإدارية لإدارة هذه السيولة التي تعد عنصرا مهما وأساسيا ومحددا رئيسا لحسن أداء المصرفية الإسلامية''.
ويرى المدير التنفيذي للأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية في المالية الإسلامية في ماليزيا، أن توفر قدر من السيولة يعد أمرا ضروريا لأنه يمكن المصرف من الوفاء بالتزاماته تجاه الآخرين خصوصا فيما يتعلق بالسحوبات التي يقوم بها الأفراد، وفي نفس الوقت يعد الاحتفاظ بسيولة كبيرة عاملا من العوامل المقللة من ربحية المصرف التي تؤدي إلى خسارة متعامليه، كما أنه يعطي مؤشرا سلبيا على عدم قدرة المصرف على استثمار الفائض لديه، لافتاً إلى أن هذه العوامل كانت سبباً في نشأة مصطلح جديد أطلق عليه ''مخاطر السيولة''، وهو كما يعرفه مجلس الخدمات المالية الإسلامية مؤسسة ''تعرض الخدمات المالية الإسلامية لخسارة محتملة تنشأ عن عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها، أو تمويل الزيادة في الموجودات عند استحقاقها دون أن تتكبد تكاليف أو خسائر غير مقبولة''، مبيناً أنه نتيجة لتلك المخاطر نشأ مصطلح آخر سمي ''إدارة مخاطر السيولة''، وهو ما يعني ''قدرة المصرف على تمويل الزيادة في الموجودات والوفاء بالالتزامات في مواعيدها وبتكلفة معقولة''.
مستدركا لآل الدين، إدارة سيولة المصارف سواء من جانب الطلب أو جانب العرض تتطلب توفر المصارف على هيكل لصناعة القرارات، ومنهج لعمليات تمويل السيولة، ومجموعة من حدود التعرض لمخاطر السيولة، ومجموعة من الإجراءات لتنظيمها في ظل أحداث محتملة مثل الأزمات المالية.
وأشار لآل الدين، إلى أن مصادر السيولة، إما أن تكون من خلال المصادر الداخلية ''وهي تمثل نسبة ضئيلة من إجمالي السيولة، وتشتمل على حقوق المساهمين من رأس المال واحتياطي وأرباح المرحلة، والمخصصات، وبعض المصادر الأخرى مثل التمويل من المساهمين على ذمة زيادة رأس المال، والقروض الحسنة من المساهمين، وأما من خلال المصادر الخارجية: ''وهي تشتمل على الودائع بأنواعها كالودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية)، والودائع الادخارية (حسابات التوفير)، وودائع الاستثمار (حسابات الاستثمار) وودائع المؤسسات المالية، والصكوك بأنواعها (صكوك الإجارة والمضاربة والمشاركة وغيرها)، ودفاتر الادخار وشهادات الإيداع.
وزاد لآل الدين، تهدف إدارة السيولة في المصارف الإسلامية إلى المحافظة على استمرار المصرف في أداء وظيفته على أحسن وجه، وإبعاد مخاطر العسر المالي عنه، التأكد من مقدرة المصرف على الوفاء بالتزاماته وتحصيل الذمم والتمويلات والاستثمارات في تاريخ استحقاقها، حماية الأصول من عملية البيع الاضطراري عند الحاجة، وعدم تعريض المصرف لمخاطرة كبيرة على المدى الطويل، تقوية ثقة المودعين وبالتالي استمرارهم في الإيداع من خلال الإدارة الجيدة لموجوداتهم، تسييل الأوراق المالية وبيع الأصول دون تحمل خسارة، توريق أصول بغرض إصدار صكوك، لتحقق عوائد مجزية للمستثمرين وتغطية جزء من العجز في الموازنة، تجنيب المصرف اللجوء الاضطراري للاقتراض بشروط مجحفة أو غير متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية''.
وأردف لآل الدين: ''ثمة مرتكزات يجب أن تتوفر عليها المصارف الإسلامية لترقى إلى المستوى المطلوب في إدارة السيولة، وتتجنب مخاطر الإعسار أو سوء استثمار ودائع المتعاملين، ومن أهم هذه المرتكزات: توفر السوق على عدد كبير من المتعاملين النشطين، وتنويع وتطوير الأدوات المالية، وضمان شفافية السوق، ودعم الحكومات للسوق النقدية، إرساء إطار قانوني وتنظيمي قوي''.
