أعلان الهيدر

06‏/03‏/2011

الرئيسية شفيق وشفيق و«المؤامرة» الكبرى

شفيق وشفيق و«المؤامرة» الكبرى



بقلم يسرى فودة ٦/ ٣/ ٢٠١١

انتهى لقائى بوزير السياحة، منير فخرى عبدالنور، قرب الواحدة من صباح الأربعاء فأطلعنى فريقى على ورقة تركها الزميل ألبرت شفيق، مدير قناة «أون. تى. فى»، يلتمس منى تسجيل ما ورد فيها بصوتى. كان هذا هو الإعلان الترويجى للقاء خاص مع رئيس الوزراء، الفريق أحمد شفيق مع الزميلة ريم ماجد بمشاركة الدكتور أحمد كمال أبوالمجد والمهندس نجيب ساويرس والدكتور عمرو حمزاوى.

فى طريق العودة، انشغل بالى، فتكوين الحلقة فى مثل هذا التوقيت بمثل هذه الصورة بدا لى ناعماً أكثر مما ينبغى، رغم إعجابى بموافقة رئيس وزراء هو فى غنى عن مزيد من الضغوط فى دولة تمر بمثل هذا الظرف التاريخى - على الظهور على الهواء مع نخبة ممن يشهد لهم كثيرون بالمهنية والقدرة على الربط والتحليل والاستنتاج. هذا كله شىء وما بقى فى نفسى كان شيئاً آخر.

اتصلت بـ«ألبرت» وقلت له: «لست مستريحاً، لكن فى الوقت نفسه لا يحق لى أن أتدخل فى عملك أو فى عمل ريم». لدى نهاية الحديث كان قد اقتنع بأننى حين أتسلم الهواء بعد نهاية الجلسة بخمس دقائق ستكون تلك الجلسة ذاتها محور برنامجى وسيكون ضيوفى أكثر وقوعاً فى قلب الثورة أو أكثر ميلاً إلى اليسار. ولكن.. من؟ ظل ذهنى مشغولاً.

فى الصباح، كانت خطوتى الثانية على طريق «المؤامرة». نعم، أعترف، كانت تلك «مؤامرة» منى من أجل احترام الذات واحترام الناس واحترام أروع ثورة يشهدها العالم. لا يوجد الآن أمامى متسع من الوقت. من يصلح؟ من يستطيع أن يزن الصورة لدى نهاية سهرة كنت أعلم أنها ستجمع القاصى والدانى أمام شاشة «أون. تى. فى»؟ أعرف الآن أننى أريد ذلك النوع من الضيوف الذى يشعر معه عامة الشعب بأنه يستطيع أن يرفع أصواتهم إلى الأعلى فى جرأة وفى رشد، وبأنه يحمل بين ضلوعه قطعة من ضمير مصر، وبأنه يفهم عن حق ما يريده ميدان التحرير ويستطيع أن يعبر عنه فى بلاغة.

ولأن مصر عامرة بالشرفاء ممن ينطبق عليهم هذا فقد مرت بذهنى أسماء كثيرة لن أذكرها هنا لأننى لم أستأذن أصحابها، لكننى اتصلت فى النهاية بكل من الأستاذ حمدى قنديل والدكتور علاء الأسوانى فاستحسن كل منهما الفكرة وراق لهما أن يكونا جنباً إلى جنب وألغى كل منهما سابق ارتباطاته لتلك الأمسية. اكتمل عقد «المؤامرة» عند هذه النقطة، ثم اتسع نطاقها بدخول «عناصر» من فريق إنتاج برنامج «آخر كلام» الذين طلبت منهم أن يقوموا بتسجيل الفقرات المهمة من حديث رئيس الوزراء على شرائط منفصلة للرجوع إليها إن اقتضى الأمر، مراعاة للدقة.

عندما وصلت إلى مقر القناة قبل وصول الفريق أحمد شفيق بنحو ساعتين كان الزميل ألبرت شفيق فى حيص بيص. إذ يبدو أن أطرافاً بعينها قد علمت بأمر «المؤامرة» قبل «ساعة الصفر»، فلم يهدأ هاتفه وكان من الواضح أنه واقع تحت تأثير ضغوط شديدة تهدف إلى تفريغ «المؤامرة» من محتواها. قلت له إن أمامنا خياراً من اثنين: إما أن نمضى فى تنفيذ الحد الأدنى من أهداف «المؤامرة»، أو أن ألمَّ أوراقى وأدعو بقية «عناصر المؤامرة» إلى العشاء فى مطعم ظريف بدلاً من خوتة الدماغ فى البرنامج. لكننى شرحت له فى الوقت نفسه مزايا وعيوب كل من الخيارين. فى تلك اللحظات تملكنى خاطر «ماكر» عندما بدأت أزين له الخيار الثانى إذا لم يستجيبوا هم للخيار الأول، فقلت له وأنا مطمئن النفس: «عندها سيكونون قد ضربوا أنفسهم بأنفسهم وسيعلم الجميع أن شيئاً على هذا المستوى لم يتغير وأن ما قبل ٢٥ يناير هو بعينه ما بعده إن لم يكن أسوأ».

انتقلت «المؤامرة» إلى المستوى التالى عندما «اختبأت» مع قنديل والأسوانى فى مكتب صغير، منعزل، بارد، خافت الضوء، يترامى عبر نافذته مواء قطة شاردة، وبه - فوق هذا وذاك - أريكة ارتسم على قماشها رمز قناة «أو. تى. فى» المثير للبلبلة بصورة متكررة فيما يشبه الحيلة نفسها التى استخدمت لحياكة اسم الرئيس السابق فى نسيج بدلته (حسنى مبارك.. حسنى مبارك.. حسنى مبارك)، وبما لا يدع مجالاً للشك فى نوايا تلك «المؤامرة».

اتخذ كل منا موقعه ممسكاً، ولا مؤاخذة، بقلم وأوراق كثيرة بيضاء فى مشهد أحمر يسيطر عليه التصميم والتحدى والإصرار على المضى فى «المؤامرة» حتى آخر «عنصر». وعندما بدأ رئيس الوزراء فى الحديث حدث شىء غامض ووقعت المصيبة الكبرى بأن بدأ كل منا فى كتابة بعض الملاحظات. كنا نفعل ذلك منفردين بمنتهى التركيز والدقة، مما قد يثير مزيداً من الشكوك، ولكننا كنا فى منتهى الحرص عندما كان عامل البوفيه يدق الباب من وقت لآخر. وفى كل مرة يحدث هذا كان أحدنا يهرول فيخبئ الأقلام والأوراق، بينما كان يتظاهر الثانى بأنه يمشط شعره بالقلم ويهرع الثالث إلى تغيير القناة.

ثم دق الباب مرة أخرى أثناء الفاصل، وإذا به هذه المرة ألبرت شفيق يطل برأسه ويهمس لى فى نبرة مريبة: «ممكن دقيقة واحدة؟». خرجت إليه فقال لى إنه كان يرشد الفريق شفيق نحو الحمام وجرب حظه فعرض عليه الاستمرار فى حلقة «آخر كلام» إن كان لديه وقت وإن كان يرغب فى ذلك، وأن الفريق شفيق وافق على الفور. كان ردى أيضاً فورياً دون حاجة إلى كلام، لكننى شددته من يده وقلت له ينبغى أن نعرض الأمر معاً على بقية «عناصر المؤامرة». وقد كشفت هذه «العناصر» فجأة عن وجهها الحقيقى عندما وافقت هى الأخرى بترحاب شديد.

هذه ببساطة قصة شفيق وشفيق. أولهما رئيس وزراء راهن بأوراقه الأخيرة على كل شىء أو لا شىء. إذا كان لم يكسب فى نهاية المطاف فيبقى له شرف المواجهة وسعة الصدر وروح الفارس. وثانيهما مدير قناة تليفزيونية استطاع فى ظروف مستحيلة أن يحقق المعادلة المستحيلة. إذا كان قد نجح فإن فى نجاحه نافذة مضيئة نحو نقلة نوعية فى واقع الإعلام العربى كله.

أما ما حدث على شاشة قناتى فليس من حقى أن أعلق عليه فى مقالى، وإن كان من الواضح أن كله «من تحت راس المؤامرة».

استقيموا يرحمكم الله.

هناك تعليق واحد:

  1. مع خالص شكري واحترامي للمبدع يسرى فودة والاستاذ علاء الاسواني ;);)

    ردحذف

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.