وأشار المدير التنفيذي للأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية في المالية الإسلامية في ماليزيا، إلى أن نجاح إدارة السيولة في المصارف الإسلامية يتطلب توفير أدوات مالية ذات فعالية عالية تجمع بين الربحية والتنويع والاستجابة لمختلف آجال الاستحقاق، لافتاً إلى أن الهندسة المالية الغربية توفرت على أدوات مالية متنوعة لإدارة السيولة، غير أنها انبنت كلها على الربا المجمع على تحريمه، كما اتسمت بتعميق مفرط للمديونية، وأن إدراكا من الدول الإسلامية بأهمية هندسة أدوات مالية إسلامية لإدارة السيولة لا سيما بين المصارف الإسلامية, وإدراكا منها بالنقص الواضح لهذه الأدوات المالية النقدية, جعلها تسعى من خلال مؤسساتها المالية لتأسيس أسواق مالية وابتكار أدوات لإدارة السيولة، فكانت خطوة ماليزيا على سبيل المثال لإيجاد سوق لإدارة السيولة بين المصارف الإسلامية، حيث أنشأت هذه السوق عام ١٩٩٤م، كذلك بادرت البحرين في عام ٢٠٠٢م إلى تأسيس مركز إدارة السيولة لمساعدة المؤسسات المالية الإسلامية على إدارة سيولتهم من خلال تمويل قصير ومتوسط الأجل، مستطرداً أن التجربة الماليزية اتسمت بالتنويع، حيث حاولت أسلمت الأدوات التقليدية لإدارة السيولة من خلال استبدال مبنى العقد المتمثل في الفائدة الربوية بموجودات ومنافع مشروعة يبنى عليها العقد، أو من خلال إصدار الصكوك التي عدت أبرز أدوات لإدارة هذه السيولة.
وكشفت الدراسة أن سوق إصدار الصكوك في سنة ٢٠٠٦م شهد نمواً بنسبة ١٤٥ في المائة مقارنة بسنة ٢٠٠٥م ليصل إلى ٢٧ مليار دولار، وفي عام ٢٠٠٧ وصل سوق الصكوك إلى ذروته حيث بلغ ٤٧ مليار دولار، غير أنه انخفض سنة ٢٠٠٨م ليبلغ ٢١ مليار دولار، بسبب الأزمة المالية العالمية، وندرة السيولة، ومنطق الانتظار والترقب من قبل المستثمرين، وقد بقي الحال على ما هو عليه في سنة 2009م بسبب الأزمة التي شهدتها مجموعة من إصدارات الصكوك، متوقعة الدراسة أن تكون سوق الصكوك انتعشت في سنة ٢٠١٠م، حيث إن الحجم العام لإصدار الصكوك فقد وصل إلى آب (أغسطس) ٢٠٠٩ نحو ١٣٣ مليار دولار ما جعلها أكثر وأشهر أدوات سوق رأس المال الإسلامية.
وقسمت الدراسة أنواع الصكوك إلى عدة أقسام بحسب اختلاف اعتبارات التقسيم، ذلك أن مستند تقسيم هذه الصكوك قد يكون العقود الجزئية المؤطرة لهيكلة الصكوك، وفي هذا الجانب نجد تقسيمات هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية التي قسمت هذه الصكوك إلى 14 نوعا من الصكوك هي: صكوك ملكية الموجودات المؤجرة، صكوك ملكية منافع الأعيان الموجودة، صكوك ملكية منافع الأعيان الموصوفة في الذمة، صكوك ملكية الخدمات من طرف معين، صكوك ملكية الخدمات من طرف موصوف في الذمة، صكوك السلم، صكوك الاستصناع ، صكوك المرابحة، وصكوك المشاركة، صكوك الشركة، صكوك المضاربة، وصكوك الوكالة بالاستثمار، صكوك المزارعة، صكوك المساقاة، صكوك المغارسة. يشار أن من أبرز ما صدر من ضوابط لتداول الصكوك، الضوابط التي وضعها مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الرابعة المنعقد سنة ١٩٨٨ في المملكة، حيث تناول ضوابط صكوك المضاربة التي تتناول في مجالها ضوابط تداول الصكوك، وتتلخص هذه الضوابط في الآتي: أن يمثل الصك ملكية حصة شائعة في المشروع الذي أصدرت الصكوك لإنشائه أو تمويله، وتستمر هذه الملكية طوال المشروع من بدايته إلى نهايته، وأن يقوم العقد على أساس أن شروط التعاقد تحددها نشرة الإصدار وأن الإيجاب يعبر عن الاكتتاب في هذه الصكوك، وأن القبول تعبر عنه موافقة الجهة المصدرة، وأن تشتمل نشرة الإصدار على جميع البيانات المطلوبة شرعا في العقد من حيث بيان معلومية رأس المال وتوزيع الربح مع بيان الشروط الخاصة بذلك الإصدار على أن تتفق جميع الشروط مع الأحكام الشرعية، وأن تكون صكوكا قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للاكتتاب باعتبار ذلك مأذونا فيه من أطراف العقد، أن تتداول هذه الصكوك مع مراعاة الضوابط السابقة في التداول وفقا لظروف العرض والطلب ويخضع لإرادة العاقدين، ولا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار ولا الصك الصادر بناء عليها على نص يلزم بالبيع ولو كان معلقا أو مضافا للمستقبل، وإنما يجوز أن يتضمن الصك وعدا بالبيع وفي هذه الحالة لا يتم البيع إلا بعقد بالقيمة المقدرة من الخبراء ويرضي الطرفين، ولا يجوز أن تتضمن نشرة الإصدار ولا الصكوك المصدرة على أساسها نصا يؤدي إلى احتمال قطع الشركة في الربح، فإن وقع كان العقد باطلا، و يستحق الربح بالظهور، ويملك بالتنضيض أو التقويم ولا يلزم إلا بالقسمة، وبالنسبة للمشروع الذي يدر إيرادا أو غلة فإنه يجوز أن توزع غلته، وما يوزع على طرفي العقد قبل التنضيض (التصفية) يعتبر مبالغ مدفوعة تحت الحساب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات